الحربائية .. خصوصية في ثقافة الإنسان!
د. ريما نجم
من المعلوم أن "الحرباء"هي ذلك النوع من الزواحف الذي باستطاعته أن يغير لون جلده بحسب وضعه الفيسيولوجي والفيزيائي وذلك من أجل أسباب متعددة، منها: حسب المختصين في علم الزواحف أنها تلجأ لذلك كنوع من الدفاع عن النفس بالتخفي في لون النبات حتى لا تتعرض للهجوم.
"الحربائية" في مجال الثقافة نظرية لجأنا إليها من أجل التعبير عن أهمية بليغة وجدناها من خلال التأمل في حال التطور التعليمي لدى الإنسان، خصوصًا في مراحل طفولته. وتصاحبه بعد ذلك طيلة فترات حياته بدرجات ترتفع وتنخفض بحسب وعيه بها والتمرينات التي يخضع ذاكرته ودماغه لها، فكيف ذلك يا ترى؟ و قبل ذلك ماذا نقصد بالحربائية الثقافية؟
يرى جاكوب برونوسكي في سلسلتِهِ الوثائقية المعروفة حول تطور الإنسان، أن فترة الطفولة لدى الإنسان هي الفترة التي يكتسب فيها الإنسان بشكل هائل شخصيّته الثقافية ويتلوّن بحسب ما اكتسبه في تلك الفترة وذلك باعتماده على من سبقه إليها من البالغين فيكتسب منهم مقدرة التعلم من البيئة والثقافة.
ويرى كارل ساجان في كتابه العظيم “تأملات عن تطور ذكاء الإنسان” أن أغلب الكائنات الحية على الأرض تعتمد بشكل كبير على معلومات غُرستْ أصلًا في جهازها العصبي أكثر من اعتمادها على المعلومات المكتسبة بعد ذلك، بخلافِ الإنسان وكذا جميع الحيوانات الثديية، لكن بدرجاتٍ متفاوتة. فالعكس هو الوارد؛ حيث أن الإنسان الأرقى بين تلك الثدييات في قدرته على تشكيل شخصيته الثقافية والارتقاء بطبيعته إلى حضارته.
إنها قدرة غريبة على التشكل الثقافي ذات بعدين، إيجابي إلى حد كبير وسلبي إلى مدى أبعد، حيث أن تطور الذكاء الإنساني يساهم في تشكيل شخصية اليوم وشخصية الغد أيضًا بشكلٍ مغاير تمامًا لشخصيات الأمس نظرًا لوفرة المتغيرات الثقافية والمعلومات المعرفية التي لم يسبق للبشريةِ أنْ عاشت عهدًا مثله، لذلك فإن العرب والإنسانية مدعوون بشكلٍ أكبر إلى الاستفادة من هذه الخاصية الإنسانية أن انتبهوا إليها من أجل اكتساء ألوان ثقافية مشابهة للبيئة الثقافية السليمة التي يرغد في عيشٍ كريم أصحابها، وأن يخرجوا بذلك من وحلِ الأسوار الثقافية والحيطان الدينية [أو قل اللادينية في حقيقة أمرها، بمعنى حواجز مكسوة بكسوة الدين وهي في عمقها أوهام مجتمعية كسيتْ بصبغةٍ دينية] فقط بهذا المنهج يمكن للإنسانيةِ عمومًا أن تنعم برغد العيش وذلك بالتكسّب ما أمكن في طفولتهم الحضارية تلك من تجارب الغرب البالغ حضاريًا مرحلة الرشد فيفيدوا من تجاربه بغضّ النظر عن الانتماءات العُقديّة والفكرية والأخلاقية مع الحفاظ بطبيعة الحال على الخصوصية الثقافية الشرقية والمشرقية، وذلك لأن الإفادة من الآخر لا تعني بالضرورة تقمّص شخصيته بقدر ما تعني لباس لبوسه من الاحتفاظ بالهوية الثقافية التي لا تتغير في بصمات أصابعها ولا في شيفرتها الوراثية.
ولن يتم الاستفادة من خاصية "الحربائية الثقافية" للإنسان إلا باختيار البيئة الثقافية التي ينبغي أن يحط رجله عليها من أجل أن يكتسي لبوسها، وليس ذلك غير اختيار الكتب القيمة ذات القيمة عبر التاريخ وصاحبة الإجماع الحضاري، من أجل أن يحطّ رِحاله عليها ويرتع في مروج أفكارها وهضاب تأملاتها وواحات تدبراتها.
يذهب توماس جيفرسون إلى أن: "من لا يقرأ شيئًا على الإطلاقِ أكثر ثقافة ممّن لا يقرأ سوى الجرائد."