سياسةصحفمحليات لبنانية

قالت الصحف:استنزاف مالي خطير ..ورهان غير واقعي على الوساطة مع السعودية

الحوار نيوز – خاص

تغلب الهم الاقتصادي والمعيشي على اهتمامات الصحف الصادرة اليوم في بيروت انطلاقا من انفلات سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار،والتقت جميعها عند الأجواء التشاؤمية ،لاسيما الرهان على الوساطة مع المملكة العربية السعودية .

  • كتبت “النهار” تقول: دخل لبنان متاهة استنزاف مالية واجتماعية واقتصادية جديدة تنذر بفتح الباب على حجم متزايد من التداعيات البالغة السلبية خصوصاً أن “حزام الأمان” الذي كان متاحاً ومأمولاً في أن يجنب اللبنانيين تكرار تجرع كؤوس الانهيارات والحد منها قد مزّق شرّ تمزيق مع شلّ الحكومة ومجلس الوزراء، ولا يبدو أن أي ثغرة ستكون متاحة لفتح الطريق امام إنعاش فعالية الحكومة بما يلجم معالم الإنهيار الجديد الطالع. ولم يعد سراً ان مخاوف الكثير من المعنيين السياسيين والاقتصاديين من استفحال تداعيات الارتفاعات المطّردة المتفلتة في سعر الدولار الأميركي والانخفاض التاريخي في سعر الليرة اللبنانية، قد بلغت ذروة غير مسبوقة في اليومين الأخيرين مع الموجات المحمومة في رفع سعر الدولار إلى ارقام قياسية جديدة تخطت البارحة سقف الـ 25 ألف ليرة. وإذا مضى التدهور الانهياري هذا على هذه الوتيرة، فإن تفلّت التداعيات الاجتماعية أسوة بتفلّت الأسعار واشتعالها وعدم القدرة على احتواء الإنهيار، ستضع البلاد حتى قبل حلول الأعياد امام واقع شديد الخطورة بدأت نذره ترتسم في الساعات الأخيرة مع عودة التحركات الشعبية الاحتجاجية سواء في اقتحام وزارة الشؤون الاجتماعية او في التحركات المتحفزة لقطع الطرق او في بعض ما تردد عن عودة لاهبة للاحتجاجات إلى الشارع في الايام القليلة المقبلة. ولا يخفى ان أسوأ ما في خلفية هذا التدهور الآخذ في التفاقم تمثل في انهيار غير معلن لكل الرهانات التي كانت تترقب نجاح محاولة وصفت بأنها كانت الأكثر جدّية وقابلية للنفاذ من شأنها ان تعيد احياء جلسات مجلس الوزراء اعتباراً من الأسبوع المقبل، بعد عودة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من الفاتيكان وبعد عودة رئيس الجمهورية ميشال عون من الزيارة التي سيقوم بها للدوحة. ولكن اتضح في الساعات الأخيرة ان مجمل هذه الرهانات سقطت بفعل السخط الكبير الذي أثاره لدى الثنائي الشيعي الردّ القضائي الشامل قبل يومين على الدعاوى ضد الدولة وحسمه وجهة الشكاوى المتصلة بطلبات كفّ يد المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. ولم يعد المسعى لانعقاد جلسة لمجلس الوزراء مطروحاً راهناً في ظلّ ردّة الفعل العنيفة التي برزت من جانب “حزب الله” على القرارات التي صدرت عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز، الأمر الذي يعيد الكباش السياسي القضائي إلى نقطة الصفر.

ووفق المعطيات المتوافرة لن يكون ممكناً استمرار تعطيل الجلسات أو التعويل على عقد اجتماعات مصغّرة على الدوام وفي وقت انتهت مرحلة المحادثات التقنية مع صندوق النقد الدولي، وتشير معطيات “النهار” إلى أنّ الفريق الوزاري المختص قد أعطى أرقام سنة 2021 إلى موفد الصندوق في ما يتعلق بالمواضيع النقدية، بما يشمل ميزان المدفوعات والحساب الجاري والصادرات والواردات. وسيعمل الصندوق على إدخال المعطيات التي حصل عليها في برامج محاسبية ومحاكاة هذه الأرقام لدراسة العجز في لبنان وتطور الدين العام وإعادة هيكلته. ويأمل الفريق الحكومي اللبناني الانتهاء من مرحلة المفاوضات التقنية التي ينتظر أن تتبع مرحلة المحادثات قبل نهاية العام الجاري. ومن هنا، تكمن الحاجة إلى ضرورة عودة انعقاد الجلسات الوزارية في مرحلة قريبة، باعتبار أنّ هناك معطى أساسياً يحتم عودة الجلسات لجهة أن الاتفاق الحكومي مع صندوق النقد الدولي يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء.

وغداة زيارة الرئيس ميقاتي للفاتيكان جدد البابا فرنسيس “تعلقه بلبنان واللبنانيين وبدور وطن الارز الفريد في الشرق الاوسط، وقدرته على تخطي الانتماءات الطائفية للسير نحو شعور وطني مشترك”. وجاء في برقية وجهها إلى رئيس الجمهورية ميشال عون لمناسبة عيد الاستقلال “ان مشروع أمتكم قائم على تخطي الانتماءات الطائفية للسير معاً نحو شعور وطني مشترك. أنتم تدركون مدى تعلقي الخاص بلبنان وابنائه كما بدوره الفريد في الشرق الأوسط. من هذا المنطلق اطلب من الرب القدير ان يدعم مسيرتكم على الدرب الصعب والشجاع في خدمة الخير العام”.

تفلت الدولار

أما على الصعيد المالي وفيما سجّل سعر الدولار ارتفاعاً خطيراً تجاوز سقف الـ25 ألف ليرة، حذّر مصرف لبنان من “التطبيقات التي تعلن عن الأسعار من دون أن تشير إلى حجم العمليات التي أدّت إلى هذه الأسعار فهي تطبيقات مشبوهة وغير قانونية. وهي تقود الأسواق ولا تعبّر عن واقع السوق وحجمه الحقيقي”. وأعلن أن “وراء هذه التطبيقات مصالح منها سياسية ومنها تجارية”. واعلن مصرف لبنان ان السلطات القضائية والسلطات الأمنية سعت إلى ضبط هذه التطبيقات بناء على طلب الحكومة اللبنانية “وكون الكثير منها موجود خارج لبنان، قام مصرف لبنان بمطالبة شركات الانترنت العالمية بإلغاء هذه التطبيقات عن شبكاتها. وسيتابع مصرف لبنان هذا الأمر في الخارج وسيحمّل المسؤولية لشركات كـ غوغل وفايسبوك وغيرها لما لهذه التطبيقات من ضرر على لبنان، ويطالبها بنشر السعر الرسمي وسعر Sayrafa فقط”.

وفي مواجهة هذه الاوضاع الضاغطة اقتحمت مجموعة من الناشطين المحتجين وزارة الشؤون الاجتماعية مطالبين بلقاء الوزير هكتور حجار والتحدث اليه من اجل انشاء غرفة طوارئ “بعدما وصلت البلاد إلى حد لا يمكن تحمّله بسبب الانهيار الاقتصادي وارتفاع سعر صرف الدولار”. وعمد المعتصمون إلى نزع صورة رئيس الجمهورية في قاعة الإجتماعات وإعادتها بشكل معكوس ليعودوا ويزيلوها لاحقاً ووضعوا مكانها لافتة تحمل شعار ثورة 17 تشرين. ولاحقاً خرج حجار للقاء المعتصمين وطلب منهم اولاً اعادة صورة رئيس الجمهورية إلى مكانها. ولفت حجار إلى أنه أكمل العمل بكل ما يتعلق بالبطاقة التمويلية وأنه سيزور رئيس المجلس النيابي نبيه بري ويطلب منه إذا كان هناك من امكان لبدء التسجيل في بداية الشهر. وقال “انطلقت ورشة الـ75 ألف عائلة وسنزور 130 ألف منزل في إطار مشروع العائلات الأكثر فقراً ونتشاور مع البنك الدولي ووزارة المال ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بشأن تمويل البطاقة التمويلية وأنا جزء من التفاوض”.

نصرالله

وتطرق الأمين العام لـ”حزب الله ” السيد حسن نصرالله في كلمته مساء امس إلى جملة عناوين ومنها ارتفاع سعر الدولار فدعا الدولة إلى قرار شجاع وجريء وعدم السكوت عن انفلاته. وانتقد بحدة الإجراءات القضائية الأخيرة في شأن ملف انفجار مرفأ بيروت، واتهم الجهات القضائية التي أصدرت القرارات ضد الذين تقدموا بطلبات ضد المحقق العدلي بانها “هي أيضا تمارس الاستنسابية وتخضع للضغوط السياسية الداخلية والأميركية وان قراراتها تؤكد ما كنا نقوله منذ سنة “. وأطلق ما وصفه بناقوس الخطر حيال المسار القضائي العسكري حالياً في شأن ملف أحداث الطيونة متحدثاً عن ضغوط دينية وسياسية لاطلاق موقوفين في هذا الملف وان متورطين موجودون في معراب. واعتبر ان هذه التدخلات كأنها تقول لعائلات الشهداء لن تصلوا إلى حقكم عبر القضاء فخذوا حقكم بيدكم. وانا لا اهدد بالثأر لكن أدق ناقوس الخطر حيال المسار الحالي”. وتحدث مطولاً عن موضوع توزيع الحزب لمادة المازوت وقيمة التبرعات التي قدمها إلى مؤسسات بما يقارب المليونين و600 الف دولار وتحمّل الحزب للدعم بقيمة سبعة ملايين دولار. كما اعلن إعادة تفعيل خطة الحزب لمواجهة تفشي جائحة كورونا مجدداً.

تراخيص التنقيب

إلى ذلك، وفي وقت تترقب بيروت عودة الوسيط الاميركي لمفاوضات ترسيم الحدود آموس هوكشتاين، وقّع وزير الطاقة والمياه وليد فيّاض قراراً يقضي باستكمال دورة التراخيص الثانية في المياه البحرية اللبنانية التي سبق أن وافق مجلس الوزراء على إطلاقها، وتمّ تأجيل الموعد النهائي لتقديم طلبات الاشتراك فيها مرحلياً بسبب جائحة كورونا. وقد تضمّن قرار الوزير فياض المستند إلى توصية هيئة إدارة قطاع البترول، تحديداً للموعد النهائي لتقديم طلبات الاشتراك في الدورة من قبل شركات النفط والغاز وهو 15 حزيران 2022، كما تضمّن القرار أرقام الرقع المفتوحة للمزايدة وهي الرقع الثماني غير الملزمة من أصل الرقع العشرة، مع العلم أن الرقعتين 4 و9 قد تم تلزيمهما بفعل دورة التراخيص الأولى.

  • صحيفة الأخبار عنونت:رهان «غير واقعي» على زيارة ماكرون للرياض: هل هناك تمايز إماراتي ــ سعودي في لبنان؟

وكتبت تقول: رغمَ مجاراتها في بعض الإجراءات على خلفية «أزمة القرداحي»، إلا أن الإمارات لا تزال تضمر سياسة متمايزة عن سياسة السعودية في لبنان. دافعها الأهم هو العامل الاقتصادي، لذا تتصرف بأسلوب يصفه البعض بـ«الواقعي»، بينما تذهب الرياض أكثر الى التشدد ما يجعل التعويل على الدور المصري وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبالغاً فيه

يعود زوّار السعودية بانطباعات مختلفة تماماً عما بدأ يتردّد أخيراً عن بداية تحوّل في موقف الرياض من الأزمة الأخيرة. الجميع ينتظرون زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرياض بداية الشهر المقبل، ويراقب آخرون تحركات واجتماعات غير علنية تجرى في القاهرة، مع تداول «معلومات» عن أن العاصمة المصرية تقترب من فتح كوّة في الجدار السعودي ــــ اللبناني، وأن المملكة ستستفيد منها لتخفيف حجم التصعيد الذي استوجبه افتعال الأزمة مع لبنان. وتردّد، أيضاً، أن الرياض ستبدأ بالتراجع عن بعض الإجراءات التي اتخذتها، ولا سيما الاقتصادية منها، ولعلّ هذا الاطمئنان مصدره رهان على خرق فرنسي، لكنه رهان لا يبدو واقعياً بحسب شخصيات على تواصل مع المسؤولين السعوديين الذين يتحدثون عن مشكلة «أولى» بين وليّ العهد محمد بن سلمان وماكرون نفسه، وهي مشكلة تحتاج الى علاج قبل أن يتحوّل ماكرون الى وسيط بين السعودية ولبنان.

التسريبات الواردة من الرياض تُفيد بأن «الموقف السعودي لم يتبدّل»، ونُقِل عن مسؤولين فرنسيين زاروا العاصمة السعودية تحضيراً لزيارة ماكرون، أنهم فوجئوا بـ«رفض سعودي مطلق للبحث في الملف اللبناني». وتوافرت معلومات لدى جهات لبنانية على اتصال بالسعوديين تؤكد أن العنوان المقبل للسياسة السعودية هو «القرار 1559» والتركيز على نزع سلاح حزب الله.
أما أصدقاء مصر في لبنان، فيتحدثون عن سعي القاهرة للقيام بدور لا تملك ثمنه. ولا يُتوقع أن ترفض الرياض مبدأ الوساطة، لكنها ستسأل عن الضمانات. وعليه، يؤكد هؤلاء ومعهم العارفون بأحوال المملكة أنها ستزيد من تشدّدها. لكن الدور المصري يبقى أساسياً في ظل عدم قدرة العواصم الخليجية على القيام بأي دور من شأنه إغضاب الرياض، وعدم وجود حماسة أميركية لـ«مبارزة» ابن سلمان من بوابة الملف اللبناني. لكن الأمر يظل رهن ما يحققه الأميركيون في تواصلهم مع السعوديين لتتمكن مصر من الدخول مباشرة الى الملف.
من يؤكد على استمرار تشدّد الموقف السعودي، يعزو ذلك الى مؤشرات عدة؛ بينها:
أولاً، فشل المحاولات السعودية في الأشهر الماضية في فرض وقائع ميدانية في اليمن تعطيها حصة من التسوية في المنطقة. وبالتالي فإنها لن تبيع الورقة اللبنانية بأبخس الأثمان.
ثانياً، أصبحَ السعوديون أكثر توتراً بعد الموقف اللبناني من التصعيد الخليجي. إذ لم تتوقّع الرياض تعاملاً لبنانياً متماسكاً. صحيح أن هذا الموقف حمَل حرصاً على العلاقة مع دول الخليج، لكنه بقي حازماً. وبالتالي، فإن تلمّس السعوديين فقدانهم جزءاً من هيبتهم على الساحة اللبنانية يشعرهم بأن عليهم التشدد أكثر.

رفض سعودي مطلق للبحث في الملف اللبناني

ثالثاً، وهو العنصر الجديد المتعلق بما يطلق عليه اليوم «التمايز الإماراتي». إذ يبدو للجميع أن هناك اختلافات بين أبو ظبي والرياض حول ملفات شائكة مثل اليمن وسوريا. صحيح أن الإمارات لن تدخل في مواجهة مع السعودية، وهي تقف الى جانبها في الموقف من الأزمة اللبنانية، إلا أن «ذلِك لا يخفي أن للإمارات مشروعاً مختلفاً»، حيث تظهر «واقعية» تعكس فشل رهاناتها السابقة، وهي تحاول فتح صفحة جديدة، سواء مع سوريا، التي زارها أخيراً وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، وإيران، التي أعلن وزير خارجيتها عن اتفاق على فتح صفحة جديدة بين البلدين عقبَ لقاءات بينَ مسؤوليها، فضلاً عن تركيا التي تقاطعت مصالحها مع استئناف العلاقة مع الإمارات برغم الخلاف الكبير بين الجانبين حول «الإخوان المسلمين». وتتّجه الإمارات لإطلاق استثمارات في تركيا وتوقيع اتفاقيات في عدّة مجالات. أضف الى ذلك الانزعاج شبه العلني من جانب الرياض بانفراد الإمارات الدخول في مشروع «الماء مقابل الكهرباء» مع الأردن و«إسرائيل»، بشكل أثار حفيظة الرياض التي أعلنت قبلَ شهر عن مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» من ضمن رؤية المملكة 2030 للبيئة والتنمية المستدامة.
يرى مقربون من أبو ظبي أن الإمارات تريد أن يكون لبنان من ضمن سلة التفاهمات الجاري العمل عليها. وإذا كانَت قد اتخذت بعض الإجراءات تضامناً مع المملكة على خلفية تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي، فإنّ إجراءاتها بقيت مقبولة بالنسبة الى دول خليجية أخرى كالكويت، على سبيل المثال. ويقول هؤلاء إن «الإمارات سايرت السعودية في ما خصّ الرئيس سعد الحريري». لكن المصالح الإماراتية في لبنان تستدعي منهم عدم الذهاب بعيداً في معاداة لبنان، فـ«أهم دافع لدخول الإمارات على الساحة اللبنانية هو الدافع الاقتصادي، وهي تعلَم أن مشاريعها تحتاج الى ترتيب الجو المؤاتي، ولا سيما إن كانت تتعلق بقطاع النفط والغاز، مع ما يُحكى عن إمكانية دخول شركات إماراتية على الخط ربطاً بملف ترسيم الحدود البحرية جنوباً مع فلسطين المحتلة». هذا الأمر قد يؤدي الى ردة فعل سعودية تدوزِن الحركة الإماراتية، ففي حالة التصعيد «لن يكون بمقدور الإمارات المجازفة بتعريض علاقتها مع المملكة للخطر».

  • وكتبت “الجمهورية” تقول: كيف يمكن للبنان أن يتحرّر من هذا الطوق الخانق الذي يزنّره من كلّ الجهات؟ وهل ثمة باب للخلاص، ام أنّ كلّ أبوابه قد أُقفلت، وليس امام اللبنانيين سوى أن ينتظروا بئس المصير؟

كلّ الأسئلة السوداء باتت مشروعة أمام الإنهيار الذي يهوي بوتيرة مرعبة تنذر وكأنّ النهاية المفجعة لهذا البلد، قد دنت، وأنّ المسافة الفاصلة عن لحظة السقوط المشؤوم صارت تقاس بالأمتار. وفي طريق الجلجلة هذه، يتبدّى جلياً إفلاس القابضين على السلطة من حكّام وسياسيين، ولم يعد للشعب اللبناني المنكوب سوى ان يشارك البابا فرنسيس تضرّعه الى الرب بأن يأخذ لبنان بيده ويُنهضه مما هو فيه. مع الإشارة الى انّ البابا قد جدّد في برقية تهنئة لرئيس الجمهورية ميشال عون بعيد الاستقلال «تعلّقه بلبنان واللبنانيين وبدور وطن الارز الفريد في الشرق الاوسط، وقدرته على تخطّي الإنتماءات الطائفية للسير نحو شعور وطني مشترك».

كذلك، التقى البابا فرنسيس أمس، في الفاتيكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث «تحدثا بإسهاب عن ضرورة استمرار المساعدات الإنسانية للبنان مع التأكيد على ضرورة إجراء الإصلاحات الضرورية في البلاد».

وعلّق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على اللّقاء كاتبا في تغريدة: «إنني على ثقة أنه بفضل النوايا الطيبة والعمل الدؤوب لإثنين من أصدقاء لبنان، قداسة البابا والرئيس ماكرون، سيتمكن لبنان من الخروج من أزمته».

لا ضوابط

المفجع في الوضع الداخلي أنّه أصبح متفلّتاً، فمن جهة عاد وباء «كورونا» ليجتاح المجتمع اللبناني، ويحصد مئات الإصابات يومياً، حيث بدأت الارقام تأخذ منحى تصاعدياً خطيراً، حيث سُجّل امس 1474 اصابة و8 حالات وفاة، ومن جهة ثانية، كل سقوف الضوابط، سواء في السياسة او الاقتصاد، قد تداعت بالكامل. ففي السياسة انقسام وخلافات مفتوحة على مصراعيها، وفي المقابل دولار يكمل إجهازه على الليرة مقترباً من سقف الـ26 الف ليرة، مطوقاً اللبنانيين بمخاوف اضافية وملقياً بهم من جديد في مهبّ الغلاء وجنون الاسعار.

جهات مشبوهة

كل ذلك يحصل، وسط عجز فاضح من السلطة الحاكمة، التي تبدو مصابة بالخرس حيال ما يجري، إذ ليس لديها ما تقوله او تفعله، طالما انّ الازمة خلعت عنها ورقة التوت وكشفت حقيقتها جثة منعدمة الشعور والإحساس والمسؤولية امام ما يصيب البلد وشعبه.

واكّد مرجع مسؤول لـ»الجمهورية»، انّه «طالما انّ الخلافات السياسية قائمة، وانّ سبيل التفاهم ولو على الحدّ الأدنى مفقود بين المكونات السياسية، فلا امل بلجم ارتفاع الدولار».

ووسط هذا الجو، تخوّف المرجع المذكور من أن يبلغ ارتفاع الدولار مستويات جنونية من الآن وحتى آخر السنة الحالية»، لافتاً في هذا السياق الى جهات مشبوهة داخلية وخارجية، تسعى الى دفع الامور في لبنان الى الانهيار القاتل».

يتقاطع ذلك، مع تأكيد خبراء اقتصاديين على «انّ الارتفاع المريب لسعر الدولار، هو خارج عن اي سبب اقتصادي او مالي، بل ارتفاع سياسي متعمّد تدفع اليه بعض الغرف السوداء». وقد اشار الى ذلك صراحة «مصرف لبنان» بقوله، انّ «تطبيقات مشبوهة وغير قانونية كثير منها موجود خارج لبنان، وراءها مصالح منها سياسية ومنها تجارية».

واوضح المصرف، «أنّ الأسعار الواقعية لسعر الدولار الأميركي مقارنة بالليرة اللبنانية هي تلك المعلنة يومياً من مصرف لبنان بناءً على التداول الجاري في السوق والمسجّل على منّصة «صيرفة». وانّ «التطبيقات التي تعلن عن الأسعار من دون أن تشير إلى حجم العمليات التي أدّت إلى هذه الأسعار، تقود الأسواق ولا تعبّر عن واقع السوق وحجمه الحقيقي».

مشهد أسود

أمام هذه الصورة، من غير المعروف ما هو الأقسى والأصعب على المواطن اليوم؛ هل استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار، بلا رقيب أو حسيب، الامر الذي أدّى الى تدهور اضافي في القدرات الشرائية للناس، وزاد نسبة الفقراء؟ أم هو مشهد الفراغ القاتل، حيث تبدو مظاهر الدولة في انحلال تام، حتى بات اللبناني يشعر انّه متروك لمصيره. لا دولة، ولا من يحزنون.

فسعر صرف الدولار تجاوز امس الـ25 الف ليرة، في مشهد سوريالي، حيث أصبح معه الحدّ الأدنى للاجور حوالى 27 دولاراً. وأصبح بذلك لبنان من افقر الدول في العالم، إن لم تكن الدولة الأكثر فقراً. وبما انّ معيار الفقر المدقع بالنسبة الى البنك الدولي هو دولاران في اليوم، فهذا يعني انّ اللبناني الذي يتقاضى الحدّ الأدنى للأجر، يعيش تحت مستوى الفقر المدقع بأشواط. وهذا يعني انّ قسماً كبيراً من اللبنانيين باتوا يعانون الجوع بمفهومه الحقيقي، ويكتفون بوجبة طعام واحدة في اليوم.

على انّ ما ينبغي لحظه في هذا المشهد الاسود، هو انّ ما يجري اليوم قد جرى مثله في الصيف الماضي، فهل نسي اللبنانيون انّ سعر الدولار سبق ووصل الى 24 الف ليرة، في تموز الماضي، قبل ان يتراجع بعد ذلك، ويصل الى 14 الف ليرة عقب تشكيل الحكومة، ليعود ويقفز تباعاً الى 25 الف ليرة، وقد يستمر في الارتفاع. ولماذا الاستغراب لوصول الدولار الى هذا السقف؟ فهل انّ الوضع اليوم افضل سياسياً ومالياً واقتصادياً مما كان عليه في تموز الماضي مثلاً، لكي يأمل المتابعون ان يتوقف الدولار عند حدٍ معيّن؟

بطاقة تمويل… وأجور

في السياق، ولكي يكتمل النقل بالزعرور، يبدو انّ مشروع البطاقة التمويلية الذي كان يفترض ان يقي الفقراء شرّ الجوع، يتلاشى يوماً بعد يوم، وتحول الى قصة ابريق الزيت. كل طرف يرمي المسؤولية على الطرف الآخر، والنتيجة ان لا بطاقة تمويلية في الأفق.

أما زيادة الاجور التي تتباهى الحكومة بأنّها حرّكت لجنة المؤشر من اجلها، فقد تآكلت قيمتها بما يفوق المساعدة المطروحة، وبالتالي، ستأتي، اذا أُقرّت، متأخّرة وبلا اي نتيجة، بما يعني عملياً انّ مؤسسات الدولة برمتها ستبقى مشلولة كما هي الآن، حيث لا ادارات رسمية تعمل، سوى في ظروف استثنائية جداً. وكل معاملات المواطنين معطّلة، والعمل الرسمي غائب، ولا من يسأل. انّها دولة اللادولة، والآتي أعظم.

السياسة.. غموض

سياسياً، على رغم الانصراف العام الى ترقّب ترجمة نتائج ما اتفق عليه الرؤساء الثلاثة في لقائهم الاخير في عيد الاستقلال، الا ان مصادر سياسية مسؤولة اكدت لـ»الجمهورية» ان لا مؤشرات ايجابية حتى الآن حول اي انفراج على الصعيد الحكومي، وكل ما قيل في هذا السياق لا يعدو اكثر من فرضيات غير مبنية على اسس جدية».

ولفتت المصادر الى ان «الوضع الحكومي ما زال مطوقاً بالعقبات ذاتها التي حالت دون انعقاد مجلس الوزراء، سواء في ما خص التحقيق العدلي في ملف مرفأ بيروت ومصير المحقق العدلي طارق البيطار، اضافة الى العقدة الكبيرة التي استجدت مع القطيعة السعودية والخليجية مع لبنان على خلفية تصريحات الوزير جورج قرداحي».

ولفتت أيضاً الى «ان الموقف القضائي الاخير الذي تجلّى بردّ محكمة التمييز لدعاوى مخاصمة الدولة قد يعقد الامور اكثر، داعية الى انتظار ما يستجد حيال هذا الامر خلال الايام المقبلة». مشيرة في الوقت نفسه الى ان المخرج للازمة القضائية والحكومية يقوم من خلال واحد من أمرين:

الاول، عبر مبادرة وزير العدل الى اجراء معيّن بحق المحقق العدلي، على اعتبار ان المحقق العدلي يعيّن بقرار من وزير العدل. وبالتالي، فإن صاحب الصلاحية بالتعيين بقرار، له الصلاحية بأن يعدل في هذا القرار اذا ما وجد في قرار التعيين انحرافا او اسبابا موضوعية للشك والريبة من المحقق العدلي المعين. الا ان هذا الطرح يصطدم بموقف حكومي يقول بعدم جواز التدخل في شأن السلطة القضائية ورئيس الجمهورية يؤيد هذا التوجه بقوة.

اما الثاني، فيقول بالفصل في ملف التحقيق، عبر عقد جلسة لمجلس النواب يصار فيها الى احالة المدعى عليهم (الرئيس حسان دياب والوزراء السابقون علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق ويوسف فنيانوس) الى المحاكمة امام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

وافادت المصادر ان هذا الامر جرى التداول به عميقاً في اللقاء الثلاثي بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي، وهو ما يزال محل متابعة حتى الآن، خصوصا ان ثمة من يتحدث عن امكان مبادرة الرئيس بري، وانطلاقاً من تأكيده على احترام الاصول الدستورية والقانونية والالتزام بها، الى تحديد جلسة عامة لمجلس النواب لهذه الغاية، بعد انتهاء السفرات الرئاسية، وقد يحضرها نواب تكتل لبنان القوي». واشارت المصادر الى ان هذا الامر إن حصل، سيؤسّس الى حلّ مواز مرتبط بالازمة الديبلوماسية مع السعودية وبعض دول الخليج، حيث يصار بعد الجلسة النيابية والتصويت على احالة رئيس الحكومة السابق والوزراء السابقين على المجلس الأعلى، الى عقد جلسة لمجلس الوزراء، يبادر بعدها وزير الاعلام الى تقديم استقالته، ليتم بعد ذلك تعيين وزير بدل عنه مقرّب من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

المردة

الا ان مصادر في تيار المردة اكدت لـ»الجمهورية» اننا «لسنا معنيين بكل الفرضيات التي تطرح من هنا وهناك، والوزير فرنجية قال من البداية انه لن يقبل بأن يقدّم الوزير قرداحي كبش فداء لأحد، وبالتالي هو لن يضغط على وزير الاعلام لكي يقدم استقالته، فهذا الامر عائد للوزير، وهو يحترم اي موقف يصدر عنه، علماً ان الوزير قرداحي قد حدّد موقفه علناً بأنّ الازمة ليست متعلقة بتصريح ادلى به، بل هي مرتبطة بما هو ابعد من ذلك، وصولا الى الحكومة والوضع السياسي القائم في لبنان».

«حزب الله»

ويتناغم موقف المردة مع موقف «حزب الله» حيث اكدت مصادر كتلة الوفاء للمقاومة لـ»الجمهورية» اننا «من حيث المبدأ نحن ضد استقالة الوزير قرداحي، وقناعتنا انه لم يخطىء، وانسجاماً مع قناعتنا هذه، فإننا لن نطلب منه ان يستقيل، ولن نقوم بأي دور علني او غير علني لحمله على الاستقالة، وفي الخلاصة الوزير صاحب القرار ونحن معه في اي قرار يتخذه».

القضاء.. تململ

في هذا الوقت رسمت علامات استفهام كثيرة حول مبادرة بعض القضاة الى تقديم استقالاتهم، وتخوّفت مصادر قانونية مما سمّتها حملة لتهشيم السلطة القضائية وضرب استقلاليتها ومعنوياتها وكسر هيبتها ومصداقيتها في مقاربة اي من القضايا والملفات الحساسة.

واعربت المصادر عن خشيتها من ان تكون خلف هذه الاستقالات اصابع سياسية، وقالت إن القضاء بصورة عامة يمرّ في في هذه الفترة في أسوأ مراحله على كلّ المستويات، خصوصاً في ظلّ المداخلات السياسية وغير السياسية التي تتعرض لها السلطة القضائية من جوانب مختلفة، والضغوط التي تمارس على بعض القضاة للتأثير عليهم وترهيبهم في محاولات مكشوفة لحرف التحقيق في الاتجاه الذي يخدم مصلحة هذا الفريق السياسي او ذاك»، مشيرة في هذا السياق الى ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، «وما يحيط به من التباسات تؤثر في مجرى التحقيق العدلي».

وخلصت المصادر القانونية الى التحذير من «ان القضاء الذي يشكّل الركيزة الأساسيّة في لبنان يحدق به خطر حقيقي»، كاشفة «ان الجسم القضائي في حال تململ جدي مما آل اليه هذا الوضع، وهو امر قد لا يطول معه الوقت ليؤدي الى صرخة قضائية عالية امام الاستهداف المتمادي للسلطة القضائية».

ودعت المصادر السياسيين الى ان يَعوا هذا الواقع، والتأكيد فعلاً لا قولاً بأنّ حصانة القضاء فوق كل اعتبار، فإذا كان القضاء محصناً، فهذا يعني ان لبنان محصن والعكس صحيح، وهذا يوجب على السياسيين رفع ايديهم عن القضاء وابعاده عن التجاذبات السياسية، والكفّ عن المداخلات وافتعال العراقيل، ومحاولة تسييس الملفات والتشكيك بكفاءة القضاة ونزاهتهم».

وفيما افيد بأنّ استقالة القاضية جانيت حنا لها علاقة بملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت والتدخلات السياسية في هذا الملف، وانّ استقالتي القاضيتين كارلا قسيس ورلى الحسيني تعودان الى أسباب خاصة، استنكر «نادي قضاة لبنان» في بيان «التعرض لخيرة القضاة وإطلاق التهم بحقهم جزافاً سواء في الشارع أو مباشرةً»، معتبرا انّ هذا التعرض «أصبح موضة رائجة تمسّ بهيبة القضاء وبشخص كل قاض على حدّ سواء، ففي الأمس القاضي جناح عبيد، واليوم القاضي فؤاد مراد، ومن يعلم ضحية الغد من تكون؟».

واشار الى «أن نادي قضاة لبنان لطالما ناصر قضايا المواطنين المحقّة ورفع الصوت ضد الظلم في غير موضع، وانطلاقاً من قناعاته هذه، اكد انه لا يمكنه أن يرضى بأن يطاول الظلم القاضيين المذكورين المشهود لهما باستقامتهما ومناقبيتهما، فالتاريخ المشرّف لا تلوّثه افتراءات عبثية».

ولفت في هذا السياق ما تخوّف منه «ائتلاف استقلال القضاء» ان تكون هذه الاستقالات باكورة لاستقالات جماعية أخرى تنتهي إلى «تطهير» القضاء من أفضل نسائه ورجاله».

واشار الائتلاف الى ان هذه الاستقالات هي بمثابة إنذار بليغ على ما قد يتسبب به الانهيار المالي والاقتصادي من انهيار داخل المرفق القضائي، وايضا بمثابة إنذار موجّه إلى القوى السياسية الحاكمة، من خطورة استمرار الحملات المُمنهجة ضد كل قاض يتجرأ على نظام الحصانات والإفلات من العقاب، والتي تجلّت في أوضح صورها بمناسبة قضية تفجير المرفأ».

وحذر الائتلاف «من مغبّة استمرار الحملات الممنهجة والهادفة إلى ثني القضاة عن القيام بوظائفهم وصولا إلى حماية نظام الإفلات من العقاب. فبمعزل عن المكاسب السياسية التي قد يحققها آنياً مطلقو هذه الحملات، فإن الأفق الوحيد لها هو تدمير المؤسسات والمزيد من العصبية واللادولة».

وندّد «باستمرار القوى الحاكمة في سياسة الإنكار، متجاهلة الانهيار المالي والاقتصادي وتداعياته فضلاً عن الحاجة الملحة لتدابير طارئة لضمان استمرارية المرافق العامة الأساسية، وفي مقدمها المرفق العام القضائي».

الخارجية الأميركية

وليلاً، أكّدت وزارة الخارجية الأميركية، أنّ «حزب الله هو منظمة إرهابية خطيرة تهدد سلامة المجتمع الدولي، وتقوّض سيادة الدولة اللبنانية».

ورحبت الخارجية الأميركية «باعتزام أستراليا تصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية»، مشيرة إلى أنّ «التوقف عن الفصل بين الجناح العسكري لـ»حزب الله» وبقية المنظمة خطوة مهمة للأمام».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى