إقتصادمياه

قبل أن يتحول العراق أرضا جدباء:حصاد المياه ضرورة لعودة “أرض السواد” (فلاح عبد الحسن)

 

بقلم د. فلاح عبد الحسن – الحوار نيوز

       لفترة طويلة من الزمن كانت “أرض السواد” هي الاسم المرادف للعراق لكثرة مياهه وسواقيه ونخيله وأشجاره، لكن خلال العقود الأربعة المنصرمة تعرضت البلاد لحروب وكوارث بيئية لاسباب بعضها مصطنع والآخر خارج عن إرادة البشر، وفقد العراق كثيراً من سواد ارضه.

        سنحاول بشكلٍ مختصرٍ جداً طرحَ عدد من الافكار والمقترحات لحل مشكلة شَح المياه في العراق الناتج عن قطع دول الجوار بشكلٍ كاملٍ أو جزئي مياه الانهار الداخلة اليه والتغير المناخي العالمي (الاحتباس الحراري) والزيادة السكانية في دول المنبع والمصب وزحف الصحراء المستمر ما يؤدي الى زيادة الطلب على المياه.

لا ندعي المعرفة العميقة او التخصص في هذا المجال الحيوي، لكننا امام مشكلة وجودية كبيرة جدا ونتائجها كارثية على العراق، وعلى الجميع المشاركة في ايجاد الحلول للتقليل من آثارها او تفاديها بشكل او بآخر.

ومن المقترحات والحلول الممكنة لتفادي تحول العراق الى ارض يباب جدباء لا خضرة فيها ولا ماء:

 اولا: ضرورة بناء سد ناظمٍ على شط العرب وقطع مياهه وعدم السماح بهدرها وصبها في الخليج ،الا بقرارٍ من السلطات العراقية المعنية وحجز المياه وتحويلها الى اي منخفض في الجنوب (بحر النجف مثلا) لتدويرها ثم اعادة ضخها الى الشمال بواسطة الانابيب ليُعاد استخدامها في الزراعة ومشاريع انتاج الطاقة الكهربائية او اية مشاريع أخرى، كتطوير الثروة السمكية او بناء المجمعات السياحية وتحويل الصحراء غرب البلاد الى اراضٍ زراعية، والنهر العظيم في ليبيا مثال على نقل المياه بالانابيب.

 ثانيا: بناء سدود على نهري دجلة والفرات بعد كل محافظة من الجنوب الى الشمال صعوداً ،لرفع منسوب المياه فيهما لتكون بمثابة خزانات او بنوك للمياه ،وكذلك لاحياء الأنهار والسواقي التي كانت تتفرع عنهما ايام الخمسينات والستينات وما قبل ذلك، واختفت بسبب انخفاض المنسوب.

 ثالثا: وضع خطط مدروسة للإستفادة من مياه الامطار والسيول عن طريق تحويلها الى الاهوار العراقية حصرا للمحافظة عليها من الجفاف، وكذلك لإنقاذ المتبقي من الثروة الحيوانية فيها. وهذا يقلل الهجرة من الريف الى المدينة، وتحويلها الى بيئة جاذبة وليس طاردة للسكان بسبب التنوع البيئي الموجود ،إضافة الى تغير المناخ حيث تساعد في خفض درجات الحرارة صيفاً في عموم البلاد، بعد فصلها عن الاهوار الحدودية مع الجوار.

 قد يكون قسم من هذه المقترحات ليس جديداً، لكننا نرى ان الوقت حرج جداً ولا مناص من العمل على انقاذ المتبقي من الأراضي الزراعية ومحاربة التصحر، وإبقاء العراق ينتج ما يأكل من المحاصيل الزراعية المهمة لديمومة الحياة كالخضروات والفواكه ،وان لا نكون رهينة بيد الدول المصدرة لها او الراغبة بالسيطرة على مفاتيح الامن الغذائي العراقي والتقليل من معاناة الناس أيام الصيف ودرجات الحرارة اللاهبة التي تتجاوز الخمسين بعض الأحيان. لذا اصبح لزاماً على صانع القرار ان يتخذ قراراً حاسماً اليوم وليس غداً، ولا مهرب من بناء السدود والحفاظ على ما يدخل العراق من مياه والتركيز على مصالح العراق وشعبه في هذه المسألة الحساسة جداً. فليس من المعقول ان ندخل في مفاوضات ماراتونية غير مجدية مع دول الجوار ،نستجدي منها حقوقنا في الانهار المشتركة العابرة وجميع منابعها خارج الحدود الوطنية.

 وهذا ما فعلته الجمهورية الاسلامية بقطعها مياه نهر الكارون وتحويله الى نهر داخلي، وكذلك فعلت مع الانهار الاخرى الاصغر حجماً والاقل طولاً، وكذلك فعلت الجارة الشمالية تركيا، فلماذا لا نقوم بالعمل نفسه!

     من يضع هذه الافكار قيد التنفيذ بعد الدراسة والتمحيص والتعديل سيدخل التاريخ من اوسع ابوابه، ونضمن له الخلود لاعادته (ارض السواد) لمالكها الأصلي-العراق بعد ان تحولت اغلب اراضيه الى صحراء جرداء هاجرتها طيورها (الخضيري والبربشة والحذافة وطير الماء، والزريجي…الخ) وأصبحت مهددة بالانقراض بعد ان كان عدد أنواعها يتجاوز المئة، كما عافها أهلُها وتركوها اثراً بعد عين، ولم يتركوا للشعراء والادباء والكتاب شيئاً يتغنون به.

 انقذوا المتبقي وحافظوا على نعمة العراق ـ ارض السواد، ولات ساعة مندمِ!

 

 

* عضو المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات/ بروكسل

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى