أدب وشعرثقافةفي مثل هذا اليوم

أحمد رامي في ذكرى رحيله:الشاعر الذي احترق بحب أم كلثوم.. وأسهم في صناعة مجدها

 

كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز

في مثل هذا اليوم ،الخامس من حزيران عام 1981،إنطفأ شاعر الشباب أحمد رامي ورحل عن 89 عاما،مخلفا وراءه خزانا من الشعر الغنائي فاق المائتي أغنية ،بينها 110 أغاني لسيدة الغناء العربي كوكب الشرق أم كلثوم.

وحكاية أحمد رامي مع أم كلثوم لم تكن حكاية شاعر ومطربة فقط ،بل هي قصة حب من طرف واحد أحرقت وجدان الشاعر الكبير فأبدع في نظم القصائد التي أسهمت إسهاما كبيرا في صناعة مجد “الست”،لكنها في الوقت نفسه خلّدت الشاعر.فلولا صوت أم كلثوم لما بلغ أحمد رامي تلك الشهرة العالمية،وفي المقابل لولا أحمد رامي لظل مجد أم كلثوم ناقصا.

المصري ذو الأصول التركية

ولد أحمد رامي في حي الناصرية بالقاهرة في 9 آب/ أغسطس عام 1892 لعائلة مصرية من الطبقة المتوسطة. كان جده الرابع لأبيه من أصل تركي، وكان والده عند مولده طالبًا في كلية الطب في قصر العيني وأصبح لاحقًا طبيبًا في القصر.

 أمضى أحمد السنوات الأولى من طفولته مع والده في جزيرة “ثاسوس” التي كانت مملوكة للخديوي عباس الثاني. عاد إلى القاهرة عام 1901 ليعيش مع عمته. التحق بالمدرسة الابتدائية المحمدية ومدرسة الخديوي الثانوية المرموقة في القاهرة. في هذه الفترة كان رامي يحضر المنتديات الشعرية الأسبوعية ويبدأ في تنمية موهبته الشعرية.

كتب قصيدته الأولى عندما كان في الخامسة عشرة من عمره وبدأ في التعبير عن رده على الأحداث السياسية في قصائده. ظهرت  قصيدته الأولى عام 1910 في مجلة الروايات الجديدة. بعد تخرجه من كلية المعلمين العليا عام 1914، تم تعيينه مدرسًا للجغرافيا واللغة الإنجليزية في المدارس الخاصة في السيدة زينب، ثم في الغربية والمنيرة. تعرّف على شعراء وفناني عصره، مثل عبد الحليم المصري وأحمد شوقي وأحمد نسيم وحافظ إبراهيم. بعد ست سنوات، تم تعيينه أمين مكتبة في مكتبة المعلمين العليا، ما أتاح له فرصة فريدة لقراءة الشعر والأدب باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية. وفي عام 1918، نشر رامي أول ديوان له، قدم للقراء العرب نوعًا جديدًا من الشعر.

عام 1924، حصل رامي على منحة دراسية وأرسل إلى باريس في مهمة تعليمية حيث حصل على ترخيص في الأدب باللغة الفارسية من مدرسة اللغات الشرقية . ساعدته شهادة اللغة الفارسية في ترجمة كتاب عمر الخيام الرباعي الشهير من النسخة الفارسية الأصلية إلى العربية. كانت ترجمته كافية لدرجة أنها عكست فلسفة الخيام.

في عام 1925، عمل أمين مكتبة في دار الكتب ودار المحفوظات المصرية، حيث طبق التقنيات الحديثة لأمانة المكتبات التي تعلمها في فرنسا لتنظيم المكتبة. كما نشر مجموعته الشعرية الثانية والثالثة في عام 1925. بعد العمل في دار الكتب لمدة 13 عامًا، في عام 1938، عمل رامي في مكتبة عصبة الأمم في جنيف كأمين مكتبة بعد انضمام مصر رسميًا إلى العصبة. وعاد إلى مصر عام 1945 حيث عمل مستشارًا لدار الإذاعة المصرية. ثم عاد إلى دار الكتب نائباً لرئيس مجلس الإدارة بعد ثلاث سنوات. عين رامي نائبا لرئيس مجلس إدارة دار الكتب في عام 1948 ومستشارا أدبيا للإذاعة المصرية الحكومية في نوفمبر 1954. ساهم في الهلال بين عامي 1936 و 1954 وكتب مسرحيات لكل من المسرح والشاشة. خلال مسيرته، حصل أحمد رامي على عدد كبير من الجوائز والأوسمة التقديرية. وفي عام 1965 نال جائزة الدولة للآداب وسام التميز الفكري من الملك الحسن الثاني ملك المغرب. ونال وسام الاستحقاق من الدولة في الأدب عام 1967،كما حصل على دكتوراه فخرية من أكاديمية الفنون عام 1976، وحصل على وسام الاستحقاق اللبناني المرموق، ومنحته جمعية الملحنين ومقرها باريس درعًا تذكاريًا تقديرا لمساهماته.

 أحمد رامي وأم كلثوم

  تعرّف احمد رامي على أم كلثوم عام 1924 بعد عودته إلى القاهرة من دراسته في باريس. وقد وصفته بأنه مزيج روحي من المشاعر الملهمة، والثورة المكبوتة بعمق، والهدوء والتفاني.

الحب من النظرة الأولى كان عنوان بداية أول لقاء جمع بين رامي وكوكب الشرق. ففي يوم الخميس 24 يوليو من عام 1924، دعاه صديقه  محمد فاضل، ليسهر معه في حديقة الأزبكية. وفي تلك الليلة وللمرة الأولى استمع لأم كلثوم التي كانت تشدو بدون آلات موسيقية، وما إن فرغت المطربة الشابة من الغناء، حتى دنا منها وباغتها رامي: مساء الخير يا ستي. وردت أم كلثوم: مساء الخير، فقال رامي: أنا حاضر من غربة ونفسي أسمع قصيدتي، ففطنت أم كلثوم، وقالت: إزيك يا سي رامي.. وغنَّت: «الصَبُّ تفضحُهُ عيونُه.. وتَنمُّ عن وَجْدِ شجونِه»، ومن لحظتها سرى دبيب الحب في قلب رامي  .

 

 ألف أحمد رامي لأم كلثوم 110 أغاني بين قصيدة وطقطوقة، واختتم مسيرته معها عام 1972 بأغنية “يا مسهرني” التي لحنها الفنان الكبير سيد مكاوي،وقيل إن هذه الأغنية تليق بلوثة الحب التي أصابته بها أم كلثوم من أول نظرة، دون سبيل للوصول إلى قلبها على مدار نصف قرن بالتمام والكمال، على الرغم من إفصاح رامي مع كل أغنية عن مشاعره تجاهها، ليمكن اختصار هذا المشوار الفني العظيم، في أن الحب خسر فيه، ولكن الفن والمكتبة الأدبية فازت بهذه الفاجعة من الحب الذي لم يكتمل.

 لم ينل أحمد رامي من أم كلثوم كلمة تطفئ نار الحب في قلبه، واكتفى بأن تشدو حنجرتها بأغنياته، ورغم صبر نصف قرن من الزمان وسنوات الشك والقطيعة، غلب حب رامي حقده، وظل محبا لا يستطيع مغادرة عباءة أم كلثوم، حتى أنه لم يأخذ مقابلا ماديا عن أغنياته لها، بل كان يكفيه شعور أنها هي من تغني قصائد. رفض  رامي أن يتقاضى أجرًا ثمنًا لأغانيها التي يؤلفها، مبررًا ذلك بأنه يحبها، قائلًا: “إنني أحب أم كلثوم كما أحب الهرم، لم ألمسه، ولم أصعد إليه، لكني أشعر بعظمته وشموخه، وكذلك هي”، إلا أنها اتهمته بالجنون قائلة له: “أنت مجنون لأنك لا تأخذ ثمن أغانيك” فردّ عليها: “نعم، أنا مجنون بحبك، والمجانين لا يتقاضون ثمن “…٠

 

 

رامي الذي نال منه الاكتئاب، هجر الشعر والكتابة بعد وفاة أم كلثوم، وما أن دعاه الرئيس الراحل أنور السادات إلى حفل تأبينها بعد عام على رحيلها، رغم مرضه وعزلته إلا أنه لبى نداء محبوبته فهو ذاهب للقائها في قصيدة رثاها فيها وكأنه يرثي نفسه وحاله، ويسدل الستار على قصة حب أسطورية تستعصي على التكرار من جميع أطرافها، من رجل لا يضن بحبه على امرأة لا تبادله حبًا بحب، حتى بعدما قضت نحبها، حيث أنشد: «ما جال في خاطري أنّي سأرثـيها.. بعد الذي صُغتُ من أشجى أغانيها.. يـا دُرّةَ الفـنِّ.. يـا أبـهى لآلئـهِ.. سبـحان ربّي بديعِ الكونِ باريها “.

الرثاء بصوت رامي:

 

 

قطيعة مُرّة

جملة واحدة  فجرت صفو العلاقة بين أم كلثوم ورامي: “يا ريتني ما عرفتك يا شيخ” . طوت هذه الجملة صفحات الود التي استمرت على مدار سنوات، حيث أنه في حفل تكريم لعبد الوهاب في دار الموسيقى العربية، وقع سوء تفاهم سرعان ما تفاقم بينهما. جملة كان وقعها على رامي كالخنجر الذي غرس في فؤاده، وما أن عاد إلى بيته حتى مزق كل صور أم كلثوم التي كان يعلقها على جدران منزله، واستمر توتر العلاقة بينهما لشهور، حاولت «الست» خلالها مصالحته، ولكن رامي العاشق كان يرفض لقاءها لما كان للجملة من وقع مؤذ على قلبه، وانتهت هذه القطيعة في النهاية بوساطة من صديقه الملحن محمد القصبجي ، وبالأغنية التي عبر فيها عن استيائه من تصرفها، والتي كانت تقول: «أصون كرامتي من قبل حبي.. فإن النفس عندي فوق قلبي.. رضيت هوانها فيما تقاسي.. وما إذلالها في الحب دأبي “.

 

 

عندما سألتها إحدى المذيعات عن رامي، قالت أم كلثوم: “إنه شاعري يحترق لينير طريقي”، وكانت تؤكد دائما أنها تحب فيه الشاعر وليس الرجل. رامي نفسه يصف عدم مقدرته على التحكم في مشاعره تجاه كوكب الشرق أم كلثوم، بقوله: “حفضل أحبك من غير ما أقولك.. إيه اللي حير أفكاري، لحد قلبك ما يوم يدلك.. على هواي المدّاري»(أغنية حيرت قلبي معاك)، بل وإنه رغم زواجه وإنجابه أطفالا إلا أنه كان لا يخجل في التعبير عن حبه لـ”الست”، ولعل أغنية: «جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح.. حرام عليك خليه غافل عن اللي راح” تعكس ذلك وتثبت مدى تعلقه بها، والتي بسببها اشتعلت نار الغيرة في قلب السيدة عطا لله زوجة رامي آنذاك.

 

تعلق أحمد رامي بأم كلثوم تجاوز مرحلة الحب – على حد وصفه – ووصل إلى حد التقديس، واعترف رامي بهذا الحب العميق في حوار صحفي كان قد أجراه معه الكاتب محمد تبارك، وقال نصا: «أحببت أم كلثوم حتى التقديس.. ولم أندم لعدم زواجي منها.. والآن أعاني الاكتئاب منذ أن غابت عن الدنيا.. ولم يبق عندي سوى الدموع. فقد بكيت كثيرا في طفولتي وشبابي.. والآن أبكي أكثر بعد رحيله».

مقطع من المقابلة:

مؤلفاته

لرامي ديوان بأربعة أجزاء،ولأم كلثوم منه 110 أغاني كان أبرزها “رباعيات الخيام”،وأيضا:

 

 

 أعمال أخرى
ساهم رامي في ثلاثين فيلما سينمائيا، إما بالتأليف أو بالأغاني أو بالحوار، من أهمها: «نشيد الأمل، و«الوردة البيضاء»، و«دموع الحب»، و«يحيا الحب»، و«عايدة»، و«دنانير»، و«وداد».

كتب للمسرح مسرحية «غرام الشعراء»، وترجم مسرحية «سميراميس». كما ترجم كتاب “في سبيل التاج” من فرانسوكوبيه كما ترجم «شارلوت كورداي» لـ يوتسار، ورباعيات الخيام وعددها 175 ،وكانت أول الترجمات العربية عن الفارسية، كما ترجم بعض قصائد ديوان ظلال وضوء لسلوى حجازي عن الفرنسية.

 

ونال رامي الجوائز الآتية:

  • جائزة الدولة التقديرية 1967
  • وسام الفنون والعلوم
  • وسام الكفاءة الفكرية من الطبقة الممتازة من الملك الحسن ملك المغرب
  • درجة الدكتوراه الفخرية في الفنون

*وهذه أم كلثوم تغني رباعيات الخيام لأحمد رامي على خشبة قصر الأونيسكو في بيروت لمن يرغب:

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى