العالم العربيسياسة

أرضنا وقضيتنا وتاريخنا وتضحياتنا ودماؤنا ليست للبيع

 

اللواء د. محمد أبوسمره *
أفتخر كوني مسلما فلسطينيا عربيا قوميا، من مواليد حي الشجاعية المقاوم الباسل، الواقع شرق مدينة غزة الفلسطينية الساحلية الجنوبية العربية المسلمة التاريخية الشامخة الصامدة الصابرة المحاصرة، الشاهدة دوماً على انكسار وهزيمة ورحيل جميع الغزاة والمحتلين والطغاة على مدى التاريخ.
وأنا وأولادي، وأبي وجدِّي ـــــ رحمهما الله ــــ لاجئون من مدينة عسقلان المجدل الفلسطينية العربية المسلمة العريقة الواقعة جنوب فلسطين المحتلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، والمحتلة من العدو الصهيوني منذ عام 1948 وحتى الآن، ومثلها مثل القدس وغزة وعكا وحيفا والخليل وبئر السبع ويافا واللد والرملة وجميع مدن فلسطين المحتلة، فقد انكسر على أعتاب عسقلان المجدل وأمام أبوابها وجدران أسوارها وقلاعها وحصونها، وفي شوارعها وأزقتها وحواريها وساحاتها وميادينها وساحلها المتوسطي الجميل جميع الغزاة المحتلين وهًزِموا ورحلوا، وبمشيئة الله تعالى سيرحل آخر الغزاة المحتلين الغاصبين الصهاينة القَتَلَة المجرمين عنها وعن كل شبرٍ من أرض فلسطين الطاهرة المباركة .
جذورنا الفلسطينية العربية :
نفتخر ونعتز أنا وأولادي بجذورنا الفلسطينية العسقلانية المجدلاوية الطبريَّة العكاوية العربية الحجازية الحسينية الهاشمية، والتي تمتد عميقاً إلى شتى أنحاء مدن الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، فوالدي وجدي لأبي، وجدي لأمي فلسطينيين عرب مسلمون لاجؤون من مدينة عسقلان المجدل المحتلة، بينما جدنا الأكبر من طبريا، وشارك في قتال الصليبيين الغزاة، واستُشهد ومعه الكثيرون من أجدادنا ورجالات عائلتنا وعشيرتنا ورجالات طبريا وصفد وبيسان والجليل، من كافة رجالات عائلات وعشائر فلسطين الأبطال على مدى قرابة مائة عام من الاحتلال والغزوات والحروب الصليبية التي دنَّست المسجد الأقصى المبارك وبيت المقدس وأرض فلسطين العزيزة الطاهرة وبلاد الشام المباركة حتى بلاد الرافدين وأجزاء من أرض سيناء المصرية العزيزة، وشارك الكثيرون من كبار أعلام ورجالات عائلتنا في جيش صلاح الدين الأيوبي الذي انطلق من مصر المحروسة لقتال الصليبيين، حيث هزمهم وطهرَّ بيت المقدس وبئر السبع وغزة وعسقلان وساحل المتوسط وأرض سيناء من دنسهم، وأرغمهم على مغادرة الأراضي الفلسطينية والمصرية المباركة، بينما واصل الأيوبيون من بعده قتال الصليبيين وتطهير بقية أرض فلسطين وبلاد الشام والرافدين ومصر المحروسة، حتى جلاء آخر مستعمر صليبي عن آخر شبرٍ من الأراضي العربية والإسلامية، ثم شارك جد والدي وأبناءه وأخوته وأبناء عمه وعمومته في قتال الغزو والإستعمار الفرنسي في عكا، واستشهد كثير منهم داخل وفوق أسوار مدينة عكا الصامدة الباسلة وأمام عتبات أبوابها ومداخلها العتيقة، وهم يدافعون عنها وعن الإسلام وفلسطين والأمة جمعاء.
مقاومة مستمرة ومتواصلة:
قاتل جدي وأبي وأعمامي وأبناء أعمامهم وعمومتهم ومعظم أقاربنا وعشيرتنا، الإستعمار والاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية، مثلما قاتلهم جميع رجالات وأبطال وفرسان وعائلات وعشائر وقبائل فلسطين، واستشهد جدي والعديد من أعمامه وأبناء أعمامه وعمومته وأقاربنا في القدس وعسقلان المجدل والفالوجا وأسدود والقسطينة والمسمية وبيت جبرين وبئر السبع والخليل ونابلس وجنين ويافا واللد والرملة وحيفا وعكا والقدس وطبريا وصفد وبيسان، وغيرها من المدن والبلدات والقرى الفلسطينية المحتلة، وشارك الكثير منهم في الثورة القسامية المباركة منذ انطلاقتهاعام 1918 بقيادة الإمام الشهيد الشيخ عز الدين القسام، وفي كافة هبَّات وثورات الغضب الفلسطينية التي أشعلت الأراضي الفلسطينية تحت أقدام الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية المجرمة، ثم في ثورة عام 1935القسَّامية بقيادة الذراع الأيمن للشهيد عز الدين القسام الشهيد أبو إبراهيم الكبير، وامتدادها الطبيعي الثورة القسَّامية الفلسطينية الكبرى عام 1936 بقيادة رفيق درب الإمام الشهيد الشيخ عز الدين القسام، ونائبه الإمام الشهيد الشيخ فرحان السعدي وشقيقه الإمام الشهيد الشيخ نمر السعدي ، وانضم كذلك الأباء والأجداء إلى صفوف (جيش الجهاد المقدس ) بقيادة الشهيد القائد عبد القادر الحسيني، وشاركوا في كافة المعارك البطولية التي خاضها أبطال الجهاد المقدس … 
وعقب  النكبة الكبرى عام 1948 واحتلال الجزء الأكبر من فلسطين، وهجرة أبي وجدتي لأبي وأعمامي وأهلي وعائلتي وأقاربي، وجدي وجدتي لأمي وأخوالي، قسراً من المجدل عسقلان واسدود والفالوجا والمسميِّة والقسطينة وبيت جبرين، ومن طبريا وصفد وبيسان ومرج بن عامر وعكا وحيفا ويافا واللد والرملة ويازور ويبنا، وغيرها من المدن والقرى والبلدات الفلسطينية المحتلة عام 1948 إلى غزة ومصر، والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا ودول الخليج العربي، والعديد من بلاد الشتات والمنافي القريبة والبعيدة، وقاتل أبائي وأجدادي وأهلي وأقاربي كما كل الفلسطينيين العصابات الصهيونية والاحتلال الصهيوني.
امتزاج الدماء الفلسطينية والعربية في مواجهة المشروع الصهيوني :
منذ أواخر القرن قبل الماضي وحتى الآن، والفلسطينييون الأبطال جوهرة الأمة والشرق والعالم يجاهدون ويناضلون ويقدمون البطولات تلو البطولات، والتضحيات العظام تلو التضحيات، ويتصدُّون بمشاركة عشرات آلاف الأبطال من المناضلين والمجاهدين والمقاتلين والثورا العرب للمشروع الصهيوني الإستعماري الإستيطاني الإحلالي المدعوم غربياً، وارتقى منذ ١٥٠ عاماً أكثر من مليون شهيد فلسطيني وعربي، وامتزج الدم الفلسطيني بالمصري والأردني والسوري واللبناني والسعودي والكويتي والخليجي والجزائري والمغربي والتونسي والعربي والإسلامي دفاعاً عن أرض فلسطين التاريخية وعن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية وعن سيناء المصرية والجولان السورية وعن الأراضي اللبنانية والأردنية المحتلة، وشارك الفلسطينييون في المقاومة الشعبية أثناء العدوان الثلاثي على الشقيقة الكبرى مصر وقطاع غزة، والذي نتج عنه احتلال العدو الصهيوني لقطاع غزة وأجزاء من جزيرة سيناء قرابة مدة عام، واستمرت عقب الإنسحاب الصهيوني من قطاع غزة وجزيرة سيناء عام 1957، مقاومة الفلسطينيين للعدو الصهيوني بكافة الأشكال والأدوات والوسائل والأساليب، حتى جاءت حرب ١٩٦٧ وما تلاها من نكبةٍ كبرى ومصائبٍ وكوارثٍ واحتلالٍ غاشمٍ، وطرد وتهجير وقتلٍ وتشريد واعتقال وقمع وظلم واضطهاد للفلسطينين وتنكيل بهم، ورغم ذلك لم يبقَ فلسطينياً واحداً قادراً على حمل السلاح والمشاركة في المقاومة والعمل الفدائي البطولي، إلاَّ وحمل السلاح وقاتل العدو الصهيوني المجرم.
ورغم تلك النكبة والكارثة الكبرى واحتلال باقي فلسطين، ومعها أرض شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية، إلاَّ أنَّ المقاومة الفلسطينية والمصرية والعربية البطولية بكافة أشكالها تواصلت واستمرت وتطورت بأشكال ووسائل وأدوات وطرق وأساليب عديدة ومختلفة ومتنوعة .
ومع احتلال قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية والمسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة وغيرهما من المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين المحتلة، واصل الفلسطينييون الأبطال المقاومة والقتال والصمود والرباط والصبر، وصنعوا مجد فلسطين الجميل المشرق بالتضحيات والبطولات  ومجد وعزة الأمة كلها، ودافعوا عن كرامة الفلسطينيين، وعن كرامة الأمة، وقدموا من التضحيات والبطولات ما لا يمكن وصفها وتسجيلها ومما لاحدود لها، ومازالت بطولات وتضحيات وأمجاد الفلسطينيين العظماء الأبطال البواسل مستمرة حتى هذه اللحظة، وستبقى كذلك حتى دحر الاحتلال الصهيوني الغاصب عن أرضهم المباركة ووطنهم المحتل ومقدساتهم الطاهرة المقدسة .
الكتيبة "41 " / ( فدائيو الشهيد مصطفى حافظ ) :
توهجتَّ واشتعلت المقاومة الفلسطينية والمصرية الباسلة عقب هزيمة العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة، وازدادات شعلة العمل الفدائي الفلسطيني وهجاً واشتعالاً وقوةً، عقب انسحاب العدوان والاحتلال من الأراضي الفلسطينية والمصرية التي احتلها الغزاة عام 1957، واشتدت ضربات المقاومة الفلسطينية بدعمٍ من الشقيقة الكبرى مصر انطلاقاً من قطاع غزة، حيث كانت انطلاقة العمل الفدائي النوعي بقيادة الفدائي المصري ـــــ الفلسطيني العقيد الشهيد البطل مصطفى حافظ، وعرفت حينها باسم ( الكتيبة 41/ ك 41 )، أو ( كتائب الفدائيين )، ثم أطلق أهالي قطاع غزة والفدائيين المشاركين في صفوفها محبةً بمؤسسها القائد الشهيد البطل، عليها اسم: ( فدائيو الشهيد مصطفى حافظ ).
وشكلَّت كتائب الفدائيين الفلسطينيين التي انطلقت للعمل الفدائي انطلاقاً من قطاع غزة، عقب انتصار ثورة 23يوليو 1952 المجيدة بقيادة الزعيم العربي المصري الراحل الرئيس الشهيد جمال عبد الناصر ورفاقه، النواة الصلبة لجيش التحرير الفلسطيني، ولقوات التحرير الشعبية، وهذا الموضوع يحتاج كتابةً تفصيلية عنه من أجل توثيق واحدة من أهم حقب ومراحل النضال والكفاح الفلسطيني والمصري ضد الإستعمار والاحتلال والمشروع الصهيوني والاستعمار الغربي.
ومن المهم الإشارة والتوضيح أنَّ الإستعمار البريطاني ثم الاحتلال السرطاني الصهيوني، اعتقلوا منذ مطلع القرن الماضي وحتى الآن أكثر من مليون فلسطيني.
صبر وصمود وتضحيات :
قدَّمت عائلتنا وعشيرتنا على هذا الدرب وهذه الطريق، مثلها مثل جميع عائلات وعشائر وقبائل فلسطين، مئات الشهداء والجرحى والمبعدين والمطاردين والأسرى، وأمضيتُ والعديد من أشقائي وأبناء عمي وعمومتي والكثير من أبناء عائلتنا وأقاربنا وعشيرتنا سنوات طويلة من أعمارنا في سجون الاحتلال، ومنذ التحاقي في صفوف حركة فتح والثورة الفلسطينية أوائل السبعينات، ثم تأسيسي عام 1978 لمنظمة الشباب الحر الفلسطيني، ومشاركتي نهاية السبعينات في تأسيس التيار الإسلامي الثوري في فلسطين ( الموالي لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية والثورة والقيادة الفلسطينية، وبتعليماتٍ مباشرةٍ من القيادة الفلسطينية )، ومشاركتي عام 1980 في تأسيس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، فقد تعرضتُ مراتٍ عديدة للإعتقال في سجون ومعتقلات وزنازين العدو الصهيوني ، ولمحاولات الاغتيال من العدو وعملائه الخونة المجرمين، وبحمد الله تعالى فليس هناك من جزءٍ أومكانٍ في جسدي إلاَّ وبه إصابات، أو آثار لإصاباتٍ أو كسورٍ أو شظايا، ولقد كانت ومازالت رحلة العمر والجهاد والكفاح نحو فلسطين، وفي الطريق إليها، ومن أجلها صعبة، شاقة، مؤلمة، صعبة، معقدة، نزفنا فيها الدماء والدموع، وتحمَّلنا ــ ومازلنا ــــ أشكالٍ مختلفة وعديدة من المعاناة والألام والعذابات التي لاتحتملها ولاتطيقها الجبال، وقدَّمنا كل ما يمكننا تقديمه من التضحيات لأجلها ، وسنبقى نقدِّم لها  كل ما نستطيع تقديمه ، إبتغاء مرضاة الله تعالى ، وحباً في فلسطين ومقدساتها، وعشقاً لها، وعلى طريق تحريرها.
وتشهد كافة مواقفنا ونشاطاتنا السياسية والجهادية والإعلامية والعلمية والفكرية والثقافية، وجميع كتاباتي ومؤلفاتي ومشاركاتي الدينية والعلمية داخل فلسطين وخارجها على صدق وعمق هذه قناعاتنا، وقد دفعت ــ أنا وأسرتي والكثيرين من إخواني وأقاربي والمقربين مني، وأتباعي وتلامذتي وأنصاري ـــ داخل الوطن وفي المنافي، من أجل ذلك ثمنا باهظاً من لحمنا الحي ودمائنا وأموالنا وممتلكاتنا، ومن آلامنا ومعاناتنا وعذاباتنا التي فاقت كل وصف، وحالي وحالتي هذه، وقصتي وحكايتي شبيهة بقصص وحكايات وأحوال جميع الفلسطينيين، فكيف لمثلنا أن يقبل لأحدٍ أن يبيع ذرة ترابٍ من أرضنا الفلسطينية المقدسة والمباركة، أوقطرة من دماءنا وتضحياتنا وعذاباتنا وجراحنا ومعاناتنا وقهرنا وظلمنا وصبرنا ودموعنا وآهاتنا وأرواح شهداءنا، وتضحيات وعذابات أباءنا وأمهاتنا وأجدادنا..!!
الإبعاد والنفي والعودة :
بسبب قرار سلطات الاحتلال الصهيوني الجائر بنفي وابعاد القسري عن أرض فلسطين، أمضيتُ عشر سنوات من عمري متنقلاً بين المنافي،  واثر نشأة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 عقب توقيع إتفاقيتي أوسلو في شهر أيلول / سبتمبر 1993، فقد منعتني سلطات الاحتلال من العودة إلى وطني، وبقي الزعيم الفلسطيني الخالد الرئيس الشهيد ياسر عرفات رحمه الله يطالب ويُلِّح ويمارس ضغوطه على سلطات الاحتلال للسماح لي بالعودة، وأمام إصرار سلطات الاحتلال على عدم السماح لي بالعودة، أمرني الرئيس الشهيد أبوعمار رحمه الله تعالى ، عام 1996بمغادرة لبنان، والتوجه فوراً إلى القاهرة، ومن مطارها مباشرةً إلى معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، وكان يعلم على وجه اليقين أنَّ سلطات الاحتلال  لن تسمح لي بالعودة، وهذا ماحدث بالفعل، ولكنه رحمه الله أمرني بالبقاء في الجانب المصري من الحدود، حتى يتم من انتزاع الموافقة على عودتي إلى وطني، وقال لي رحمه الله، حرفياً : ( عليك بالبقاء في المعبر، حتى لو ستبقى سنة كاملة، فعليك البقاء حتى نتمكن من الضغط عليهم للسماح لك بالعودة، وإلاَّ فإننا لن نتمكن من إعادتك أبداً)، وبالطبع التزمتُ بتعليماته، وبقيتُ بالفعل عالقاً في معبر رفح الحدودي لمدة عام كامل ١٩٩٦ ـــــــ ١٩٩٧ بسبب اصرار سلطات الاحتلال على منعي من العودة.
وبذل الرئيس والزعيم الفلسطيني الخالد الشهيد ياسر عرفات ـــ أبوعمار رحمه الله تعالى، والقيادة المصرية مشكورين جهوداً كبيرة ومتواصلة ومكثَّفة من أجل الضغط على سلطات الاحتلال للسماح لي بالعودة إلى وطني، وعندما أثمرت تلك الجهود، تمكنتُ من العودة إلى غزة مسقط رأسي، يوم الأربعاء 28/2/1997، وتوجهت صباح اليوم التالي الخميس 1/3/1997، برفقة الزعيم الخالد الشهيد ياسرعرفات رحمه الله تعالى، على متن طائرته المروحية إلى مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني، الذي انعقد فيها برئاسة ورعاية الزعيم الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات رحمه الله، يومي1 و 2/3/ 1997، مع كافة الفصائل والقوى السياسية الفلسطينية.
نابلس وذكريات النضال والحب المتبادل :
تربطني بنابلس العريقة الجميلة الرائعة الأصيلة، هذه المدينة الفلسطينية التاريخية العتيقة الباسلة منذ سنوات بعيدة علاقة متينة من الحب والعشق المتبادل، حيث عشتُ ودرستُ وناضلتُ وكافحتُ فيها وعبرها، ولي فيها الكثير من الأقارب والأصدقاء والأحبة والذكريات الجميلة، وأعرفها وأعرف عائلاتها ورموزها ووجهائها وعلمائها والعديد من شهدائها البواسل، وأعرف كذلك قراها وبلداتها ومخيماتها وجبالها وحواريها وأزقتها وشوارعها ومساجدها ومقامات وقبور وزوايا العارفين بالله والأولياء الصالحين فيها، مثلما أعرف القدس وغزة وعسقلان ومعظم مدن فلسطين وقراها، ولذلك كانت زيارتي الأولى لها برفقة الزعيم الخالد الشهيد أبوعمار رحمه الله، قبل مرور أقل من 24ساعة على عودتي إلى فلسطين الحبيبة بعد إبعاد قسري استمر لعشر سنواتٍ متتالية، بمثابة هديةً ومكافأةً ربانية على صبري وصمودي في الغربة والمنافي وعلى الحدود لعامٍ كاملٍ بانتظار العودة إلى أرض الوطن الحبيب.
وسيأتي الوقت ـــــ إن شاء الله ـــ لاحقاً للكتابة عن ذلك العام الصعب والجميل الذي أمضيته على الحدود الفلسطينية المصرية، وكيف تمكَّن الزعيم الفلسطيني الخالد الرئيس الشهيد ياسر عرفات، أن يخوض بعناد وبسالةٍ وإصرارٍ وإرادةٍ صلبة معركة إعادتي إلى أرض الوطن، حتى تمكن بدعم ومساندة وتدخل وضغوط القيادة المصرية من إنتزاع موافقة سلطات الاحتلال على عودتي، أثناء المفاوضات على الإنسحاب الصهيوني من محافظة الخليل وجنوب الضفة الغربية المحتلة، وسيطرة  السلطة الوطنية الفلسطينية عليها، ونشر القوات الفلسطينية فيها، فيما عرف بـــ ( اتفاقية الخليل 2)، التي تم التوصل إليها نهاية شهر شباط / فبراير1997.
على درب القادة الشهداء:
كان ومازال وسيبقى حلمي وأملي النصر أو الشهادة في سبيل الله تعالى، ودفاعاً عن وطننا ومقدساتنا وأرضنا المباركة الطاهرة على خطى ونهج أئمة وسادة الشهداء والثوار والمجاهدين والفدائيين على أرض فلسطين المباركة الطاهرة المقدسة، بدءاً بالإمام الشهيد الشيخ عز الدين القسام، فالشيخ فرحان السعدي، والشيخ نمر السعدي، والشيخ أبو إبراهيم الكبير، والمفتي الشيخ الحاج أمين الحسيني، وقائد الجهاد المقدس الشهيد عبد القادر الحسيني، وأمير الشهداء أبوجهاد خليل الوزير، وجميع القادة الشهداء للثورة الفلسطينية الحديثة والمعاصرة، حتى الرئيس القائد المؤسس الرمز الشهيد ياسر عرفات رحمهم الله جميعاً، وعلى خطى ونهج قائد المسيرة الثابت على الثوابت، فخامة السيد الرئيس محمود عباس حفظه الله تعالى .. وإنَّ قائمة القادة الشهداء والثوار والمجاهدين في فلسطين المحتلة ، وعلى طريق تحريرها، قائمةٌ طويلة جداً لانهاية لها من الأسماء الجليلة العظيمة الكبيرة ..
الوعد الحق :
نحن أبناء وثوار فلسطين الحبيبة الطاهرة المقدسة، أصحاب القضية والحق والأرض المباركة، كنا، ومازلنا، وسنبقى نقاوم المشروع الصهيوني منذ قرابة 150 عاماً، ولن يضيرنا الاستمرار في مقاومته بضعة أعوام أخرى، لأننا على ثقةٍ مطلقة بالله تعالى وبوعده الكريم الحق الصادق اليقين، وعد الآخرة، وبوعد سيد الأنبياء والرسل أجمعين (صلى الله عليه وآله وسلم)، لنا بالنصر والفتح والعودة فاتحين منتصرين إلى المسجد الأقصى المبارك، وإلى أرضنا المباركة وديارنا ووطننا وبيوتنا ومزارعنا ومساجدنا ومقدساتنا، وطرد العصابات الصهيونية وتطهير فلسطين الحبيبة من رجسهم ودنسهم، ورغم كل الظلام والسواد والإنهيار الذي يحيط بنا من كل جانبٍ، إلا أننَّا على ثقة مطلقة بالله تعالى ووعده الحق بقرب تحقق وعد الآخرة، والنصر والحرية والاستقلال واقامة دولتنا الفلسطينية، ووحدة الأمة العربية والإسلامية.
وكل مايحدث الآن، ليست سوى عوامل التعرية والانكشاف التي تمهد لنهوض ووحدة وتماسك وانتصار الأمة من جديد، ولن يتنازل شعب فلسطين البطل الباسل أبداً عن شبرٍ واحدٍ من أرض فلسطين التاريخية، وسيتقدم الفلسطينييون الأبطال جوهرة الأمة والشرق والعالم لصناعة مستقبل الأمة واستنهاضها، ففلسطين المباركة هي مستقبل الأمة، وبالتماس المباشر مع القدس وفلسطين سيكون صعود الأمة ووحدتها ونهضتها وانتصارها، وسيصنع الفلسطينيون المرابطون بصمودهم وبطولاتهم وصبرهم وكفاحهم مستقبلهم ومستقبل الأمة ومستقبل الإسلام والمسلمين، وستظل ــــ إن شاء الله ـــــ فلسطين والقدس والمسجد الأقصى وماحولها طاهرة مباركةً إلى يوم الدين، وسنظل ونبقى ونستمر نحن المرابطون، كما وعدنا وأمرنا الله تعالى، والنبي الكرم (صلى الله عليه وآله وسلم ): ( في رباطٍ وجهادٍ إلى يوم الدين ).
وإننَّا على يقين بأنَّ الهزيمة والإنكسار ليست قدر أمتنا وشعبنا ، بل النصر المؤكد هو قدرنا الحقيقي ومستقبلنا المشرق بإذن الله تعالى.
الخلاصة :
واهمٌ من يظن أو يعتقد بأنَّ الشعب الفلسطيني النبيل الأصيل الصابر المرابط سيسمح لأحدٍ، من التحدث باسمه سوى فخامة السيد الرئيس محمود عباس، الرئيس الشرعي والمنتخب والقائد التاريخي والرمز، ومعه القيادة الفلسطينية الشرعية والتاريخية ومنظمة التحرير الفلسطينية ..؟؟!!، ولهذا نقول للجميع شرقاً وغرباً، عرباً وعجماً، وبمنتهى الوضوح : نحن الفلسطينييون ليس لدينا مانبيعه، ووطننا وأرضنا ومقدساتنا ودماؤنا وتاريخنا وتضحياتنا ليست للبيع، والقدس بوابة السماء، والمسجد الأقصى المبارك وجميع مقدساتنا ليسوا للبيع  …
لا ، وألف مليون لا لكافة أشكال الإستسلام والتطبيع مع الاحتلال الغاصب لأرضنا ووطننا وحقوقنا ومقدساتنا، ونعم، و16 مليون نعم للرئيس الفلسطيني، القائد والرمز الثابت على الثوابت الأخ أبومازن محمود عباس، ونعم و16 مليون نعم لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني البطل المرابط الصامد الصابر الشامخ الطيب الأصيل …
* رئيس تيار الاستقلال الفلسطيني .قيادي ومؤرخ ومفكر فلسطيني ــ رئيس مركزالقدس للدراسات والإعلام والنشر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى