أميركا بين إسقاط الأنظمة وصمود لبنان(نسيب حطيط)

بقلم د.نسيب حطيط – الحوارنيوز
شهدت سوريا والعراق تغييراً في الحكم بعد اسقاط الأنظمة الحاكمة طويلة الأمد، فسقط صدام حسين (البعثي- السني) والذي كان إمتداداً، لحكم أهل السنّة للعراق، مع ان الشيعة كانوا الأكثرية. وسقط نظام الأسد (البعثي-العلوي) مع ان السنّة هم الأكثرية في سوريا.
والمُلفت ان كلا النظامين قد اسقطتهما أميركا،فأسقطت صدام حسين بعد استنزافه في حروبه مع ايران والكويت وبشكل مباشر عبر الغزو الأميركي الذي لا يزال يحتل العراق وانتج تقسيماً طائفياً وقومياً.
وأسقطت أميركا النظام في سوريا عبر الجماعات التكفيرية، بعدما اعتمدت الحروب البديلة للنجاة من الخسائر البشرية والمادية وإسقاط الأنظمة بالنيابة عن الناس و بعض الدول الخليجية التي تتولى دفع التكاليف ، مقابل صور تذكارية لإثبات الوجود السياسي والدور الوهمي، مع الإشارة الى ان اميركا ليست مع الشيعة ولا السنّة بل مع مصالحها.
تبادر أميركا لاحتضان ورعاية الشعوب المظلومة من حكامها ،إذا كان لها مصلحة في اسقاط الأنظمة المعادية لها، فتحاصرها وتدعم المعارضة بالسلاح والمال وتُسقط النظام وتُنصّب سلطة تابعة ومطيعة، أما اذا كانت الأنظمة موالية وتابعة لها ،فلن تبادر اميركا لنصرة الشعوب المظلومة ، بل تحاصر المعارضة بوصفها إرهابية وتدعم النظام الظالم وتعمل على إبتزازه ودفع الغرامات المالية والسياسية مقابل حمايته من السقوط.
شكّل لبنان حالة استثنائية متمردة ،استطاعت الصمود وعدم السقوط بالقبضة الأميركية ، بعدما حاولت امريكا اسقاط لبنان مرتين متتاليتين:
– المحاولة الأولى في العام 1958 لدعم الرئيس كميل شمعون ، في مواجهه ثورة 58 التي قامت بوجهه، ووصول الأسطول السادس الامريكي للشواطئ اللبنانية الذي ساعد السلطة بقمع المعارضة (الإسلامية). وانتهت الامور بتسوية مع الرئيس جمال عبد الناصر وانتخاب العماد قائد الجيش فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية وأعقبها انسحاب المارينز الأميركي بعد ثلاثة أشهر من التدخل.
– المحاولة الأمريكية الثانية كانت عام 1982 بعد الإجتياح الإسرائيلي وإحتلال العاصمة بيروت ،فتدخلت أميركا عسكرياً عبر القوات المتعدّدة الجنسيات، لدعم النظام التي نَصبته إسرائيل حاكماً للبنان ولتحل أميركا محل الجيش الإسرائيلي بعد طرد المقاومة الفلسطينية ولتثبيت سيطرتها على لبنان. وانتهى التدخل الامريكي بتفجير مقر المارينز في بيروت الذي أدى لانسحابها ولم تستطع أميركا البقاء أكثر من شهرين .!
تكرّر أميركا محاولتها الثالثة لإسقاط لبنان والسيطرة عليه، كما فعلت في سوريا والعراق، لكن بأسلوب ذكي وحذر وآمن، خلاف المحاولتين السابقتين ،فتخلّت عن الخيار العسكري المباشر وبدأت محاولتها الثالثة بعد الحرب الإسرائيلية المستمرة ،باستخدام الأدوات البديلة من النظام في لبنان والجيش والمؤسسات الأمنية والقوات الدولية والجيش الإسرائيلي ،فإذا وقع الصدام فسيكون بين المعارضة اللبنانية للمشروع الأميركي والسلطة والجيش ، دون خسائر أميركية ، ودون وجود أهداف أميركية مباشره تستطيع المعارضة النيل منها ،كما حدث في الماضي.
إن المؤشرات الميدانية ،توحي بطول الفترة الزمنية للمحاولة الأميركية الثالثة مع إصرارٍ لنجاحها، ثأراً لفشل المحاولتين السابقتين وتثبيتاً للسيطرة الأميركية على ما تم وصفه سابقاً بالهلال “الشيعي” الذي تحطّم وسطه، ولا يزال طرفاه “الايراني واللبناني” يقاومان مع قناعة أميركية بأن الضغط على المقاومة في لبنان بعد الضربات القاسية التي أُصيبت بها وأنهكتها واثخنتها بالجراح، يمكن ان تسهّل عملية اجتثاثها والقضاء عليها. وإذا نجحت أميركا في ذلك ،فإن مشروع “الشرق الأوسط الجديد” والكبير، أي “إسرائيل الكبرى” سيكون بمتناول يدها بعدما أسقطته المقاومة عام 2006 وأخّرت ولادته 20 عاماً!
يظن البعض ان مقاومة المشروع الأميركي والصمود بوجهه أمرٌ مستحيل، وأن سقوط لبنان “أمر واقعٌ” لا يمكن منعه، بسبب تغيّر الظروف، لكن ومع قساوة الحصار وقلّة الأنصار وصعوبة الميدان والأثمان الكبيرة الواجب دفعها ،فإن إمكانية إفشال المشروع الأميركي او تخفيض شروطه وتعديلها وتخفيفها ،أمرٌ ممكن. وكما سقط المشروع الأميركي في المحاولتين السابقتين ،يمكن إسقاطه في محاولته الثالثة ،بشرط ان تكون المواجهة عقلانية وموضوعية غير إنفعالية، وحصر أهدافها بتأمين المصالح الوطنية اللبنانية، وعلينا الإستعداد لحرب طويلة متعدّدة الأساليب ،سيكون الإقتصاد والعمليات الأمنية سلاحها الرئيسي ،لإجتثاث المقاومة وهزيمتها بالحرب الناعمة والساخنة.
إن صَمد لبنان ولم يسقط، لن تستطيع اميركا إستثمار انتصاراتها التي حقّقتها في المنطقة، وإذا سقط وإنهزمت المقاومة ،فستتربع اميركا وإسرائيل على عرش المنطقة، لخمسين عاما على الأقل، وتنتهي القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، وسيكون كل المقاومين “أولاد كلب ” عند الأنظمة …ولذا ستكون الحرب علينا قاسية ومتوحشة.