دولياتسياسةشرق أوسط

عشية الانتخابات الإسرائيلية:قراءة في النتائج والاحتمالات

لا اهتمام فلسطيني نتيجة غياب الملف عن برامج الأحزاب المتنافسة

كتب واصف عواضة

يتوجه الناخبون الإسرائيليون غدا الثلاثاء إلى صناديق الاقتراع للمرة الرابعة خلال عامين،لانتخاب الكنيست الإسرائيلي، بعدما حالت نتائج الانتخابات المتقاربة والخلافات بين الأحزاب دون تشكيل حكومة مستقرة.

وتخوض هذه الانتخابات 39 قائمة، قدمت ترشيحاتها إلى لجنة الانتخابات المركزية، فيما فرص التمثيل باجتياز نسبة الحسم 3.25%، هي لما بين 11 إلى 13 قائمة، بحسب ما تتنبأ به الاستطلاعات.

 وتشير أغلب استطلاعات الرأي التي أجريت في إسرائيل إلى أن حزب الليكود برئاسة نتنياهو سيحصد أكبر عدد من المقاعد في الكنيست(بين 28 و30 مقعدا) على أن يليه حزب ” يش عتيد ” برئاسة يائيرلابيد ثم حزب ” يمينا ” اليميني برئاسة نفتالي بينت وحزب ” الأمل الجديد ” بقيادة المنشق عن الليكود جدعون ساعر.

أما الأحزاب الأقل حظا بحسب استطلاعات الرأي فهي الأحزاب الدينية الموالية لنتنياهو و”القائمة العربية المشتركة” وباقي أحزاب الوسط واليسار.

لكن المشكلة الرئيسية التي ستواجه الكيان الصهيوني مرة أخرى ،هي عدم تمكن أي من المعسكرين المتصارعين من نيل أغلبية تؤهله تشكيل حكومة (61 نائبا من أصل 120)،ما يهدد بالدعوة الى دورة انتخابية خامسة خلال سنتين.

وتشهد الدولة العبرية المعركة الانتخابية الجديدة في ظل ظروف صحية واقتصادية طارئة نتيجة تفشي فيروس كورونا،حيث خصصت لجنة الانتخابات المركزية ميزانية إضافية وصلت إلى زيادة بنسبة 30 في المئة لإجراء الاقتراع في ظل الظروف غير الطبيعية.

وأعدت لجنة الانتخابات أكثر من 15 ألف مركز اقتراع مقابل 11 ألفا كانت تجرى من خلالها عملية الاقتراع في السنوات الماضية.وسيُسمح للمصابين بالوباء والخاضعين لإجراءات الحجر الصحي بالتصويت في مراكز خاصة حيث يمكنهم الإدلاء بأصواتهم دون مغادرة سياراتهم.ووفرت اللجان الانتخابية عددا كبيرا من الحافلات المتنقلة للتصويت في حال ارتفعت أعداد الإصابات.

 

وتعتبر الأزمة الصحية والاقتصادية من أبرز الملفات التي تستحوذ على اهتمام الناخب الإسرائيلي في تصويته هذا العام.فبعد أن كانت القضايا السياسية والأمنية محورية لحملات الأحزاب الإسرائيلية، باتت تداعيات وباء كورونا هي الأهم.فهناك مئات آلاف العاطلين عن العمل الى جانب المصالح التجارية المغلقة والأزمة الاقتصادية الخانقة.

ويتهم زعيم المعارضة يائير لابيد الذي يتزعم حزب ” يش عتيد “، رئيس الوزراء نتنياهو بالفشل في التعامل مع الوباء.كذلك تطرح باقي الأحزاب المنافسة كحزب ” يمينا ” برئاسة وزير الأمن الأسبق نفتالي بينت خططا اقتصادية بديلة.

أما رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو فيتباهى بحملة التطعيمات الواسعة التي وفرها للإسرائيليين، وكثيرا ما يتحدث عن علاقاته الشخصية مع رئيس شركة “فايزر” للقاحات والتي مكنته من جلب ملايين الجرعات.

نسبة الحسم

نسبة التصويت في الانتخابات ستؤثر على دخول بعض الأحزاب الكنيست، فلا يمكن لأي حزب أي يكون ممثلا في الكنيست إن لم تتجاوز حصة الحزب من إجمالي الأصوات نسبة 3.25 في المئة.وهذا يعني أن على أي حزب يسعى لتحقيق نسبة الحسم حصد ما لا يقل عن 150 ألف صوت وهو ما يمثل أربعة مقاعد برلمانية.

ويعد حزب “الصهيونية الدينية” برئاسة المتطرف بتسلئيل سموترش من الأحزاب المتنافسة على تحقيق نسبة الحسم لكي تكون ممثلة في الكنيست.كذلك تضم قائمة الكيانات السياسية التي تتصارع على تحقيق الحد الأدنى من الأصوات المؤهل لدخول الكنيست “القائمة العربية الموحدة” وهي أحد الأحزاب العربية التي انشقت عن القائمة العربية الأم.

ويُعتقد أن انسحاب القائمة العربية الموحدة من القائمة المشتركة يهدد التمثيل العربي في الكنيست.فبعد أن كانت القائمة العربية ثالث الأحزاب قوة بحصولها على 15 مقعدا في الانتخابات الماضية أصبحت اليوم من بين الأحزاب الصغيرة التي تنافس على تسعة أو عشرة مقاعد بحسب الاستطلاعات.

وجاء الانشقاق في الأحزاب العربية ليدفع نتنياهو لتكثيف حملاته الانتخابية في المدن والقرى العربية، وهي الحملات التي شهدت احتساءه للقهوة العربية في تجمعات بدوية.

وطرح زعيم الليكود، الذي يُتهم من قبل عدد من معارضيه بالعنصرية ضد العرب، خطة لمكافحة الجريمة المتفشية في المجتمع العربي في مسعى للحصول على أصوات عربية قد تمنحه مزيدا من المقاعد.

ويواجه نتنياهو هذه المرة انقساما في معسكر اليمين الذي اعتاد أن يكون في صفه في جميع المعارك الانتخابية.فالقيادي المنشق عن الليكود جدعون ساعر أعلن عن حزب جديد ينافس به ليكون بديلا عن نتنياهو.ولا تقتصر قائمة منافسي نتنياهو على ساعر فقط، فقد أعلن رئيس حزب ” يمينا ” نفتالي بينت، نفسه مرشحا لرئاسة الحكومة.

والانشقاق في معسكر اليمين توازيه خلافات وحروب على الأصوات في معسكر الوسط واليسار،حيث يسعى حزب لابيد للحصول على عدد من المقاعد يزيد عن تلك التي حصدها حزب أزرق أبيض برئاسة بيني غانتس في الانتخابات الماضية.

وتنافس هذا الحزب أيضا أحزاب يسارية مثل حزب العمل وميرتس اللذين ينافسان بشق الأنفس على البقاء كمعسكر يساري اختفى في السنوات الماضية.

وقد تحول هذه الانشقاقات والخلافات السياسية والأيدولوجية بين الأحزاب دون تفوق أي من المعسكرين على الأخر.فتشكيل الحكومة بحاجة لحصول أي من مرشحي المعسكرين على 61 مقعدا من أصل 120، وهو العدد الذي تقول استطلاعات الرأي أن المعسكرات المتنافسة لا تستطيع تحقيقه.

بين التطبيع والمستوطنات

وعلى الرغم من أن القضايا السياسية والأمنية غير حاضرة بقوة في هذه الجولة الانتخابية، إلا أن السلطة الفلسطينية تنظر بعين القلق والترقب للأحزاب التي تميل في غالبيتها لليمين.

فالأحزاب الأربعة الأولى لا مانع لديها في ضم مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، كما لا تدعو لإقامة دولة فلسطينية ولا لتقسيم مدينة القدس لشطر إسرائيلي وفلسطيني.لذلك تخشى القيادة الفلسطينية من تشكيل حكومة يمينية ضيقة تكون حقائبها الوزارية موزعة على شخصيات يمينية متطرفة.

ويُعتقد أن حملة ضم مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، التي أجلها نتنياهو بسبب التطبيع مع الإمارات، قد تؤثر على أصوات المستوطنين،حيث ينافس حزب يمينا وحزب الصهيونية الدينية بحملاتهم الداعمة للاستيطان على أصوات جميع المستوطنين.

 

ويبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن نأت بنفسها عن التدخل في الانتخابات وتقديم دعم لنتنياهو أو أي من المرشحين.فالرئيس الأمريكي أجل مكالمته الهاتفية الأولى مع نتنياهو بشكل غير معهود حتى لا يدعم نتنياهو كما يقول بعض المحللين.

صديق نتنياهو في البيت الأبيض دونالد ترامب والذي قدم له دعما في الحملات الانتخابية السابقة لم يعد موجودا بعد خسارته الانتخابات الرئاسية، وعلى الرغم من ذلك ما زال نتنياهو يفخر بتوقيعه اتفاقات تطبيع مع دول عربية وخليجية.ويتعهد نتنياهو في حال انتخابه رئيسا للوزراء بإبرام أربع اتفاقات تطبيع جديدة مع دول عربية.

لكن المراقبين الإسرائيليين يستبعدون أن تكون ملفات التطبيع والعلاقات الخارجية على رأس أولويات الناخب الإسرائيلي، فجل اهتمام الإسرائيليين ينصب حاليا على القضايا الداخلية ومحاكمة نتنياهو بملفات فساد والتي ستستأنف جلساتها بعد الانتخابات.

الموقف الفلسطيني

ثمة جملة أسباب لا تجعل الانتخابات الإسرائيلية، هذه المرة، موضع اهتمام كبير لدى الفلسطينيين على المستويين الرسمي والشعبي، ولا تجعلهم يفضلون أحزابا إسرائيلية على أخرى، وفق محللين.

ويرجع محللون فلسطينيون أسباب ما يرونه عدم اهتمام فلسطيني بالانتخابات الإسرائيلية إلى عدة أسباب ،بينها غياب الملف الفلسطيني عن برامج الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة.

ويذكر هؤلاء من الأسباب أيضا عدم إفراز 3 جولات من الانتخابات خلال العامين الأخيرين أي قيادة إسرائيلية جديدة مقبولة فلسطينيا، فضلا عن انشغال الفلسطينيين أنفسهم بالإعداد لعملية انتخابية طال انتظارها، وتداعيات جائحة فيروس كورونا الآخذة في الاتساع.

ويصف المحلل السياسي خالد العمايرة، الحالة السياسية في إسرائيل بحلبة مصارعة ليس فيها إلا مصارع واحد “وكل من حوله صبية لا يستطيعون حتى الاقتراب منه” في إشارة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ويضيف العمايرة أن المشهد في إسرائيل “غير معهود منذ إنشائها  عام 1948 .ويستطرد أن”على مدى عقود كان على رأس الهرم نِدان متنافسان وقويان.أما الآن فنحن بصدد احتكار المشهد السياسي من قبل الجناح اليميني الإسرائيلي المتطرف، ومنه أحزاب تؤيد طرد الفلسطينيين”.  .

وحول الخيارات الفلسطينية على المستوى الرسمي للتعاطي مع هذا الواقع، يقول العمايرة، إن “السلطة الفلسطينية تعيش مرحلة انتقالية وتُعِد لانتخابات عامة، ولن تستطيع أن تقرر خطواتها التالية”.

ويوضح العمايرة، أن “خيارات منظمة التحرير قليلة جدا، وباتت تجد نفسها بين المطرقة والسندان: مطرقة الاحتلال وسندان جبهة التطبيع العربية”.

من جهته يقول المدوّن الفلسطيني محمد أبو علان، إن الاهتمام الفلسطيني بالانتخابات الإسرائيلية تراجع لأسباب منها: “قناعة الشارع الفلسطيني أن المجتمع الإسرائيلي والنخبة موحدون في موقفهم تجاه القضية الفلسطينية”.

ويستبعد أي تغيير باتجاه إقرار حق الفلسطينيين في دولة مستقلة، خاصة مع غياب شبه كامل لملف الصراع من برامج الأحزاب السياسية.

وفي هذا السياق، يشير أبو علان، إلى “تلاشي التيارات التي تسمي نفسها يسارا إسرائيليا مثل: حزب ميرتس، وحزب العمل، الذين قد لا يتجاوزا نسبة الحسم (3.25 بالمئة من أصوات الناخبين) .

أما العامل الثاني لما يراه أبو علان، عدم اهتمام الشارع الفلسطيني بالانتخابات الإسرائيلية، فيتمثل في تكرار الانتخابات 4 مرات خلال عامين، وعدم قدرة الانتخابات السابقة على فرز أي سياسة مستقرة حتى داخل إسرائيل.

ويوضح في هذا الخصوص، أنه حتى لو أفرزت الانتخابات القادمة قيادة جديدة “فلا وقت عندها كي تحل قضاياها الداخلية، وبالتالي فإن القضية الفلسطينية، لن تكون على أجندتها”.

ويشير أبو علان، إلى تأثير انتشار فيروس كورونا على اهتمامات الناس في الشارع الفلسطيني “حتى إنها صرفت نظر السياسيين عن كل القضايا السياسية”.

أما عماد أبو عواد، الباحث في مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، فيرى أن السلطة الفلسطينية “باتت في موقف المتفرج والعاجز”.

ويقول أبو عواد: “قديما كانت ميول السلطة لحزب العمل واليسار، لكن اليوم يتمنى المستوى السياسي (الفلسطيني) أن يبقى الوضع على حاله.ويتمنى الساسة الفلسطينيون بقاء نتنياهو وألا يأتي الأكثر تطرفا؛ لأن الآخرين ربما يجازفون بتنفيذ خطة الضم دفعة واحدة”.

ويرى أبو عواد، أن إسرائيل تواصل، ببطء، فرض حقائق على الأرض دون أن تُحرك السلطة ساكنا “لكن أي ضجة كبرى أو ضم الأراضي الفلسطينية لن يكون مريحا”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى