سياسةمحليات لبنانية

مشروع الموازنة يكشف الاتجاه نحو ضرب الوظيفة العامة:اي علاقة زبائنية ستكون؟

                    

د. رولا أبو شقرا* – الحوارنيوز خاص
هل سيجد القطاع العام من يدافع عنه؟     
     سؤال يطرح بالتزامن مع ما كشف عنه مشروع موازنة العام 2021 من توجّه واضح لدى السلطة الحاكمة لتغيير وجه القطاع العام وضرب معنى الوظيفة العامة، بحيث يغدو قطاعا تعاقديا بعد إقرار القانون. وبذلك فإن هذا المشروع الذي يطال مؤسسات هذا القطاع سيشمل كل متعاقد في القطاع حالياً كان يطمح لأن يصبح في ملاك الدولة كما كل من تعاقد بعد إقرار القانون المذكور بحيث ينتهي عمل المتعاقدين بعد بلوغهم سن التقاعد بتعويض صرف "لا يسمن ولا يغني عن جوع". 
وبصرف النظر عن وجهة النظر التي تقول بأن قانون الموازنة لن يمر بصيغته الحالية وأن قوى السلطة ستحول الاعتراض عليه طريقاً لإعادة تعويم نفسها بعد الخسائر التي منيت بها لا سيما أثر "ثورة 17 تشرين" والإنهيار المتسارع في قيمة العملة الوطنية، فإنه ينبغي رصد ما سيخلّفه هذا القانون من تحوّل في النمط الزبائني الذي سيحكم علاقة قوى السلطة الطائفية بمريديها القائم بمستوى منه على ما تقدمه من خدمات لجمهورها، لأن ذلك يقدم مؤشرا على حجم الاحتجاج الممكن على هذا المشروع . فهل سيحصل هذا التحوّل بالفعل؟ أم هو مجرد إعادة نسج لخيوط هذه العلاقة بشروط جديدة؟ وهل هنالك من جِهَةٍ يمكن أن تخوض معركة القطاع العام بالنيابة؟
  أمعنت السلطات المتعاقبة في لبنان في استغلال القطاع العام حتى الرمق الأخير، فبدلا من أن تلتفت الى الإنماء المتوازن و تحفز الاستثمار وتنشط قطاعات الاقتصاد، كانت تتعامل معه كباب لكسب غير مشروع ومجالا لتوظيف لا سقوف له من الأزلام والمحاسيب، حتى باتت نسبة موظفي القطاع العام تمثل 30 بالمئة من اجمالي القوى العاملة على "ذمة النسب المتداولة".
اليوم تعود قوى السلطة إياها لتستفيد من القطاع العام بطريقة أخرى منصاعة الى إملاءات  "الإصلاح والترشيق" كشرط دولي أساسي لأي مساعدة تقدم الى لبنان فتنقذها من انهيار عام سيكون له انعكاسات على قدرتها على إدارة شؤون البلاد بعامة ولو بالحدود الدنيا، كما على إحكام سيطرتها على جماعاتها في الدوائر الضيقة و الواسعة.
لذا يأتي ضرب الوظيفة العامة، التي طالما استنفذتها السلطة استخداما واستهلاكا وهدرا، في وقت مفهوم. ففي شروط عنوانها الإفقار الشامل ينخفض سقف التوقعات ويصبح تقبّل تغيير بداهات العمل في وظيفة عامة  أمراً ممكنا، فمن يعملون  في الوظيفة العامة حالياً كمتعاقدين لن يعترضوا نظرا لما وصل اليه حال معيشتهم من انحدار ،ما يجعلهم  في انشغال بكيفية استكمال عيشهم من مورد قليل وسط غياب  البدائل . اما المتعاقدون الجدد فستعود السلطة لاستخدام العلاقة الزبائنية إياها معهم وسيقبل بها مريدوها بأية شروط، ذلك لأن حسابات الحاضر ستتقدم حكما على الحسابات المستقبلية للعيش بعد أن وصلت نسبة البطالة في لبنان الى أكثر من خمسين بالمئة وبات نحو 55 بالمئة من اجمالي السكان تحث خط الفقر، بحسب دراسة صادرة عن لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا "الأسكوا". 
سيرضى الناس بفتات الوظيفة العامة القائمة على علاقة تبعية أكثر إخضاعا وإرتهانا مع القوى "مالكة مفاتيح  الجنان". ستسقط دولة الرعاية اذا من دون ضجيج كبير. فالقوى العاملة اليوم في القطاع العام ستكتفي بما لديها ولن تدافع عن الوظيفة العامة كفكرة وستتنازل عن حقوق الأجيال المقبلة مكتفية بحفظ ما تبقى من حقوقها ،لا سيما وسط الحضور الضعيف للقوى المجتمعية الممثلة لها والمدافعة عنها.
ولعل وابرز مثال على ذلك هيئة تنسيق القطاع العام بتشكيلتها المختلفة التي قبل بعضها، كرابطة الأساتذة الثانويين، ببعض التعديلات التي طالت الموزانة ما اثار اعتراض هيئات تمثيلة أخرى للثانويين اعتبرت ان ما قبلت به الرابطة هو فتات، لا سيما انه  اهمل بشكل كلي الأساتذة المتعاقدين ومصيرهم. على أي حال ما كادت الهيئة ان تتشكل حتى ظهرت تناقضات بين القوى التي تؤلفها فانتهت الى استمرار أساتذة الجامعة اللبنانية منفردين في الاضراب نظرا لحجم الضرر الذي سيلحق بالجامعة واساتذتها المختلفين في أوضاعهم الوظيفية ما سيحرم الجزء الأكبر منهم من الحماية الاجتماعية و الصحية ،وسط التحذير من ان قصر الجامعة على التعاقد الوظيفي للأساتذة سيسير بالجامعة اكثر فاكثر الى الانهيار بالترافق مع موازنة تتقلص سنويا وارتفاع مضطرد في اعداد الطلاب.
بالتأكيد لا يستطيع الأساتذة ان يقودوا معركة القطاع العام برمته. إن معركة كبيرة ينبغي أن تتجند لها النقابات وأحزاب معترضة وقوى المجتمع المدني وشرائح مجتمعية ومهنية واسعة. لكن المشكلة الكبرى تكمن في الصمت المتزايد والمتسع، مع تزايد الافقار. والنقابات كما الأحزاب غائبة بعد ان كان لها نصيب من التدمير السلطوي عبر التفتيت طورا و الهيمنة على قراراتها تارة أخرى.
لن يجد القطاع العام من يدافع عنه وسيغدو وجه لبنان الاجتماعي الاقتصادي أكثر "توحشا"، الى ان تتبلور قوى اعتراض قادرة على النهوض بالمهمة بالتوازي مع نهوض اقتصادي من القعر الذي يهوي اليه البلد.
  *أستاذة جامعية

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى