حرب غزةسياسة

قراءات في قرار مجلس الأمن:خيبة أمل إسرائيلية تعمّق الخلاف مع واشنطن (حلمي موسى)

 

كتب حلمي موسى من غزة:

اتخذ مجلس الامن الدولي قرارا بوقف اطلاق نار فوري في قطاع غزة بتأييد دولي كامل وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت. ورغم أن القرار في صيغته المقرة خلا من صيغ الالزام، سواء باعتماده على البند السادس وليس السابع وبقي قرارا تصريحيا، الا انه كان بالغ الاهمية، اذ جسد ارادة دولية تطالب بوقف الحرب على غزة، على الاقل لأسباب انسانية. ورغم ان القرار تجنب ادانة اسرائيل وجرائمها ،الا ان الجميع يفهم أن المسؤولية عن الكارثة الانسانية في القطاع تقع على عاتق اسرائيل.

وليس مضمونا أن تلتزم اسرائيل بالقرار، خصوصا انها اعلنت ان لا شيء يردعها عن مواصلة حربها من اجل تحقيق النصر المطلق على حماس. الا أن عدم التزامها بالقرار يفتح عليها ابوابا واسعة من انتقادات سياسية وملاحقات قضائية ،خصوصا من المحكمة الجنائية الدولية.  ويمكن لاسرائيل طوال الوقت التذرع بعدم افراج المقاومة عن الاسرى الاسرائيليين المحتجزين لديها، ما يسمح لها بمواصلة الحرب ربما بوتيرة مختلفة.

لقد عنى القرار ان الاسرة الدولية لم تعد قادرة على مواصلة الصمت ازاء استمرار الحرب، ولا تستطيع تحمل تبعاتها من دون أن تفعل شيئا. وإذا كان هذا هو الموقف الدولي عامة فإنه صار أشد الحاحا من جانب الإدارة الأمريكية التي واجهت ضغوطا شعبية داخلية وأخرى دولية خارجية رافضة لدعمها غير المشروط لإسرائيل، ليس بالسلاح فقط وإنما أيضا في الرعاية السياسية للعدوان، خصوصا في مجلس الأمن. وسبق لأمريكا أن استخدمت حق النقض (الفيتو) أربع مرات لمنع قرارات تدعو لوقف النار. غير أن ابتعاد إسرائيل عن التجاوب مع الإرادة السياسية الأمريكية في جانبي المساعدات الإنسانية و”اليوم التالي” قاد البيت الأبيض هذه المرة للامتناع عن التصويت. وهذا ما فجر أزمة جديدة وصراعا بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو. ولم تقتصر الأزمة على العلاقات بين هذين الطرفين، وإنما ذهبت إلى حد تصعيد الخلاف الداخلي أيضا داخل أمريكا وداخل إسرائيل أيضا.

وفيما أكدت المبعوثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أن القرار يتوافق مع مبادئ الاتفاق الذي قامت عليه الأمم المتحدة. وأوضحت لماذا، في ظل هذه الظروف، لم تصوت لصالح القرار،”لأن الولايات المتحدة أرادت أن يتضمن القرار إدانة حماس أيضًا” لما اسمته بالفظائع التي ارتكبتها في 7 أكتوبر وللانتهاكات المستمرة للقانون الدولي. ولم تشرح سبب عدم استخدامها الفيتو والتصويت ضد مشروع القرار كما طالب نتنياهو .ورغم تشديد أمريكا على أن عدم استخدام الفيتو ا يعبر عن تغيير في السياسة الأمريكية، إلا أن الكثيرين يرون بالتأكيد أدلة على الانفصال المتزايد بين واشنطن في عهد بايدن وتل أبيب في عهد نتنياهو، وهو انفصال يصر نتنياهو على تعميقه أكثر لأسباب لا علاقة لها بأمن دولة إسرائيل.

ويرى معلقون إسرائيليون أن إدارة بايدن أثبتت بهذه الخطوة أنها تتصرف وفق مصالحها وتدير الأزمات بطريقتها. وقالوا إن الأميركيين لم يخفوا مؤخرا اعتقادهم بأن نتنياهو، لا يدير توجها استراتيجياً من أجل دمج إسرائيل في المنطقة، وإنما صار شخصا يضر بمصالح الدولة التي يرأسها. ورأى الخبير في الشأن الأمريكي الدكتور شاي هار تسفي أن عدم استخدام الفيتو يشهد على مقدار خيبة الأمل الأمريكية من عدم تجاوب نتنياهو مع طلبات الإدارة الأمريكية بشأن المساعدات والتبادل واستراتيجية الخروج في اليوم التالي. أضف إلى ذلك أن هذا الموقف ينسجم مع تصريحات بايدن وكبار مسؤولي الإدارة بأن إسرائيل إذا لم تغير سياساتها وسلوكها فإنها ستفقد الدعم الدولي وقد تجد نفسها معزولة. وقد ظهرت دلائل بارزة على ذلك في الأيام الأخيرة في تهديدات دول رئيسية على الساحة الدولية مثل كندا وبريطانيا العظمى وألمانيا بدراسة استمرار العلاقات الأمنية بينها وبين إسرائيل.

ويبدو أن نتنياهو لم يفهم مسار التغييرات التي طرأت على إدارة بايدن وانتقالها من احتضان إسرائيل وتوفير درع واق لها عسكريا وسياسيا، فانطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي في تحدي هذه الإدارة معلنا عن عدم إرسال وفد طلبه الرئيس بايدن لمناقشة الوضع في غزة، وخصوصا في رفح، واتهم أمريكا بأنها بقرارها هذا “أضرت بالمجهود الحربي لإسرائيل”.

وقال نتنياهو أن”انسحاب الولايات المتحدة من موقفها الثابت يمنح حماس الأمل في أن الضغوط الدولية ستسمح لها بقبول وقف إطلاق النار من دون إطلاق سراح الرهائن لدينا”. وواضح أن إدارة بايدن التي استمعت إلى تهديد نتنياهو بأنه لن يرسل الوفد تصرفت وكأن الأمر لا يعنيها ولم تستخدم الفيتو.  وهنا صعد نتنياهو على شجرة الخلاف والصدام مع إدارة بايدن ما ينبئ بتعميق هذا الخلاف،إذ سرعان ما استخدمت إسرائيل، كما يبدو، أسلحتها الثقيلة داخل أمريكا ضد بايدن وإدارته. وقال السيناتور الديمقراطي جو بيترمان في تغريدة على تويتر: “من المروع أن الولايات المتحدة لم تستخدم حق النقض ضد قرار مقترح لا يدين حماس”. وهاجم نائب الرئيس الأمريكي السابق مايك بنس القرار الأمريكي قائلا: “يجب على إسرائيل أن تستمر حتى القضاء التام على حماس. ومن العار أن يصدر مجلس الأمن قرارا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار من دون ذكر حماس أو هجوم 7 أكتوبر وسمحت إدارة بايدن بتمريره دون استخدام الفيتو. وبعد أسوأ هجوم على الشعب اليهودي منذ المحرقة، لا بد من السماح لإسرائيل بشن الحرب حتى يتم تدمير حماس إلى الأبد. أمريكا تقف إلى جانب إسرائيل”.

كما غرد ديفيد فريدمان ، سفير أميركا السابق لدى إسرائيل خلال ولاية ترامب، قائلا: “لقد انتصرت روسيا والصين ببساطة على الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وتمكنت من تمرير قرار غير أخلاقي لمجلس الأمن بشأن غزة. لا توجد إدانة لحماس بسبب وحشيتها.  وليس هناك شرط لوقف إطلاق النار في إطلاق سراح الرهائن. فقط طلب من إسرائيل لإعطاء حماس نصراً غير مستحق. حماس تحتفل بالنتيجة ،وهذا يخبرك بكل ما تحتاج إلى معرفته. أنا محرج للغاية بالنسبة لبايدن وبلدنا.”

وأيضا في إسرائيل أثار القرار خلافات قد يكون لها نتائجها الاحقة. فبعد القرار، وبغير صلة مؤكدة به، أعلن جدعون ساعر زعيم كتلة “أمل جديد” انسحابه من حكومة نتنياهو. ويعتقد كثيرون أن انسحاب حزب غانتس من هذه الحكومة بات قريبا خصوصا بعد انسحاب حزب ساعر. وإلى جانب ذلك دب خلاف بين نتنياهو وغانتس حول منع وصول الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن، حيث نشر أن نتنياهو اتخذ القرار وحده من دون التشاور مع شركائه. وحمل الليكود على غانتس لإعلانه أنه كان من الخطأ عدم ذهاب الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن، وأن غانتس لم يفهم معنى مباركة حماس قرار مجلس الأمن. كما حمل عضو الكنيست من الليكود، داني دانون على نتنياهو لأنه لم يقم  منذ شهر يناير الماضي باجتياح رفح.

في كل حال، تفهم إسرائيل القرار على نحو مغاير لكل العالم. وفي نظرها فإن “مطلب” الوقف الفوري لإطلاق النار لم يمر في إطار المادة السابعة، وبالتالي فهو غير ملزم وليس له معنى فوري، إلا أنه قد تكون له عواقب مثيرة للقلق بالنسبة لإسرائيل. ومع ذلك تخشى إسرائيل أن يؤدي استمرار القتال الآن إلى نقاش في المجتمع الدولي حول انتهاك قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار مع حماس، في حين لن يتم في المقابل ممارسة أي ضغط على حماس. كما أن حقيقة أن إسرائيل لن تحترم القرار على الأرجح، تعزز الحجج ضد الدولة في محكمة العدل الدولية في لاهاي (ICJ) والمحكمة الجنائية الدولية (ICC)  وتجعل الوضع أسوأ.

ونقلت يديعوت عن مسؤول سياسي كبير إن “هذا قرار معقد وخطير للغاية. لقد قلنا إن وقف إطلاق النار هو نتيجة لإطلاق سراح الرهائن، والقرار يعني بشكل أساسي أن وقف إطلاق النار قيمة في حد ذاته”. وأشار المصدر إلى قرار نتنياهو إلغاء سفر الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن ، بسبب القرار الأمريكي بالامتناع عن التصويت وعدم استخدام الفيتو، وأضاف: “رده يفاقم المشكلة. إنه يضعنا في الزاوية أكثر بإلغاء وصول الوفد إلى الولايات المتحدة.” ووفقا له، “بمجرد أن تكون هناك إدانات من الجانب الآخر، يكون هناك حق النقض من قبل روسيا والصين. والآن ليس لدينا حق النقض الأمريكي في جيوبنا. القرار ليس جيدًا لأن الدعوة إلى وقف إطلاق النار منفصلة عن أي إجراء من قبل الجانب الآخر، ويتم الضغط علينا – علينا فقط”.

وقالت شخصيات سياسية بارزة أخرى إن “دعوة مجلس الأمن إلى وقف فوري لإطلاق النار تثير إشكالية كبيرة، لأنها لا تفرض أي شيء على حماس”. وبحسبهم “إنهم في الواقع يطالبون بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المختطفين، وهذا يعني أنهم يستطيعون الضغط علينا لوقف إطلاق النار، وهو بالضبط ما تريده دول العالم، ولن يمارسوا الضغط علينا، لأنه ليس لديهم وسيلة للضغط عليهم”.

وأضافوا أن “هذا يدعو إلى ضغوط دولية على إسرائيل وليس على الجانب الآخر”. وقال وزير الخارجية يسرائيل كاتس بعد التصويت إن “دولة إسرائيل لن تحاصر النار. سندمر حماس وسنواصل القتال حتى يعود آخر المختطفين إلى الوطن”.

وتسبب امتناع الأميركيين عن التصويت وإلغاء الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن في تعميق أزمة العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، وقال مكتب رئيس الوزراء في نهاية التصويت إن “الولايات المتحدة انسحبت من موقفها الثابت في الأمن”. وربط المجلس فيه وقف إطلاق النار بالإفراج عن المختطفين. وهذا الانسحاب يضر بالمجهود الحربي وجهود تحرير الرهائن، لأنه يمنح حماس الأمل في أن الضغوط الدولية ستسمح لها بقبول وقف إطلاق النار دون إطلاق سراح الرهائن لدينا. وأوضح: “التصويت لا يمثل تغييرا في سياستنا”.

وبحسب كيربي :”كنا واضحين بأننا نؤيد وقف إطلاق النار المتعلق بالإفراج عن المختطفين. ولأن النسخة النهائية لم تتضمن إدانة حماس ولم تطالب بشكل واضح بعودة المختطفين، لم نتمكن من تأييده”. ورغم إعلان مكتب نتنياهو إلغاء الوفد، أضاف كيربي: “المحادثات ستستمر بغض النظر عن الإحباط الإسرائيلي من تصويتنا اليوم”.

القرار الذي اتخذه مجلس الأمن يؤثر على المفاوضات بشأن صفقة الرهائن ويعطي الأمل لحماس بأنها ستتمكن من التوصل إلى وقف لإطلاق النار بفضل الضغط الدولي، حتى بدون التوصل إلى صفقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن القرار يبعث برسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن إسرائيل أصبحت أكثر عزلة من أي وقت مضى، ويمكن أن يكون لاحقًا ذريعة للدول لاتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد إسرائيل أو وقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى