رأي

فلسطين من قضية إلى دولة : خسرت إسرائيل التطبيع وأكثر.. وربحت فلسطين الإعتراف وأكثر (جواد الهنداوي)

 

د.جواد الهنداوي* – الحوار نيوز

 

 

    غادرنا زمنا وفلسطين كانت ” قضيّة “، و أقبلنا على آخر وفلسطين اصبحت ” دولة “.  اصبحت دولة ،ليس فقط بقرار الجمعية العامة للامم المتحدة في 10 يناير ( مايس ) 2024، وبغالبية 143 صوتا يدعم عضويّة فلسطين في المنظمة الدائمة ، وانما بيقظة الشعوب واعترافها ،و بفضل البندقية ( المقاومة ) .

البندقية هي التي حرّرت فلسطين من صفة ” قضيّة ” وألبستها صفة رسمية ” دولة ” . البندقيّة وبالاتجاهين ، بندقيّة الاحرار صوب المُحتل والقاتل ووقودها الحق و الصبر و الأمل والاستشهاد ، وبندقية المُحتل و القاتل و بوقود الباطل والمجازر و الابادة والتجويع ، حيث دماء الضحايا جعلت المُحتل و القاتل و الظالمين في ضياع وفي ضلالٍ مُبين .

حقاً أصابَ في القول و المعنى ، الشاعر المرحوم محمد مهدي الجواهري حين قال :” أتعلمُ ام انت لا تعلمُ  بأنَّ جراح الضحايا فمُ ” ( من قصيدة رثاء أخيه جعفر الذي استشهد في التظاهرات في بغداد ،  ضد الانتداب البريطاني عام ١٩٤٨ ) . فعلاً بجراح الجياع وبدماء الشهداء ترتقي الشعوب والاممُ .

على مدى خمسة وسبعين عاماً من عمر فلسطين، وهي ” قضيّة ” ،نجحت إسرائيل في القتل و المجاز و الاحتلال والاغتيالات والتصفيات ،ولكن ماذا كانت المُخرجات ؟

صمود وصبر ونضال و مبادرات سياسية ، ومن كل العرب ،وفي مقدمتهم طبعاً ، الأقرب منّا للقضيّة والأكرم منّا جميعاً بدمائهم من اجل القضية ، ولاسرائيل و لأمريكا خسائر وانحطاط و مهانة.

منذ تاريخ 7 اكتوبر ( طوفان الأقصى ) ولليوم 25 آيار ( مايو ) ،  ( مدة سبعة اشهر و نصف ) ، مُدّة تفوق  في عطائها  الايجابي لفلسطين ، مدّة 75 ( سبعة عقود ونصف ) عاما من البلاء على فلسطين و العرب و شعوب العالم الحُّرة !

عطاء ايجابي على الصعيد القضائي والدبلوماسي  و العسكري والاعتباري .

دعونا نتفحًص ،على عُجالة ،العطاء الايجابي على الصعيد القضائيّ و الدبلوماسي  :

 

أمس،الجمعة ،٢٠٢٤/٥/٢٤ ، أمرتْ محكمة العدل الدولية إسرائيل بأن توقف على الفور هجومها البري على رفح .

الحكم ادانة لإسرائيل ، ويزيد من عزلتها الدولية .

 

قبلَ اقل من اسبوع ( في 20 يناير ) قرر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الطلب إلى المحكمة اصدار أوامر قبض ضد نتنياهو ووزير الدفاع في الحكومة .

أُوجعَ هذا القرار كثيرا إسرائيل ،و اكثر امريكا ، و ادخلهما ،صراحة ،في ” حيص بيص ” ،فتبنيا تصريحات ،ماهي الاّ هذيان ،تناسيا انهم شيوخنا في الديمقراطية و حقوق الانسان . و لقساوة التصريحات و التهديدات الموّجهة للمدعي العام للمحكمة وأعضائها ، طالبت ” سمير أميس ” الملكة الآشورية ( 800) قبل الميلاد  ،التي تعتلي نصب تمثال الحرية في نيويورك،بالعودة إلى بلادها ، وقدّم النحات الفرنسي فردريك بارتولدي ( صانع التمثال ) اعتذاره للشعب الفرنسي ، الذي اهدى نصب الحرية للشعب الأمريكي عام 1871  ،بمناسبة عيد الاستقلال .

 

قبل أسبوعين ،قررت جمعية الامم المتحدة ،بتاريخ 10 يناير (مايو ) ٢٠٢٤ ،  قبول عضوية فلسطين كدولة في الجمعية العامة للامم المتحدة ، و رفعت توصية إلى مجلس الامن الدولي بقبول فلسطين عضواً في الامم المتحدة .

 و توعّد كبار رجال الادارة الأمريكية و الكونغرس الأمريكي منظمة الامم المتحدة بقطع التمويل عنها وعن برامج الغذاء العالمي ،وقالوا صراحة: دولة فلسطينية او تجويع العالم !

اوربا تستفيق بعد سُبات طويل،حيث بدأت تتعاقب اعترافات الدول الاوربية بدولة فلسطين .

 بتاريخ 2024/5/22 ، أعلنت النرويج وإيرلندا و اسبانيا الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين ،وسيدخل القرار حيّز التنفيذ بتاريخ 28 من الشهر الجاري .

ومن المقرر ان تعلن الدنمارك في الأسبوع القادم اعترافها بالدولة الفلسطينية.

لن تتأخر الدول الأخرى وخاصة إيطاليا و فرنسا ،حيث مطالبات برلمانية لحكوماتهم بالاعتراف ،على غرار الدول الأوربية التي اعترفت .

طوفان الأقصى اسقط والى الأبد التفوق العسكري الإسرائيلي ، وقدرة إسرائيل و امريكا على حسم حرب ، وجرهم إلى حرب استنزاف .

و فوق هذا وذاك تواجه إسرائيل غضب الشعوب والتنديد و العُزلة الدولية .

خسرت إسرائيل ما شيّدته ،على باطل خلال 75 عاماً ، و ربحت فلسطين ما صبرت طويلاً على قدومه ،خلال سبعة شهور ونصف .

ما عسانا ،نحن العرب ،ان نفعل ؟

علينا ان نعي استحقاقات العمر الجديد لفلسطين كدولة وليس كقضية ، ونعكس المعادلة . دعونا نتحدث عن دولة فلسطين وعن قضية او مشكلة اسرائيل .

علينا الاهتمام بمقومات دولة فلسطين وجعل هذه المقومات مدخلاً او أساساً لمعالجة قضية او مشكلة اسرائيل . ماهي هذه المقومات ؟ جغرافية ،سلطة ،شعب ،سيادة .

و اعتراف الدول بدولة فلسطين يعني اعترافهم بشعب و بجغرافية فلسطين ،وفقاً للقرارات الدولية ، وسيادة وسلطة فلسطين.

تحوّل فلسطين من قضيّة إلى دولة يُرتّب أولاً على الفلسطينين مسؤولية تاريخية بتوحيد صفوفهم و صوتهم و جهودهم ، ويفتح امام العرب ،دولاً و شعوباً ، آفاق عمل جديدة ومُشجّعة نحو  جهد عربي مشترك لدولة فلسطينية ،لأمن عربي مشترك ،حينها ستدرك اسرائيل،إن بقيت ، بأنَّ التطبيع ،دون دولة فلسطينية ،دون تطبيق لقرارات مجلس الامن بخصوص الأراضي العربية المحتلة ، دون سلام حقيقي ،لن يطيل عمر وجودها .

 *سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل  

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى