العالم العربيسياسة

مخاطر وتداعيات غياب ثوابت وقواسم مشتركة بين القوى والاحزاب العراقية

 


د .جواد الهنداوي *

 

العنوان دالٌ على أنّّ افتقار الأحزاب والقوى السياسية في العراق لقواسم وثوابت سيادية ووطنيّة مشتركة أمرٌ مُسلّمٌ به، وفي المقال تقديمٌ وتحليل للأسباب والبراهين و توقّع للتداعيات و العواقب.

المرجعيّة الفكرية والجغرافية لمعظم ألاحزاب والقوى والتيارات السياسة هي دينية ومذهبية وقومية ومناطقيّة، ويترتب على هذا الانتماء المرجعي المختلف خلاف وتباين ليس في البرامج السياسية التنافسية للأحزاب، وانماّ خلاف وتباين في أُطر العمل وفي التطلعات والأهداف الاستراتيجية .

لنبدأ مِنْ شمال العراق، اي بالأحزاب الكردية، فهي قومية الانتماء و محدودة في فضائها الجغرافي السياسي( اقليم كردستان)، واهداف وتطلعات الأحزاب ليس وحدة العراق وانمّا إقامة دولة كردية حين تسمح الظروف الإقليمية والدولية بذلك، وما يُحسبْ لهذه الأحزاب صراحتهم في التعبير عن تطلعاتهم والسعي لتحقيقها . ومن الطبيعي ان تكون علاقاتهم الخارجية في خدمة تطلعاتهم واهدافهم الاستراتيجية ، فهم يتجهون في بوصلتهم صوب أمريكا وحلفائها في المنطقة ، حتى وإنْ جارتْ عليهم امريكا .

تسود في شمال العراق (كركوك ، موصل ) ووسطه و غربه أحزاب إسلامية عربية الانتماء ( ولو انَّ هذا الانتماء اصبحَ خارج الاستعمال و التأثير )، وسُنيّة المذهب. وأهداف وتطلعات هذه الأحزاب او قياداتها او قيادات بعضها هو تأسيس أقليم فدرالي . و لهذه الأحزاب علاقات خارجية مع دول الخليج وتركيا بحكم الهوية الإسلامية او المذهبية والعربية والمصالح و الجغرافيا.

تسود جنوب و وسط العراق وشرقه احزاب إسلامية، شيعيّة المذهب وعربية الانتماء ، ولو انها متهّمة بصدق الولاء لهذا الانتماء والذي اصبحَ للاسف وباء ولم يُعدْ محط فخرٍ و اعتزاز . أهداف وتطلعات هذه الأحزاب لم تتجاوز مهمة تشكيل الحكومة والظفر بمنصب رئيس الوزراء، وهي ، للاسف تعيش وهم مسك زمام الامور و القيادة في العراق . ولهذه الأحزاب علاقات خارجية مميّزة مع ايران بحكم الجغرافيا والمصالح والهوية الإسلامية الشيعية.

إذاً ، الواقع السياسي للعراق يشهد ثلاث مناطق ، وتختلف هذه المناطق من حيث الأحزاب والتطلعات و العلاقات الخارجية. وهذا التباين والاختلاف ليس نظري او فكري وانما ملموس وفاعل على ارض الواقع ، وكلما مضتْ السنون ترسخّت هذه التجربة و عززّت المناطقيّة وقادت الى التقسيم ، وخاصة في ظل ظروف أمنية وسياسية واقتصادية إقليمية و دولية تهّيأ و تسعى لهذه النتيجة ( التقسيم ) .

لا توجد تطلعات واهداف مشتركة تخص الوطن والسيادة و وحدة الأراضي بين الأحزاب والقوى السياسية المناطقيّة العاملة في الساحة العراقية .

ليس لهذه الأحزاب والقوى السياسية اجماع او اتفاق حتى على قراءة و تفسير وتطبيق الدستور .

تعيش هذه الأحزاب السياسية حالة تباعد و تنافر سياسي، ولا تجمعهم ثوابت او قواسم مشتركة سيادية او دستورية او وطنية، وتتفق فقط عند حلول موعد تشكيل الحكومة و تقاسم السلطات الدستورية ، ثم تنصرف وتتفرق وتنتشر في ساحات العمل لجني ثمار ومنافع تقاسم السلطة ولممارسة دورها وفقاً لتطلعاتها وأهدافها .

هذا النموذج السياسي ، للاسف ، لا يقود الى بناء دولة ، ولا يترجم تطلعات الشعب في العيش الآمن والمزدهر ، وفي ظل هذا النموذج تستمر الأحزاب في العمل لتعزيز كياناتها ونفوذها ولمصالحها ولمصالح مناطقها ، ويصبح العراق دولة ، وسيادة ، وهيبة ، ومكانة ، رهينة وفريسة احزاب داخلية وأجندات و تداخلات خارجية .

الديمقراطية تتطلب العمل الحزبي و التنوع والتنافس الحزبي ، و مراعاة مصلحة الحزب ، ولكن ليس على حساب الدولة والسيادة والثوابت الوطنية .

استمرار غياب قواسم و ثوابت سيادية و وطنية مشتركة بين الأحزاب والقوى السياسية ، وفي ظل ظروف اقتصادية و سياسية مضطربة يواجهها العراق وتواجهها المنطقة ، وتحت عقوبات ومؤمرات دولية تستهدف تجزئة و تقسيم دول المنطقة لن يسلمْ العراق من خطر التقسيم.

*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل


 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى