سياسةمحليات لبنانية

عن الغائب الحاضر طارق شهاب: المثقف المناضل رفيق كمال جنبلاط

 

رجل وإنسان أنيق بابتسامة سحرية، عالم موهوب ذو قلب طاهر، كان طريقه مستقيما دون شك، أمتلك جاذبية وسحر الصوفي من خلال صمته وابتسامته الساحرة، التي تتحول شراسة وعنفوانا وهو يصول ويجول في قاعات المحاكم يقارع الحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان، عامر قلبه بالصدق والإيمان بقول الحقيقة لا يخفي هيبته، لا يخدع غيره، لا يخشى في الحق لومة لائم، ولا نظاما أمنيا.

أشهد أنه كان وطنيا في مقام العشق للوطن الحر الموحد المستقل، كان محامياً مرموقا رأيته وهو يتبنى قضايا المعوزين مجانا، ورأيته وهو يتعذب من أجل ما يحدث في لبنان وسوريا والعراق وغزة وكل العالم العربي.

كان بارعا في مهنة المحاماة. لديه أسلوب خطابة ومرافعة فريد من نوعه. ترافع في العديد من القضايا الوطنية والدولية، ولعل أهمها قيامه بتحريك العديد من الطعون في مجلس الشورى إذ صاغ العديد من المذكرات القانونية.

لم يكن محاميا في قاعات المحاكم فقط بل كان محاميا في الحياة بمختلف جوانبها. كان محاميا في الملتقيات العامة والندوات العلمية. حمل رسالة المحامي خارج قاعة المحكمة دون النظر لهوية ومذهب هذا أو ذاك. كم نحن بحاجة اليك والى أمثالك.
نأمل ان تتكرر شخصيته الفذة في بلادنا.

كنت أقول له لابد لك أن تستريح قليلا وكان ردّه دائما: إذا لم تعد الأمور الى مجاريها في وطن حرّ موحد مستقل فلا راحة الا في القبر.. وها هو المير يرحل بسلام.

كيف لي تأبين صديق مثل المير طارق ؟
هو رفيق كمال جنبلاط لا بل كان نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في ذلك الوقت ،واستمر في خدمة الناس وفي العمل العام ،فكان بعدها الى جانب مهنته التي أحبها (المحاماة) رئيسا للقاء الثقافي الاجتماعي في منطقة حاصبيا ،واستمر حتى أقعده المرض. إنّ أصعب شيء – في ظني – هو كلام التأبين والرثاء، رغم ان اروع كلام في التاريخ، كانت الخطب التي تفجرت في لحظات حزينة.

ما بين محطتي اللقاء الأول والوداع الأخير، اكتشفت بعض أسباب الانجذاب اليه. القدرة علي التمييز بين الجوهر والقشور، بين الحرص الوطني وصلابة المواقف، بين المواقف الشجاعة والتواضع، أشهد انه كان عقلاً متفتحاً، وقانونيا ضليعاً وودوداً مع الناس كافة .

إن ما شاع عن سيرته، باعتباره محاميا قديراً ومدافعا ً عن حقوق الانسان وداعياً لدولة القانون والمؤسسات، ليس كافياً لرسم ملامح شخصيته وهي لا تكفي لتبرير مكانته في قلوب أصدقائه وزملائه، وأغلب الظن أنه استمد مكانته الفريدة، من جوانب إنسانية بحتة تنبعث من القيم والخصال والمواقف التي يحملها ".

ما من شك أن إمتهان القانون يزرع قيم الحق والعدل والمساواة، وهذه القيم تذبل اذا لم تبذر في تربة صالحة، وسنقول أكثر أنّه لا بد للمنبت ان يكون هو المسؤول عن ما يتبناه الرجال من قيم وما يكونون عليه من خصال، وأغلب الظن، أن سلالته الكريمة وانتماءه الى منطقة وادي التيم، هما من غرس فيه هذه القيم .

انني أعترف بأنني غير قادر على إحصاء خصاله، فقد كان بسيطاً في مسلكه، صلباً في مواقفه، متواضعاً امام الآخرين، زاهداً في حياته، هادئاً نزيهاً في حكمه على الناس والوقائع والظروف وواقعياً في فهمه للحقائق ومرناً عند الحاجة للتسويات، لقد كان رجلاً من طينة الكبار.

منذ سنوات، أجبرتنا الظروف على التباعد المكاني، بسبب وضعه الصحي. واليوم في وقت عصيب فجعنا بفقدانه. ولكن علينا أن نتذكر أن الناس لا تدفن في التراب غير أثمن الأشياء (الكنوز ورفات الأحبة) أما الإرث العظيم للأسلاف فيبقى يبعث على الفخر ويحصن الأجيال الجديدة من الوقوع في المهالك.

فيا أبناءه ومحبيه، تمسكوا بإرثه، خصاله وقيمه ومسلكه، بفقده فقدنا أخا وصديقا وفيا مخلصا، وفقدت المحاماة الوطنية والعربية فارسا ًعظيماً من فرسانها كثيرا ما صال وجال دفاعا عن قضايا الرأي وقضايا الأمة.

كان، رحمه الله، متواضعا ًجداً محباً للعلم وللناس. لم يبخل يوماً بعلمه على أحد. سبق عصره بفكره، أنعم الله عليه بعقل متفتح وتفكير حر ومستنير، لديه بعد نظر وإدراك للواقع الدي نعيش.

نم قرير العين، نعدك بإكمال المسيرة، عسى ان يوفقنا الله بما نصبو اليه، وسنبقى نفتقدك في اللقاء الثقافي الاجتماعي لمنطقة حاصبيا الذي ترأسته منذ تأسيسه حتى أقعدك المرض.
*رئيس اللقاء الثقافي الاجتماعي في منطقة حاصبيا

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى