رأي

هل تعود أنقرة لصفر مشاكل مع الجوار في المئوية الثانية لها؟

 

د.كولشان يوسف صغلام – الحوارنيوز خاص

بعد الترقب الدولي “لانتخابات القرن” في تركيا، واعلان فوز أردوغان للولاية الثالثة، تتحول الأنظار الى ما أنتجته هذه الانتخابات والى النهج الذي ستعتمده أنقرة في علاقاتها الخارجية لا سيما في الملفات التي كانت قد بدأتها في المرحلة السابقة.

لا شك ان أمام أردوغان اختبارا هاما وتحديات خارجية لا تقل أهمية عن التحديات الداخلية، فهل سيجتاز هذا الاختبار في تنفيذ الوعود التي أطلقها في حملته الانتخابية؟ وهل في بداية المئوية الثانية لتركيا يعود أردوغان لسياسة كان قد انتهجها مصطفى كمال اتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة:  “سلام في الوطن سلام في العالم”؟
ليس غريبا أن تكون الانتخابات التركية محط أنظار العالم، خاصة لما لتركيا من موقع استراتيجي على الصعيد الجيوسياسي، نظرًا لموقعها الحيوي والمحوري بين القارتين الأوروبية والآسيوية، وقربها من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والذي يؤهلها لتكون جسر العبور والتلاقي بين القارتين. وأيضا صعود الدور المؤثر الذي تلعبه تركيا في السياسات الدولية والاقليمية واعتمادها بجزء كبير منه على الجانب العسكري، سواء بالوجود أو من خلال الصناعات الثقيلة أو تقديم الدعم، هذا الدور كان حاضرا بقوة في الانتخابات بين مؤيد لهذه السياسات ومنتظر للوعود التي أطلقها أردوغان في استكمال حل الملفات وبين معارض لها. مع الاشارة الى أن انتقال تركيا من السياسة القائمة على عضويتها النشطة في حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، الى اتخاذ خطوات ومواقف مستقلة في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، أدى إلى تحولات وتقلبات في العلاقات مع الخارج والتي سادها الكثير من التوترات مع بعض الدول الأساسية لاسيما السعودية ومصر والامارات وغيرها من الدول.

إلا أنه ومن خلال قراءة معمقة لسياسة أردوغان يتبين بشكل واضح التحول الايجابي في اعادة رسم مسار جديد في علاقاته مع الدول، من خلال اعادة ترميم هذه العلاقات وفتح قنوات تواصل وحوار كان قد بدأها قبل الانتخابات.
في العلاقة مع دول الخليج: انتهج أردوغان سياسة انفتاح جديدة مبنية على التعاون الاقتصادي لاعادة كسب الأسواق العربية والتخفيف من الأزمة الاقتصادية الداخلية، اضافة الى تعزيز السياحة واعادة اعمار المناطق المتضررة من جراء الزلزال حيث كانت السعودية وقطر من أوائل الدول المغيثة. وبرأينا هذا الأمر سيستمر في المرحلة القادمة تحت شعار عودة أنقرة لاستراتيجيتها في 2010 صفر مشاكل مع الجوار بالرغم من كل التعقيدات، وسيساعد في ذلك تقاطع مصالح دول الخليج لاسيما السعودية في حاجتها لدول المنطقة لتنفيذ خطة .2030 .
العلاقة مع مصر: ورغم الخلافات العميقة لاسيما في قضية الاخوان المسلمين، اعتمد أردوغان سياسة الانفتاح بهدف تعزيز موقف تركيا بمواجهة اليونان وتعزيز علاقة التعاون الاقتصادي ومحاولة لعب دور اقتصادي كممرلتصدير الغاز الطبيعي. ويظهر أن العلاقات بين تركيا ومصر ذاهبة الى انفتاح أكبر إن لم نقل لتطبيع كامل يصب في مصلحة البلدين التجارية والسياحية، ويبقى الأهم حل ملف المهاجرين المصريين وعودتهم لبلادهم. مع الإشارة الى أهمية البلدين جغرافياً، سياسياً، اقتصادياً وامنياً، بحيث أن هذا الصعود للبلدين والتقارب في ما بينهما يمكنهما من التعامل مع الكثير من الملفات وتشكيل قوّة اقليمية.

أما في العلاقة مع سوريا: لا شك بأن الملف السوري كان عبئًا ثقيلاً على أردوغان في الانتخابات خاصة في ما يتعلق بملف اللاجئين الذي استغلته المعارضة في حملاتها الانتخابية، وبالرغم من أن المشاكل لم تحل والملفات لا تزال عالقة خاصة ملف الأكراد و تهديده للأمن القومي التركي، و ملف المعارضة في الشمال السوري و ما سيكون مصيرها في حال انسحاب تركيا، و ملف اللاجئين، حيث ترفض أنقرة شروط الأسد في الانسحاب من الشمال قبل تأمين الحدود 30 كم في العمق السوري، و لكن بالرغم من كل ذلك تعتبر أنقرة أن هناك امكانية للمصالحة ،وكانت قد فتحت قنوات الحوار في المرحلة التي سبقت الانتخابات، و ذلك يأتي مع التحولات في المنطقة وعودة سوريا لجامعة الدول العربية، كل ذلك سيؤسس في المرحلة القادمة الى علاقة جديدة مع سوريا قوامها المصالح الاستراتيجية والاقتصادية و فتح الحدود بين البلدين.

على الصعيد الدولي: استطاعت تركيا أن تعزز مكانتها لدى سائر الأطراف المعنية بالحرب الروسية الأوكرانية سواء الدول الداعمة لكييف أو روسيا، حيث استطاعت أنقرة المحافظة على علاقتها بروسيا كحليف استراتيجي لها.  هذا الأمر زاد من حجم توتر العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية والتي هي بالأساس في حالة توتر بسبب دعم الإدارة الأمركية للأحزاب الكردية المعادية لتركيا في الشمال السوري.
تحاول تركيا الحفاظ على علاقات جيدة مع أميركا، على الرغم من الملفات العالقة مثل ملف دعم الأكراد وحماية فتح الله غولن و مسألة شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي أس 400، و وستبقى هذه الملفات نقاط خلاف إلى جانب عدم تفاهم الرئيسين أردوغان و بايدن في السياسة.
وفي علاقتها مع الاتحاد الأوروبي سعت تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي منذ سنوات طويلة، حيث استند الاتحاد الأوروبي برفضه دخول أنقرة الى عدة قضايا تتعلق بحقوق الانسان والهجرة والديمقراطية، هذا في العلن ولكن في الواقع هذا الرفض يستند الى المخاوف من ادخال 87 مليون مسلم. ومع سياسة تركيا الجديدة بصفر مشاكل قد تعتمد أنقرة السياسة المرنة التي تعتمد التعاون وتعزيز التبادل على كل المستويات، ويبدو ان الاتحاد الأوروبي أيضاً توصل لحقيقة حاجته لتركيا كجسر بين الشرق والغرب وكقوّة اقتصادية يجب الاستفادة منها، وها هي تركيا تدخل مجموعة البركس للاقتصاديات الناشئة ما يعني انها مستمرة بالصعود و لعب الدور المحوري في المنطقة.

ويبقى ملف السويد وعرقلة دخولها للحلف الأطلسي بسبب حرق “القرآن الكريم” وقضية حزب العمال الكردستاني اضافة الى ملف اليونان وتميزها عن حلف الناتو في ملف الحرب الاوكرانية الروسية.
خلاصة: إن التشكيلة الحكومية التي تم إعلانها عقب مراسم التنصيب للرئيس أردوغان تشير إلى توجهات جديدة لسياسة أنقرة المقبلة، كما تعيين رئيس الاستخبارات هاكان فيدان وزيراً للخارجية وما يمثله على الصعيد الأمني وكمهندس المصالحات في المنطقة لديه الالمام بكل الملفات، يعني الاستكمال بالمصالحات و تعزيز العلاقات الخارجية، و الدور الأمني لتركيا، ايضاً تعيين محمد شيمشاك وزيراً للمالية والخزانة يعطي ثقة للمستثمرين وللمجتمع الدولي كما للشعب التركي، وتعيين إبراهيم كالن على رأس جهاز الاستخبارات وهو من كبار عقول حزب العدالة والتنمية وعمل على ملفات معقدة مثل ملف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والملف السوري وملفات أمنية عدة. كل ذلك يشير الى أن رحلة المئوية الثانية بدأت وتركيا ستستمر في لعب دورها المحوري في المنطقة ضمن سياسة خارجية أكثر انفتاحا العنوان الأول فيها هو الاقتصاد.
*بالتزامن مع الزميلة اللواء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى