سياسةمحليات لبنانية

فصول من أسرار الطائف(نسيم الخوري)

بقلم الدكتور نسيم الخوري*

“سيأتي يوم قد يطردنا فيه المسلمون من لبنان لأننا ما زلنا نعتبر أنفسنا كمسيحيين، قيّمين على شؤونهم”.

كلام كبير أسرّه لي الياس الهراوي الرئيس الثاني لجمهورية الطائف في 9 شباط 1990 بعد اغتيال سلفه رينيه معوض. نسمع منه اليوم بانتهاء ولاية الرئيس الجنرال ميشال عون( 31/10/2022) مغادراً قصر بعبدا غداً في وطنٍ محاصر بين “فخامة ودولة”الفراغين الدستوريين، ولو بات الجو العام مقيتاً وتفاقمت المهازل الإنتخابية البرلمانية التي تجاوزت الواقع الهش إلى اهتزاز جذور السلم اللبناني اليابسة.

اللبنانيون في وطن مخطوف. دستورهم كتاب مفتوح متخالط المواقف والفصول والكيديات والنكايات المذهبية فقطططططط. يُذكرني الكتاب بمدونات تاريخٍية صارعمرها 33 سنة هي خلاصة لقاءات مع الرئيس حسين الحسيني الرئيس السابق للبرلمان في لبنان، في عين التينة، أختصر بعضها فصولا مع رجلٍ رعى خمائر الطائف التي لم تنتج خبزاً، وكان شديد التفاؤل بالأوضاع الأمنية في العام 1989 مع أنه ترك العاصمة بيروت إلى بعلبك لاشتداد القصف المتنوع على ما كان يُعرف ببيروت الغربية يليها الجبل والبقاع:

الفصل الأول: قدّم النائب خاتشيك بابكيان (1922- 1999) في ال1977 إقتراحاً رفضه الحسيني من الباب. يقضي الإقتراح بتأسيس مجلس رئاسي طائفي يرأسه مسيحي ماروني ويكون له 6 بصفة نواب رئيس يمثّلون كل الطوائف. مهّد بابكيان ،وكان حليفاً ل”حزب الطاشناق” ،باقتراح مهمة الإهتمام بشؤون الإغتراب اللبناني نفسه لأنّه كان منزعجاً من عرض أسرّ به الجنرال عون لزوّار أرمن قوامه استلام الجيش وتحرير الأرض والإنتقال من المناطق المحررة إلى إستعادة المناطق الإستراتيجية وإعادة المهجرين.

انخرط بابكيان بالنتيجة ليلعب دوراً بارزاً في توصلنا لوثيقة الوفاق، سواء قبل انتقال النواب الى الطائف لإجراء مناقشاتهم،أو اثناءها أو بعدها ليصبح عضواً في كتلة الرئيس رفيق الحريري النيابية. كان مثلاً عضواً في اللجنة النيابية التي شكلها البطريرك الماروني نصرالله صفير عام 1989، لمناقشة ورقة عمل تمهيدية للاصلاحات السياسية أعدها مع حسين الحسيني آنذاك، قبل انعقاد الجلسة برلمانية.

وكان بابكيان في الطائف  عضواً في اللجنة النيابية المصغرة التي شكلها الحسيني برئاسته لمناقشة “ورقة العمل التجريبية” أي مسودة الوفاق الوطني التي ضمت 17 نائباً، وأسماها الحسيني “فريق العتالة” ومعظمهم كانوا من المسيحيين مثل جورج سعادة وادمون رزق والبير منصور وبطرس حرب وبابكيان تولوا جوجلة المسائل المختلف حولها وصياغة نصوصها ما قبل النهائية. تابع الحسيني ان بابكيان كان له مساهمات كبيرة في هذه اللجنة وفي اللقاءات التي كانت تتم بعد كل اجتماع توصلاً الى وثيقة الطائف.

الفصل الثاني: قدّم الأباتي بولس نعمان وثيقة للحسيني تعود الى حزيران/يونيو 1977، يرفض فيها التقسيم واللامركزية وحتى الفدرالية، ويدعوه فيها إلى التعاون تحضيراً لمؤتمر وطني عالمي يكون مركزه بيروت تمهيداً للخروج من الحروب. أفصح الحسيني أنّ الأباتي عرض عليه ببساطة وصراحة قائلاً بأنّ “إسرائيل لا تُريد من لبنان سوى القليل من الماء والقليل من الأرض” فأجابه الحسيني ممازحاً: “طمأنتني”.

الفصل الثالث: استهلكت ورقة الطائف نصوصاً وأفكارا وندوات واجتماعات من ال1977 حتى ال1989، قام الحسيني خلالها بلقاءات طويلة مع المرجعيات الدينية كلّها في لبنان قبل لقائه الجوهري مع البطريرك مار نصرالله بطرس صفير( 1920- 2019) طارحاً عليهم فكرة واحدة هي “الغاء الطائفية السياسية”. كانت النتيجة أنّ الشيخ محمد مهدي شمس الدين (1936-2001 ) رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ومفتي  الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قبّاني رحّبا بالفكرة أشدّ ترحيب موافقين على إلغائها كليّاً. أمّا شيخ عقل الموحدين الدروز فقد قال له: ” بصراحة جاءني كمال جنبلاط يوماً “مناوراً” في موضوع إلغاء الطائفية السياسية، أجبته على سبيل المناورة بدوري: أنا معك، لكنني أقول لك بخلاصتها أنني لست أُحبذ إلغاء الطائفية السياسية”.

الفصل الرابع: يعتبر الرئيس الحسيني أن الطائف هو نتيجة جهود طويلة محلية وعربية وإقليمية وحتّى دولية وكأنه مشروعه الخاص حريص عليه ولا يريد اجهاضه. يقول: جاءت أبريل كاثرين غلاسبي سفيرة الولايات المتحدة في العراق سابقا. طلبت ورقة العمل الخاصة بما يُحضّر لقصر المؤتمرات بالطائف. أعطيتها خطاباً. قالت هذه ورقة عناوين. أجاب “نعطيك مجموعة وثائق تتضمّن الكثير من العناوين”. أمّا ورقة العمل الأساسية فقد حصلت بالتنسيق بينه وبين البطريرك صفير لم نوزعها على النواب بل قرأها لهم ادمون رزق”، مع الإشارة إلى أنه كان هناك مشروع لدى اللجنة الثلاثية العليا( السعودية والجزائر والمغرب) وبمتابعة الفاتيكان والأمم المتحدة والدول الخمس العظمى.

لم ولن تُقفل هذه الفصول/ الجروح بل ستبقى عذرية الكتاب مفتوحاً بحثاً عن النقطة الختامية.

 

*عضو الهيئة العليا المشرفة على الإنتخابات.  

كاتب وأستاذ في المعهد العالي للدكتوراه.

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى