رأي

هل ينجح حيث توقف قطار فؤاد شهاب؟(صلاح سلام)

 

الحوارنيوز – صحافة

 

تحت هذا العنوان كتب صلاح سلام في صحيفة اللواء يقول:

 

من الطبيعي أن تعمّ الفرحة أرجاء لبنان بإنتخاب الرئيس جوزيف عون رئيساً للجمهورية، بعد سنتين وشهرين ونيّف من الشغور في المركز الدستوري الأول في البلاد، وما تَسبَّبه من خلل في مفاصل الدولة، والمؤسسات العامة التي أصابها الشلل النصفي، بسبب تداعيات الإنهيارات المالية والنقدية، وتدني مستوى الأجور في القطاع العام خاصة. 

إنجاز الإستحقاق الرئاسي يجب أن يضع خطاً عريضاً بين مهاوي التردي والتعثر والضياع، وآفاق الآمال العريضة التي تضمنها خطاب القسم الطموح، والذي يجسد إرادة الرئيس الجديد في إعادة بناء دولة المؤسسات، ووضع البلد على سكة الإصلاح والإنقاذ. 

لم يعد ينفع الخوض في كواليس مفاوضات الربع ساعة الأخير، التي فتحت أبواب بعبدا أمام قائد الجيش، فما حصل قد حصل، ولا عودة إلى الوراء. والأهم اليوم هو التطلع إلى الأمام، لتسريع خطى إخراج البلد من نفق الأزمات والمشاكل المتراكمة، إلى رحاب الحلول الملائمة، سيّما وأن العهد الجديد جاء نتيجة تفاهمات دولية وعربية، وخاصة أميركية وسعودية. وثمة في الأفق ما يشير إلى إستعدادات واعدة للدعم الكامل للبنان في الفترة المقبلة، سواءٌ لإطلاق ورشة الإعمار، أم على مستوى الإصلاحات، وتعزيز التعاون في مختلف المجالات الحيوية لما فيه مصلحة البلدين.

إلإستشارات النيابية اليوم، وما سيعقبها من تكليف لصاحب أكثرية الأصوات بتشكيل الحكومة العتيدة، ستكون بمثابة الإختبار الأول لمسيرة العهد، ومدى قدرتها على تجاوز العقد التقليدية، والصعوبات السياسية، والنفاد إلى تجسيد المبادئ والعهود التي تضمنها خطاب القسم، قبل أن يجف الحبر الذي كُتب به، ويدخل عالم النسيان.  

المواصفات «النظيفة» التي وضعتها لجنة الدول الخماسية، تنطبق على الرئيس 

جوزيف عون، من حيث إبتعاده عن بؤر الفساد، ووقوفه على مسافة واحدة من الأطراف السياسية، وعدم إنتمائه إلى أي فريق من الأفرقاء المتصارعين على الحلبة الداخلية، يوحي بالثقة في الداخل والخارج، ويحظى بأوسع قاعدة تأييد شعبية ونيابية. لذلك عندما سأل أحد الأقطاب اللبنانيين الموفد السعودي الأمير يزيد بن الفرحان، عن مرشح آخر للخماسية غير العماد جوزيف عون، كان الرد الفوري للأمير: لا أحد! 

وثمة تفاهمات، حتى لا نقول مواصفات أيضاً، وضعت للحكومة ورئيسها من قبل الخماسية، لعل أهمها أن يكون الوزراء من أصحاب الكفاءات والخبرات والناجحين في إختصاصاتهم، وبعيدين عن الوسط السياسي وفساده، ويوحون بالثقة للبنانيين، وللعواصم المعنية بالوضع اللبناني، ويشكلون فريق عمل منسجم يكمّل التعاون والإنسجام بين رئيسي الجمهورية والحكومة.

ورغم محدودية عمر الحكومة المنتظرة بفترة إستحقاق الإنتخابات النيابية في أيار من العام المقبل، فثمة مهام كبيرة وأساسية تنتظرها، في مقدمتها ملء الشواغر في الإدارات العامة والسلك الديبلوماسي، ووضع أسس معالجة الوضع المالي والنقدي، ومتفرعاته في إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وحماية أموال المودعين، التي تعهد بها الرئيس في خطاب القسم، وتحريك المفاوضات المعلقة مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وجذب الإستثمارات الخارجية، إلى جانب طبعاً إعداد قانون للإنتخابات النيابية المقبلة، أكثر «وطنية»، وأدق تمثيلاً، من القانون الحالي.

وبإنتظار ما ستسفر عنه الإستشارات الملزمة من تسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، والذي من المفترض أن يُنجز مهمته في فترة أقصاها إسبوعين، لا بد من وقفة على مشارف المرحلة الجديدة والواعدة للبنان واللبنانيين:

١ـ إنتخاب العماد عون برعاية الخماسية، ودور الفريق السعودي البارز في اللحظات الأخيرة، يعني أن العرب عادوا إلى لبنان، وأن البلد عاد إلى الصف العربي، وهو في الطريق المناسب لتصحيح علاقاته مع الأشقاء، وإستعادة مكانته على الخريطة السياسية العربية.  وأكد رئيس الجمهورية خيارات لبنان العربية في السياسة الخارجية، على قاعدة «مع العرب عندما يتفقوا وعلى الحياد عندما يختلفوا».

٢ـ ساهمت المتغيرات المتسارعة في سوريا، وسقوط نظام الأسد، في إعادة بعض التوازن في المعادلة الداخلية، وعززت فرص تجاوز الخلافات المزمنة والكأداء بين فريقي السيادة والممانعة، والتوافق في الإنتخابات الرئاسية في إطار «تفاهمات معينة» مع فريق الخماسية. 

٣ـ الحرص على ملء الشواغر الإدارية والديبلوماسية بعناصر من أهل الكفاءة والإختصاص، وبعيداً عن المحاصصة السياسية والزبائنية البغيضة، على خلفية التجربة التي خاضها الرئيس في الجيش، سيكون بمثابة إختبار آخر للعهد ومقدرته على ترجمة الوعود إلى منجزات على أرض الواقع، والنجاح في تنقية الجسم الإداري من شوائب الفساد وقلة الإنتاج، وإستعادة فعالية إدارات الدولة، وخاصة قطاع الكهرباء، الذي بقي أكثر من «عشرين سنة فَشَل» مع التيار الوطني. 

الرئيس جوزيف عون يدرك أكثر من غيره أن طريقه لن تكون مفروشة بالورود، ولكنه مصمم على المضي بنهج الإصلاح والإنقاذ حتى النهاية.

 فهل ينجح حيث توقف قطار فؤاد شهاب الإصلاحي عند وادي الإقطاع السياسي، وفساد «أكلة الجبنة»؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى