عصام نعمة إسماعيل* – الحوارنيوز خاص
الموافقة الاستثنائية لكلٍ من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، عند حلولهما محلّ مجلس الوزراء في الحالة التي تكون فيها الحكومة في حالة تصريف الأعمال، هي بآراء الفقه بدعة دستورية تختزل سلطة مجلس الوزراء شكلا ومضمونا، كما تشرك رئيس الجمهورية في السلطة التنفيذية في حين انه يتولى رئاسة الدولة.
لم يقتصر الاعتراض على الفقه بل أبدت هيئة التشريع والاستشارات موقفاً رافضاً لهذه الموافقة الاستثنائية في معرض البت في سؤالٍ وجهه وزير الخارجية والمغتربين حول مشروع مرسوم يرمي الى تعديل المرسوم رقم 6433 تاريخ 1/10/2021 (تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية) وما إذا كانت هناك إمكانية لإصدار هكذا مرسوم بصورة استثنائية في ظل حكومة تصريف الأعمال، حيث رأت الهيئة أن تقرير مدى توفر حالة الضرورة في المسألة الراهنة هو أمر يعود إلى الحكومة المستقيلة أن تقرره بالاستناد إلى معطيات ومعلومات متوفرة لديها، وأن المقصود بعدم ممارسة الحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة صلاحياتها إلا بالمفهوم الضيق لتصريف الأعمال، هو موجه ليحكم العلاقة الأفقية بين السلطة الإجرائية والسلطة التشريعية وليس ليحكم العلاقة العامودية التسلسلية بين السلطة الإجرائية المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة (التي تحاكيها المادة 64 من الدستور)، والإدارة (التي ليس من شأن الدستور أن يحاكيها)، إذ أن العلاقة بين هذه السلطة الدستورية والإدارة التابعة لها تسلسلياً تبقى محكومة بقواعد تصريف الأعمال التي جهد الاجتهاد في بلورتها ، وهي ليست محكومة بالمادة 64 من الدستور،وأنه ينبغي على مجلس الوزراء أن يجتمع بهيئة تصريف اعمال وفقاً للمادة 64 من الدستور ليقرر توفر أو عدم توفر حالة الضرورة. (هيئة التشريع والاستشارات الرأي رقم 87/2021 تاريخ 17/2/2021).
استناداً إلى هذا الرأي، ردّ رئيس الجمهورية مشروع المرسوم المذكور دون توقيعه بموجب كتاب تاريخ 13/4/2021 جاء فيه:” نعلمكم بأن مشروع المرسوم المشار اليه أعلاه والمرفق بطلب الموافقة الاستثنائية يستند في بناءاته على موافقة مجلس الوزراء، الأمر الذي لم يحصل، على ما يجب عليه ان يكون الوضع القانوني السليم وفقا لرأي هيئة التشريع والاستشارات رقم 87 تاريخ 17/2/2021).
إن امتناع رئيس الجمهورية عن تطبيق نظام الموافقة الاستثنائية اقتصر على هذا الملف فقط، واستمرّ على إعطاء هذه الموافقة في ملفات أخرى دون التوقف إلى عدم دستوريتها وفقاً لرأي هيئة التشريع والاستشارات.
إلى أن تسنى لديوان المحاسبة أن حسم بشكلٍ قاطع عدم دستورية الموافقة الاستثنائية، حيث ورد في قرار ديوان المحاسبة رقم 47 ر.ق./ نهائي تاريخ 15/7/2021 الصادر في ملف المخالفات الحاصلة نتيجة تمديد عقد استثمار وتشغيل المنشآت المخصصة لتزويد الطائرات بالوقود في مطار بيروت الدولي، أنه: “لا يمكن الاعتداد بالموافقة الاستثنائية المعطاة من قبل رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء حتى لو ورد ذكرها في تعميم رئيس مجلس الوزراء رقم 27 تاريخ 11/8/2020 نظراً أنه لا قيمة قانونية لهذه الموافقة في غياب أي نصٍ قانوني يرعى شروط الموافقات الاستثنائية ويوضح مفاعيلها القانونية، وأنه لو سلّمنا جدلاً بقانونية الموافقة الاستثنائية المعطاة من قبل رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وافترضنا أنها تحلّ فعلاً وبشكلٍ استثنائي محل قرار متخذ من قبل مجلس الوزراء إلا أنه لا يمكن القبول بقرار (موافقة استثنائية) يسمح بمخالفة المبادئ العامة والقوانين المرعية الإجراء”.
بعد صدور هذا القرار لم يعد من الممكن القول بمشروعية الأعمال المستندة إلى الموافقة الاستثنائية، كما لم تعد هذه الموافقة مانعاً من المسؤولية لمن يستند إليها في حال كانت الموافقة واردة على أمورٍ مخالفة للقانون، والأهم هل سيلتزم ديوان المحاسبة بهذا الاجتهاد ويمتنع عن إعطاء الموافقة المسبقة الإلزامية على مشاريع العقود والاتفاقات المالية المبنية على موافقة استثنائية؟
*أستاذ القانون الدستوري والإداري في الجامعة اللبنانية