سياسةكتاب

كتاب إسرائيلي بعنوان”شيفرة نتنياهو”: ثلاث مرات مُنِعت إسرائيل من الهجوم على إيران

 

الحوار نيوز – خاص

صدر مؤخرا في “إسرائيل” كتاب جديد للصحافية الإسرائيلية “مازال مُعلم” بعنوان “شيفرة نتنياهو*” ،أكدت فيه أن الأدارة الأميركية  في عهد باراك أوباما ومسؤولين إسرائيليين  تدخلوا ثلاث مرات ومنعوا  بنيامين نتنياهو من الهجوم على إيران بادعاء منعها من صنع سلاح نووي،وكان ذلك في الأعوام 2010 و2011و 2012 .

 

 

وكانت تقارير صحافية عديدة قد تناولت هذا الموضوع  خلال السنوات الماضية. إلا أن كتاب الصحافية الإسرائيلية ، سلط الضوء على خطوات نتنياهو من أجل إقناع مسؤولين سياسيين بتأييد مهاجمة إيران، وعلى معارضة وزراء وقادة الأجهزة الأمنية، ودور الرئيس الإسرائيلي حينذاك شمعون بيرس والإدارة الأميركية، في إحباط مخطط نتنياهو ووزير الأمن إيهودا باراك.  

بدأ نتنياهو محاولاته من أجل حشد دعم داخل الحكومة لمهاجمة إيران بلقاء عند منتصف ليلة 24 تشرين الأول/أكتوبر عام 2011، مع الزعيم الروحي لحركة شاس الحاخام عوفاديا يوسف، في منزل الأخير. فقد كان لشاس أربعة وزراء في الحكومة، الذين أيدوا قبل ذلك بفترة قصيرة، بإيعاز من حاخامهم، تنفيذ صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس من أجل استعادة الجندي الأسيرغلعاد شاليط، رغم المعارضة للصفقة في أوساط اليمين كونها مقرونة بتحرير أكثر من ألف أسير فلسطيني.

ومن أجل إخراج هجوم ضد إيران إلى حيز التنفيذ، سعى نتنياهو إلى الحصول على تأييد سياسيين أميركيين من الحزب الجمهوري، بالرغم من المعارضة الشديدة للرئيس الديمقراطي باراك أوباما، لمهاجمة إيران وتفضيله الحل الدبلوماسي. وكان أوباما حينها يستعد لانتخابات الرئاسة وولاية ثانية، فيما استقبل نتنياهو في إسرائيل منافسه الجمهوري ميت رومني بحفاوة بالغة.

عندما التقى نتنياهو مع الحاخام يوسف، طلب إغلاق الكاميرات في المنزل وخروج جميع مرافقيه من الغرفة. وقال نتنياهو للحاخام إن “شعب إسرائيل يواجه تهديدات. وجئت إليك لأننا في فترة حاسمة. ومن الجائز أن نتخذ خلال أيام قرارا بمهاجمة إيران. ونحن نقترب من نقطة اللا عودة. وهذه إيران نفسها التي حاولت القضاء على شعب إسرائيل (بحسب الرواية التوراتية). وحدثت محرقة واحدة، ولن أسمح بتكرارها. ولن أضع مصيرنا بأيدي العالم. وقريبا سيصبح الهجوم متأخرا”.

 

وسأل يوسف عن الموقف الأميركي من هجوم كهذا، وذلك في أعقاب محادثات جرت بينه وبين السفير الأميركي الجديد، دان شابيرو. وأجاب نتنياهو أنه “لا يمكننا الاعتماد على العالم”.

وعندما سأل الحاخام “ألا يمكن الانتظار”، أجاب نتنياهو أن “طائراتنا قادرة على ضرب المنشآت النووية بشكل يعرقل البرنامج لسنوات عديدة. ونحن بحاجة إلى الوقت. وإذا لم نعمل قريبا سيكون الوقت متأخرا. وأنا أفضل أن يشن الأميركيون الهجوم، لكن في هذه الأثناء علينا الاستعداد للقيام بذلك لوحدنا”.

وفوجئ نتنياهو من أسئلة الحاخام، الذي سأل أيضا عن موقف رئيس أركان الجيش السابق ووزير الشؤون الإستراتيجية، موشيه يعالون، المقرب منه. ووعده نتنياهو بأن “يعالون سيأتي إليك اليوم أو غدا. وسأهتم بذلك شخصيا”، رغم أن نتنياهو يعلم بمعارضة يعالون لهجوم إسرائيلي مستقل، لكنه كان مدركا أنه لن يستطيع منع لقاء كهذا. واتضح لنتنياهو أنه فشل في مهمته وأن الحاخام يرفض أن يكون “ختما مطاطيا” لهجوم كهذا. إلا أن نتنياهو عاد وتحدث مع الحاخام عدة مرات حول الموضوع.

ووفقا للكتاب، فإن بين أعضاء “الثمانية”، وهي هيئة وزارية إلى جانب المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية، كان وزير واحد يؤيد الهجوم، هو أفيغدور ليبرمان، إلى جانب نتنياهو وباراك، بينما الوزراء الخمسة الآخرون وضمنهم يعالون عارضوا الهجوم.

كذلك عارض الهجوم كل من رئيس أركان الجيش غابي أشكنازي، ورئيس الموساد مئير داغان، ورئيس الشاباك يوفال ديسكين، قبل أنت تنتهي ولاياتهم في النصف الأول من العام 2011. ووصفوا فكرة مهاجمة إيران بأنها “مسيانية”.

إلا أن الكتاب أشار إلى أن هذه المعارضة “لم تكن خالية من حسابات شخصية”، لأن نتنياهو “قلّص تأثير داغان” ولم يمدد ولايته، ولم يعين ديسكين رئيسا للموساد رغم أنه ألمح إلى ذلك.

وبدا أن رحيل الثلاثة سيزيل عقبات رئيسية أمام اتخاذ القرار بالهجوم. فقد اعتبر نتنياهو وباراك أن الذين خلفوهم – رئيس أركان الجيش بيني غانتس، ورئيس الموساد تمير باردو، ورئيس الشاباك يورام كوهين – أسهل للإقناع، وأن المهمة الأساسية باتت إقناع أغلبية بين الوزراء. لكن نتنياهو وباراك فوجئا من شدة معارضة الوزير إيلي يشاي من حزب شاس، وكان مدعوما داخل “الثمانية” من الوزراء يعالون ودان مريدور وبيني بيغن.

كذلك وضع رئيس الدولة شمعون بيرس، والسفير الأميركي شابيرو، كل ثقلهم من أجل أن يواصل يشاي معارضته، ولذلك قرر نتنياهو وباراك التقرب من الحاخام يوسف، وزيارة نتنياهو الليلية لمنزل الحاخام، وبعدها تم تنسيق لقاء بين يعالون والحاخام.

ووفقا للكتاب، فإن يعالون كان ينفر من باراك، واعتقد أنه “مضلل”. كذلك رفض يعالون تقبل مكانة باراك المرموقة لدى نتنياهو. وكان مقتنعا بأن باراك تحركه مصلحة سياسية للبقاء في منصبه. وقال يعالون للحاخام إنه “لا ينبغي أن تهاجم إسرائيل الآن. ولسنا في هذا الوضع الآن. وإيهود باراك يدفع الجميع بقوة كي يؤيدوا الهجوم. وأنا أشك بدوافعه. ولم أقتنع. وهو خبيث جدا ولا يفصح عن كل شيء. ولا أشعر أن بإمكاني الاعتماد عليه. وقلت ذلك لإيلي (يشاي) أيضا، وهو يعلم بموقفي”.

ويبدو أن يعالون أقنع الحاخام، الذي قال عن باراك، بعد لقاء بينهما، “هذا ثعلب. وهو خطير على أبناء إسرائيل. وهو لا يقول الحقيقة”.

بيرس: “إسرائيل لا يمكنها مهاجمة إيران

خلال اجتماع حاسم حول الهجوم في إيران، وهو الأول من نوعه، عارض أشكنازي وداغان وديسكين “كسور منيع” الهجوم. وقال أشكنازي حينها إن الجيش الإسرائيلي لا يملك قدرة عسكرية لتنفيذه. وحضر داغان إلى منزل المستشار القضائي للحكومة، يهودا فاينشتاين، وحذر من أن الهجوم قد يؤدي إلى حرب ولذلك يجب أن تصادق الحكومة عليه وليس هيئة مصغرة. ولاحقا، قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، لأشكنازي: “أنت تعلم أنهما (نتنياهو وباراك) غير قادرين على تنفيذ ذلك”.

ولم تشن إسرائيل هجوما ضد إيران في خريف 2011، ولا في صيف 2012 أيضا، عندما ألمح نتنياهو وباراك لجهاز الأمن والمؤسسة السياسية والإدارة الأميركية والجمهور الإسرائيلي بأن الهجوم وشيك وأنه مسألة أيام أو أسابيع معدودة. وتولى بيرس حينها مسؤولية تركيز الجهود من أجل لجم نتنياهو وباراك”.

وكان نتنياهو يعلم بقسم من خطوات بيرس على الأقل، وقال له إنه “تذكّر أن كل شيء يصل إليّ”. وقال أحد مستشاري بيرس إن “نتنياهو قصد أن بيرس يتآمر عليه مع قادة جهاز الأمن والأميركيين. وهذا صحيح طبعا. فقد تحدث داغان وأشكنازي وديسكين معه كثيرا بادعاء أنهم يتخوفون من هجوم يؤدي إلى حرب كبيرة ودمار العلاقات مع الولايات المتحدة”. وأبلغ بيرس نتنياهو بمعارضته للهجوم، خلال لقاء بينهم في حزيران/يونيو العام 2012.

 

وخلال اجتماع بمشاركة القيادة السياسية والأمنية في ديوان بيرس، في منتصف آب/أغسطس، ألمح نتنياهو وباراك إلى أن الجيش جاهز لتنفيذ الهجوم. وبعدها، بادر بيرس إلى مقابلة تلفزيونية في القناة الثانية (القناة 12 حاليا)، وشدد خلالها على أن “إسرائيل لا يمكنها أن تهاجم إيران لوحدها”.

 تدخل أميركي

وكان مستشار الأمن القومي الأميركي توم دونيلون، قد وصل إلى إسرائيل، منتصف تموز/يوليو 2012، قبيل انتخابات الرئاسة الأميركية، ووجه تهديدا واضحا لنتنياهو وباراك، عندما قال لهما إنه “إذا هاجمتم في إيران، فسوف نفسر ذلك كتدخل في الانتخابات والإطاحة برئيس الولايات المتحدة”. وبعد ذلك زارت إسرائيل وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون. وفي موازاة ذلك، وصل إلى إسرائيل المرشح الجمهوري ميت رومني.

وسعى نتنياهو جاهدا من أجل تقديم الدعم لرومني، وأقام مأدبتي عشاء فاخرتين، واحدة موسعة بهدف جمع تبرعات لحملة رومني الانتخابية، والأخرى مصغرة في منزل نتنياهو، ودعي إليها رومني وزوجته وكذلك الوزيران ليبرمان وباراك. إلا أن باراك قرر عدم المشاركة في مأدبة العشاء المصغرة، وانتقد في محادثات مغلقة تدخل نتنياهو في الانتخابات الأميركية.

وبعد ذلك استمر نتنياهو وباراك في إظهار موقف موحد. وقال باراك لوزراء، تخوفوا من دعوتهم إلى التصويت على الهجوم فيما الطائرات الإسرائيلية متجهة إلى إيران، إن “هذه لن تكون نزهة، لكن إسرائيل لن تدمر ولن نتحول إلى مجذومين في العالم. ومن يعارض بإمكانهم الاستقالة”.

نتنياهو: “باراك باعني لأوباما

تابعت روسيا والصين، إلى جانب الولايات المتحدة، خطوات نتنياهو وباراك، وتخوفت الدول العظمى الثلاث من نشوب حرب تشعل الشرق الأوسط وتزعزع أسواق الطاقة وتؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط.

غير أن أجهزة الاستخبارات في هذه الدول العظمى لم تكن تعلم أن تطورات سياسية داخلية في إسرائيل هي التي ستمنع هجوما في إيران. فقد قرر نتنياهو تبكير موعد انتخابات الكنيست بسنة، وإجراءها في أيلول/سبتمبر 2012، بهدف ضمان ولاية ثالثة في رئاسة الحكومة، وأن يضمن مكانا في قائمة حزب الليكود لباراك، الذي كان يرأس حينها قائمة لها خمسة أعضاء كنيست ولا يتوقع نجاحها في انتخابات مقبلة. إلا أن خطة نتنياهو تعرقلت، وتراجع عن تبكير الانتخابات.

بعد ذلك، بادر باراك إلى ضم حزب “كاديما”، برئاسة شاؤول موفاز، والممثل بـ28 عضو كنيست، إلى الحكومة. واعتقد نتنياهو أن الحكومة ستصبح حكومة وحدة. لكن وجود “كاديما” في الحكومة استمر 70 يوما فقط. فقد أعلن موفاز، الذي تم ضمه إلى “الثمانية”، معارضته لمهاجمة إيران، وقال إنه “لن أرفع إصبعي تأييدا لهجوم في إيران”.

 

وأشار الكتاب إلى أن انسحاب موفاز، في ذروة الجهود الدبلوماسية العلنية والسرية الأميركية لمنع الهجوم، وصل باراك إلى طريق سياسي مسدود. فقد بدا أن تبكير الانتخابات حقيقة منتهية، وأدرك أن نتنياهو لن يضمن مكانا له في قائمة الليكود، بسبب معارضة قيادة الحزب، وأن نتنياهو سيفضل تحالفات حزبية مفيدة له.

وفي نهاية صيف 2012، بدأ باراك ينسحب علنا من حلفه مع نتنياهو. وخلال أيلول/سبتمبر تحدث في منابر عديدة عن تحفظه من هجوم في إيران. وقال في أحد خطاباته إن “مسؤولية القيادة السياسية هي إبعاد الحروب، وشنها يجب أن يكون بعد استنفاد كافة الإمكانات”.

بعد ذلك، زار باراك الولايات المتحدة لإجراء محادثات مع مسؤولين أميركيين، لكنه لم يطلع نتنياهو على لقائه مع رئيس بلدية شيكاغو رام عمانوئيل، المقرب من أوباما. كما أقصى باراك سفير إسرائيل في واشنطن والمقرب من نتنياهو مايكل أورن، عن هذا اللقاء وعن لقائه مع مستشار الأمن القومي الأميركي دونيلون.

واستشاط نتنياهو غضبا بعدما علم بلقاءات باراك، وقال إن “إيهود باعني لأوباما. لا أريد أن أسمع شيئا عنه”. وأبلغ يعالون بأنه سيقيل باراك وأن يستعد لتولي منصب وزير الأمن.

وفي كتاب صدر في العام 2015، بعنوان “باراك: حروب حياتي”، يقول باراك إنه كان منسقا مع نتنياهو في الموضوع الإيراني “وكنا مرات عديدة عند عتبة الهجوم، وانتقلت المؤسسة (الأمنية) إلى حالة تأهب، لكننا لم نحظ بتأييد أغلبية بين الوزراء وبتأييد المستوى الأمني الرفيع”.

وفي العام 2019، تحدث نتنياهو وقال إنه “لو كانت لدي أغلبية، لفعلت ذلك بكل تأكيد”. لكن وفقا للمستشار القضائي فاينشتاين، فإن نتنياهو لم يكن بحاجة إلى تأييد أغلبية، وإنما لمصادقة رئيس الحكومة ووزير الأمن، لأن هذا الهجوم وُصف كعملية موضعية وليس كحرب. ورأى فاينشتاين أن نتنياهو وباراك لم ينفذا الهجوم كي لا يتحملان مسؤوليته لوحدهما.

 

*نشرت صحيفة “معاريف” وموقع “واللا” الإلكتروني فصلا من الكتاب وتولى موقع “عرب 48” الترجمة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى