سياسةصحفمحليات لبنانية

عون أم البيسري القطبة المخفيّة في لائحة الدوحة؟

 

الحوار نيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتب نقولا ناصيف في صحيفة الأخبار:

 

بينما يمضي الموفد القطري اياماً اضافية في بيروت يجول على مَن كان التقى بهم ومَن لم يسبق ان التقاهم، كي يسمع في المرة الاخيرة ما كان سمعه في المرة الاولى، تستقر حظوظ المرشحين المعلنين وغير المعلنين على نتيجة متساوية: صفر ومئة في المئة في الوقت نفسه

 

في اللائحة التي شاع ان الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني حملها معه في زيارته المستمرة لبيروت، اربعة اسماء: عسكريان ومدنيان. ضابطان وسياسيان. الاولان قائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام بالانابة للامن العام اللواء الياس البيسري، والاخيران النائب نعمة افرام والوزير السابق زياد بارود.

ليس الاربعة هؤلاء مواصفات وامزجة فحسب، بل ظروف متباينة غير متشابهة تجعل كلاً منهم فرصة لصاحبها فقط دون الآخر. ليسوا حتماً المرشحين الوحيدين ولا غير المستغنى عنهم، الا ان طرح اسمائهم في الوقت الحاضر يجعلهم اكثر تداولاً لا اكثر حظوظاً من سواهم. لم يُسقط اي منهم حتماً ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، وهو في الواقع اقوى المرشحين مستمداً تقدمه من وقوف الثنائي الشيعي الى جانبه لا يتزحزح عنه. الاصح انه الوحيد الآن خصم المرشحين الاربعة الذين حمل الموفد القطري اسماءهم.
اقدم الاربعة عمراً في الاستحقاق قائد الجيش، واحدثهم عهداً المدير العام للامن العام بالانابة. اما افرام وبارود فيؤتى عليهما احياناً ويُحجبان حيناً. لم يفصح اي من الافرقاء او اكثر من فريق عن تأييده لأي منهما كي يضاهيا فرنجية او قائد الجيش. مشكلة افرام وبارود ان لهما مناوئين في الفريق المسيحي، ويلقيان معارضة الفريقيْن السنّي والشيعي، ولا يبالي بهما الفريق الدرزي.

 

لأسباب كتلك وسواها، يدور الاهتمام او يفترض من حول ترشيحيْ عون والبيسري مع فارق جوهري بينهما: الاول ثمة اعداء له لا خصوم فحسب لا يريدونه رئيساً، ومتحفظون عنه يملكون مفتاح انتخاب الرئيس كالثنائي الشيعي، ومؤيدون لا يملكون ان يزعموا ان في وسعهم الى الآن على الاقل جمع اكثرية مطلقة من حوله. اما الثاني فلم يقل احد – خلافاً للمرشحين الثلاثة – انه لا يريده او يريده. ربما هو المفاجأة التي رجّح الموفد القطري مباغتة الافرقاء جميعاً بها على انه يقدم اليهم مرشح الخيار الثالث. مع ان العقبة الرئيسية، الوحيدة المعلنة من دون ان تكون تستهدفه او تصوّب اليه مباشرة، ان الثنائي الشيعي ليس في صدد التخلي عن فرنجية، وليس ثمة ما يدعوه الى مرشح ثالث ما دام يجد في مرشحه الزغرتاوي النموذج الذي يراه في الرئيس المقبل للجمهورية.
المرشحان الفعليان الظرفيان الحاليان، لا النهائيان حتماً في مرحلة ما بعد جلسة 14 حزيران، هما عون والبيسري. هو الاستنتاج الطبيعي اذا كان لا بد من الاخذ في الحسبان ان الوساطتين الفرنسية والقطرية معاً – او منفردتين – وضعتا قاعدة جديدة لمقاربة الاستحقاق الرئاسي، هي تجاوز نتائج جلسة 14 حزيران باستبعاد مرشحيْها فرنجيه والوزير السابق جهاد ازعور، والذهاب الى مرشح ثالث يتاح التوافق عليه. بالتأكيد يجبه قائد الجيش المشكلة نفسها لرئيس تيار المردة، مفادها تعذّر التوافق عليه بين القوى الرئيسية الناخبة في الاستحقاق، وتعذّر استقطاب كل الطوائف اللبنانية – وهم ما بات الاهم الآن – الى جلسة انتخابه.
في ذلك تكمن المفارقة: يحظى قائد الجيش بتأييد غير معلن من الدول الخمس المعنية بلبنان اقرب ما يكون الى اجماعها، بينما يفتقر الى الاجماع الداخلي والى التوافق عليه حتى. الا انه يستمر مرشحاً رئيسياً وندّاً لفرنجية، وإن فهم البعض المؤثر من تحرّك آل ثاني وكلامه المستجد عن مرشح ثالث كأنه يتنصل من قائد الجيش كي يذهب الى سواه. ذلك ما فسّر طرح اسم البيسري.

يحظى قائد الجيش باجماع من الدول الخمس يفتقر اليه في الداخل

 

احدى العقبات المهمة المثارة في طريق انتخاب قائد الجيش، تطلّبه تعديل المادة 49 من الدستور. مذ طرح اسمه باكراً، في الشهر الاول للاستحقاق قبل سنة، جزم اكثر من فريق ناخب بالعقبة الدستورية قبل السياسية. رئيس البرلمان نبيه برّي قال مراراً ان لا تعديل للدستور. قال ايضاً ان لا عودة الى الطريقة نفسها التي انتخب بها الرئيس ميشال سليمان عام 2008 تبعاً للمادة 74 لتفادي تعديل المادة 49. كذلك افرقاء آخرون كرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل مانَعَ تعديل الدستور للسبب نفسه مضافاً اليه سبب آخر اكثر اهمية عنده وذو دافع شخصي، للحؤول دون انتخاب قائد الجيش.
مع طرح اسم البيسري في اللائحة القطرية كأحد الاحتمالات المتداولة، يُعاد طرح المشكلة نفسها: تعديل المادة 49.
ثمة وجهتا نظر متناقضتان:
اولى تقول ان لا حاجة الى تعديل المادة كونه يحل في المديرية العامة للامن العام بالانابة وليس بالاصالة، اضف صدور قرار تعيينه عن وزير الداخلية في 3 آذار الفائت لا عن مجلس الوزراء، فلم يخضع التعيين للحالات المرعية في المادة 65 في الدستور لتعيين موظفي الفئة الاولى، كي تنطبق عليه شروط هؤلاء.
ثانية تذهب الى ابعد من ذلك باستنادها الى المادة 49 بالذات. ما تورده الفقرة الثالثة فيها انها تمنع «انتخاب القضاة وموظفي الفئة الاولى وما يعادلها في جميع الادارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الاشخاص المعنويين في القانون العام مدة قيامهم بوظيفتهم» ما لم يكونوا استقالوا من الوظيفة وانقطعوا عنها او تقاعدوا في السنتين اللتين سبقتا موعد انتخاب الرئيس. تأتي المادة 49 صراحة على ذكر القضاة وموظفي الفئة الاولى ولا تأتي على ذكر قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان. كلا مَن شغل اخيراً المنصبيْن قالا – او نُقل عنهما – ان قانونيْ وظيفتيْهما لم يشيرا الى ان اياً منهما هو موظف فئة اولى، في قانون الدفاع الوطني وفي قانون النقد والتسليف، ما يستثنيهما من التحظير الدستوري المطبق صراحة على القضاة (كرئيس مجلس القضاء الاعلى) وموظفي الفئة الاولى المنصوص عليه في المادة 49. واقع الامر ان الربط حاصل في العبارة المفتاح التالية «وما يعادلها» في الادارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الاشخاص المعنويين في القانون العام مدة قيامهم بوظيفتهم.

عندما عُدلت المادة 49 في الدستور عام 1990 وأُدخِلت اليها فقرة ثالثة جديدة لا تمت بصلة الى تلك القديمة منذ عام 1926، لم يُقصد بين المحظّر انتخابهم سوى قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان بالذات.
صلة الربط تلك تقيم في الجدول المطبق على الجيش وسائر الاسلاك العسكرية والامنية النظيرة المسمّى «جدول تماثل الرتب العسكرية وفئات الوظيفة العامة» بتصنيفه حامل رتبة عميد وما فوق مماثلة لموظفي الفئة الاولى، ورتبة عقيد ومقدم مماثلة لموظفي الفئة الثانية، وهكذا دواليك…
لأن قائد الجيش والضباط المماثلين لرتبته في اسلاكهم يتولون مهمات مطابقة لتلك المعهودة الى المدير العام في الوظيفة العامة، يمسي من الطبيعي انصياعهم للالزام المنصوص عليه في المادة 49، المحظّر انتخاب اي منهم لرئاسة الجمهورية ما لم يصر الى ازالة المانع الدستوري.
على اهمية هذا الشرط المقيِّد، الرائج منذ عقد التسعينات، وهو الدرس السوري الاول في تطبيق اتفاق الطائف، ان السياسة فوق الدستور الذي ليس له الا الخضوع اليها. حدث ذلك اعوام 1995 و1998 و2004 و2008، ويمكن ان يحدث في اي وقت عندما يحين أوان التسوية والتفاهمات السياسية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى