العالم العربيسياسة

دراسة تحذر من مخاطر سد النهضة على الزراعة المصرية(محمد السعيد)

 

 

 محمد السعيد* – الحوارنيوز

 

حذرت دراسة جديدة من أن عدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمواجهة العجز المائي المحتمل بسبب إنشاء سد النهضة الإثيوبي، والوصول إلى اتفاق مشترك بشأن ملء السد وإدارته، قد يتسبب في آثار خطيرة على الاقتصاد المصري. 

ووفقًا للدراسة المنشورة في دورية ليترز إنفيرومنتال ريسرش Environmental Research Letters في 11 يونيو – تموز الحالي، فإن متوسط إجمالي عجز الميزانية السنوية المتوقع للمياه في مصر خلال فترة الملء -مع أخذ عوامل أخرى مرتبطة بجيولوجية خزان سد النهضة في الاعتبار- قد يصل إلى قرابة 31 مليار متر مكعب في السنة، وهو ما يتجاوز ثلث إجمالي ميزانية المياه الحالية لمصر، في حالة عدم إنجاز جهود التخفيف والمواجهة المحتملة من قِبل السلطات المصرية المعنية.

على أثر ذلك، فإن الرقعة الزراعية المصرية مهددة بالتراجع بنسبة مقلقة، قد تصل إلى 72٪، كما يُتوقع أن ينخفض الناتج القومي للفرد في مصر بنسبة قد تصل إلى 8٪، ومن ثم وصول معدل البطالة إلى نسبة قد تصل إلى 25٪، وفق الدراسة.

تشير أحدث الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مارس الماضي، إلى أن إجمالي موازنة مصر المائية يصل إلى 81 مليار متر مكعب، إذ يُعتبر نهر النيل هو المورد الرئيسي للمياه بحصة تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويًّا تمثل 68.5% من جملة الموارد المائية عام 2019/2020، أما المكون الثاني لموازنة مصر المائية فهو المياه الجوفية العميقة والأمطار والسيول ومياه البحر المحلاة، وكذا مياه الصرف المعاد استخدامها والمياه الجوفية السطحية بالدلتا، وتقدر بنحو 25.56 مليار متر مكعب تمثل 31.5% من جملة الموارد المائية عام 2019/2020.

الدراسة -التي أعدها باحثون مصريون في جامعات أمريكية، يقودهم عصام حجي، الباحث في جامعة جنوب كاليفورنيا- تقدم تقييمًا لفاعلية الحلول المقترحة لسد العجز المائي المتوقع بسبب سد النهضة، ومخزون السد العالي، وحلول إعادة تدوير المياه، وتطوير وسائل الري، واستخدام المياه الجوفية.

وتحذر الدراسة من مزيد من التهديد الذي قد يشمل دلتا النيل، سلة غذاء مصر، بقدرٍ قد لا تتحمله البلاد التي تعتمد بشكل أساسي على الأراضي الزراعية الخصبة في الدلتا لتوفير احتياجاتها من الغذاء.

يمتد مشروع السد على مساحة تبلغ 1800 كيلومتر مربع، ويبلغ ارتفاعه المخطط له 170 مترًا ليكون أكبر سد للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، ووفقًا لدراسة سابقة أجرتها الجمعية الجيولوجية الأمريكية، فإن تزايُد النشاط البشري، والزيادة السكانية الكبيرة في مصر إضافةً إلى إنشاء سد النهضة الإثيوبي، من شأنه أن يُحدث أزمة في مياه الشرب بحلول عام 2025.

نمذجة السيناريوهات المحتملة

تبلغ حصة مصر من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب في السنة، ويُعتبر نهر النيل شريان الحياة في مصر، إذ تزود مياهه البلاد بحوالي 97٪ من احتياجاتها المائية الحالية، وبالرغم من ذلك، تبلغ حصة المياه السنوية للفرد في مصر 660 مترًا مكعبًا فقط، وهي أقل من أدنى حصص المياه السنوية للفرد الواحد على مستوى العالم البالغة 1000 متر مكعب للفرد، ووفقًا لمنظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، يُقصد بندرة المياه “الشح المائي” وجود فجوة بين العرض المتاح والطلب على المياه العذبة في منطقة معينة.

يتحفظ نادر نور الدين -أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة- على الأرقام الواردة بالدراسة فيما يتعلق بميزانية مصر المائية، التي يستبعد “نور الدين” في تصريحات متلفزة أن يكون ثلثها يساوي “31٪” كما هو مذكور بالدراسة، كما يشكك أستاذ الموارد المائية في النسبة التي تتوقعها الدراسة بشأن حجم البطالة والمساحة الزراعية المتوقع تدهورها.

يوضح الباحث المشارك في الدراسة، الجيولوجي أبو طالب زكي، الباحث في جامعة جنوب كاليفورنيا في الولايات المتحدة، أنه إذا فقدت مصر 5 مليارات متر مكعب من المياه، فسيؤدي ذلك إلى خسارة مليون فدان، ويزيد حجم الأرض المتدهورة أو يقل وفق المياه المفقودة، كما جرى حساب الزيادة في نسبة البطالة بناءً على إضافة المزارعين الذين سيفقدون وظائفهم في الأراضي المتدهورة إلى قائمة المتعطلين، ومن ثم زيادة نسبة البطالة.

ويرد زكي بأن الرقم المذكور في الدراسة لا يعني 31 مليار متر مكعب من حصة مصر من مياه النيل، بل إجمالي موارد مصر المائية من مختلف المصادر المذكورة في التقارير الحكومية، كما تتقارب الإحصاءات الرسمية مع الأرقام التقديرية التي أوردتها الدراسة بشأن كمية المياه.

ويبلغ إجمالي الأراضي الزراعية في مصر 8 ملايين و687 ألفًا و472 فدانًا (8.687.427)، وفق إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ويعمل بالقطاع الزراعي 5 ملايين و509 آلاف مشتغل، ووفقًا للدراسة فإنه في أسوأ السيناريوهات (سيناريو السنوات الثلاث) سيفقد قرابة 4 ملايين و750 ألف مشتغل بالزراعة مصدر دخلهم، وهي نسبة تصل إلى حوالي ثلاثة أرباع العاملين بالقطاع، يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدل البطالة العام.

تستهلك الزراعة 80٪ من حصة مصر من مياه النيل، ويُسهم القطاع الزراعي بحوالي 11٪ من الناتج المحلي الإجمالي، كما يستوعب القطاع أكثر من 25٪ من إجمالي القوى العاملة في مصر، وفق تصريح وزير الزراعة المصري سيد القصير أمام لجنة الزراعة والري بمجلس الشيوخ يوم الإثنين 14 يونيو. 

ويقول “زكي” إن الدراسة بمنزلة مراجعة بحثية لعدد كبير من الدراسات التي تناولت قضية سد النهضة وتأثيراته على مصر، وبعد جمع عدد ضخم من المادة العلمية من نتائج هذه الدراسات والأبحاث، أنتج معدُّو الدراسة الحالية نموذجًا لتقدير مستوى المخاطر الاقتصادية على مصر من خلال عدد من السيناريوهات.

ويضيف الباحث في تصريح لـ”للعلم”: “جمعنا كل السيناريوهات المتاحة في الدراسات السابقة للوصول إلى متوسط العجز المتوقع في المياه، بدايةً من السيناريو الأسوأ، وهو حدوث تعبئة خزان سد النهضة في خلال ثلاث سنوات، وعندها قد يصل العجز المائي إلى قرابة 43 مليار متر مكعب في السنة”. 

أما السيناريو الأكثر تفاؤلًا وفق الدراسة، فهو الذي يفترض حدوث التعبئة على مدار 29 عامًا، وعندها سيكون العجز المائي في مصر حوالي 3 مليارات متر مكعب من المياه، وهو عجز يمكن لمصر التعامل معه دون حدوث مشكلات.

يستطرد “زكي”: إن ما يميز الدراسة الحالية هو أنها قدمت نموذجًا إحصائيًّا يتناول السيناريوهات المقترحة منذ عام 2015 حول ظروف الملء وكميات مياه الأمطار، ويتضمن النموذج كذلك مواصفات بناء السد وكميات التدفق، والعجز المائي المصري الذي كان يبلغ وقت إعداد الدراسة (قبل عامين) 18 مليار متر مكعب، يقدر العجز المائي المصري بحوالي 30 مليار متر مكعب؛ إذ تحتاج مصر إلى 110 مليارات متر مكعب لتلبية حاجتها المائية، في حين لا تبلغ ميزانيتها الحالية 81 مليارًا.

كما أخذ معدُّو الدراسة كمية التسرب بين الشقوق في الصخور أسفل خزان سد النهضة وحوله في الاعتبار، وتتراوح كمية التسرب بين 40 مليون متر مكعب وحوالي 17 مليار متر مكعب في السنة.

“سيناريو متطرف” 

يرى نيك فان دي جيسن -الأستاذ في قسم إدارة المياه في جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا، والذي لم يشارك في إعداد الدراسة- أن الورقة البحثية تقيم سيناريو “متطرفًا”، يفترض تعبئة خزان سد النهضة في غضون ثلاث سنوات فقط. 

ويوضح “دي جيسن” في تصريح لـ”للعلم” أنه “من وجهة النظر الهيدرولوجية، من الواضح أن هذا سيكون له تأثيرٌ قويٌّ على موارد المياه في مصر (والسودان) خلال هذه السنوات الثلاث”، مشيرًا إلى أن العديد من الدراسات -بعضها مذكور في الدراسة الحالية- قد تعرض لهذا السيناريو بالفعل. 

تعرضت نتائج الدراسة لنقد شديد من عدد من الباحثين المصريين، الذين اتهموا معدِّي الدراسة بتسييس النتائج وتجاهُل بعض المتغيرات والعوامل المهمة في معادلة الأمن المائي. 

أحد أبرز الناقدين للدراسة، عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والمياه في جامعة القاهرة المصرية، الذي يقول في تصريح لـ”للعلم”: إن الدراسة اعتمدت على دراسات سابقة غير عملية ودون قياسات معملية أو حقلية، كما تضمنت معلومات قديمة عن عدد التوربينات وإنتاج الكهرباء؛ إذ ذكر الباحثون أن عدد توربينات سد النهضة 16 توربينًا، لكن العدد الحالي هو 13 توربينًا، وكانت الدراسة قد أشارت إلى أن مشروع السد يتضمن محطتين لتوليد الطاقة الكهرومائية، يقدر الإنتاج السنوي المحتمل لهما بـ15 جيجاوات ساعة. 

ويوافقه الرأي بيتر رياض، الأستاذ في قسم الري والهيدروليكا بكلية الهندسة بجامعة عين شمس؛ إذ يقول لـ”للعلم”: إن الدراسة قامت على افتراضات نظرية، مثل افتراض أن عملية التعبئة ستتم في غضون ثلاث سنوات، وهو مقترح لم تقترحه حتى إثيوبيا نفسها.

يرد المؤلف المشارك في الدراسة، أبو طالب زكي، على الانتقادات التي وُجِّهت إلى الورقة، بقوله: إن الدراسة بالفعل اعتمدت على بيانات صادرة عن دراسات سابقة؛ لأنها مراجعة بحثية، يقوم النموذج الذي تقدمه على مدخلات، منها السيناريوهات التي طرحها باحثون سابقون، لكنها ليست دراسات نظرية، بل هي دراسات قائمة على قياسات حقلية ونمذجة عالية الدقة للارتفاعات الرقمية، استعان فيها الباحثون بتقنيات حديثة ودقيقة.

ويلفت أبو طالب إلى أن التبخُّر ليس من مدخلات النموذج، كما أن عدد التوربينات نفسه سواء كان 13 أو 16 لا يؤثر في النتائج؛ لأنها اهتمت بحجم التدفق بغض النظر عن عدد التوربينات، ويسوِّغ الباحث عدم دقة البيان الخاص بعدد التوربينات بأن الدراسة ذكرت العدد وفق بيانات الشركة المنفذة للمشروع في أثناء فترة إعدادها التي قاربت ثلاث سنوات. 

وفي حين ذكرت الدراسة أن مصر تستورد حاليًّا حوالي 50 جيجاوات/ساعة من الكهرباء، إلا أن إحصاءات وزارة الكهرباء والطاقة المصرية تفيد بأن مصر حققت فائضًا في إنتاج الكهرباء يفوق احتياجات الاستهلاك المحلي بأكثر من 25٪، ووفق أبو طالب، فإنه يعتقد عدم دقة الرقم المذكور في الدراسة، مشددًا على أنه سيُعاد النظر فيه وتعديله.

كما يعترض “شراقي” على تقديرات تغذية خزان الحجر الرملي النوبي التي تقول الدراسة إنها تتجدد سنويًّا من بحيرة ناصر بحوالي 6 مليارات متر مكعب سنويًّا، وسوف تنخفض إلى 0.7 مليار متر مكعب إذا انخفض مستوى البحيرة إلى 170 مترًا فوق مستوى سطح البحر، لكن “أبو طالب” يوضح أن الدراسة تناولت نمذجة البحيرة كلها وليس قياس نقطة واحدة فقط عند توشكى على سبيل المثال، وبالتالي تتفاوت كمية التغذية من نقطة إلى أخرى وفق طبوغرافية البحيرة. 

واعتمدت الدراسة في قياسات طبوغرافية البحيرة (تضاريس القاع) على نتائج دراسة سابقة اعتمدت على تقنيات الاستشعار عن بُعد ونظم المعلومات الجغرافية لتحليل نماذج الارتفاع الرقمية للبحيرة ومعرفة إمكانيات الشحن عند كل نقطة منها.

أما الاعتراض الأبرز على الدراسة، فكان عدم إدخال مياه بحيرة السد العالي (بحيرة ناصر) في النموذج، ويوضح “زكي” أن النموذج تعمَّد عدم ذكر بحيرة ناصر أو الخزان الجوفي؛ لكونهما احتياطي مصر القيم من المياه، مشيرًا إلى أن الدراسة قامت على افتراض تقييم الآثار السلبية للسد في حالة عدم اتخاذ مصر أي إجراءات للتخفيف، ومن بينها الاستعانة بمياه البحيرة، كما كان تركيز البحث على مياه النيل فقط، دون التعرُّض لاحتياطات مصر المائية. 

جهود التخفيف 

يتحفظ “دي جيسن” على التعليق على تدابير التخفيف المقترحة، التي يصفها بأنها “تحليل للسياسة الاقتصادية أكثر منها هيدرولوجية”، على سبيل المثال، تقترح الدراسة أنه ليس من الممكن تحسين كفاءة الري بشكلٍ كافٍ في غضون مهلة قصيرة، وهذا اعتبار مالي وسياسي أكثر من اعتباره تقنيًّا، لذا فإن هذه الاعتبارات تقع في مجال التمويل والسياسة أكثر من مجال الهندسة، وفق رأيه.

ويرى معدُّو الدراسة أن سد النهضة ليس شرًّا محضًا بالنسبة لمصر، بل يُسهم في خفض كمية الطمي أمام السد (الإطماء) وبالتالي يساعد على إطالة عمره، وأن مصر بإمكانها التخفيف من الآثار السلبية لسيناريوهات الملء المختلفة، من خلال تعويض الفاقد من مياه بحيرة ناصر وتقليل كمية التبخر من البحيرة عن طريق الحلول الهندسية الممكنة.

ويقول أبو طالب زكي: إن أحد الحلول التي تقترحها الدراسة كذلك هو تعظيم استخراج المياه الجوفية الموجودة بالفعل في الدلتا، لكنه يشير إلى أن هذا ستكون له آثار بيئية ضارة على المدى الطويل، وقد تتسبب في تلوث الخزان الجوفي، ويلفت إلى ضرورة تعديل الخريطة المحصولية في مصر، وتقليل زراعة محاصيل شرهة للمياه، مثل الأرز وقصب السكر. 

وتؤكد دراسة سابقة -أعدها الباحث أسامة سلام، ونُشرت في دورية “أمريكان جورنال أوف إنجنيرينج ريسرش” في أغسطس 2018- ما ذهبت إليه الدراسة الجديدة من حيث أهمية دور المياه الجوفية، خاصةً حوض الحجر الرملي النوبي العميق، في توفير كميات جيدة من المياه لمصر.

وتشير البيانات الرسمية على مدار السنوات الثلاث الأخيرة إلى توجه الحكومة المصرية نحو جهود التخفيف التي ذكرتها الدراسة، مثل تقليل مساحات المزروعات المستهلكة للمياه، وتحديث نظم الري، فضلًا عن مشروعات تحلية المياه التي تنفذ منها وزارة الإسكان 14 محطةً لتحلية مياه البحر، بطاقة إجمالية 476 ألف م3/يوم، وبتكلفة تقدر بـ9.71 مليارات جنيه، وفق تصريح لوزير الإسكان عاصم الجزار في 3 مايو، ومن المقرر الانتهاء من هذه المحطات في 30 يونيو 2022. 

وتقوم إستراتيجية وزارة الري المعلنة لمواجهة مشكلة نقص المياه على أربعة محاور رئيسية، هي تنمية الموارد المائية، وترشيد الاستخدامات، وتنقية المياه والمحافظة عليها من التلوث، وتهيئة البيئة المناسبة لتنفيذ هذه الإستراتيجية، وفق تصريح لرجب عبد العظيم، وكيل وزارة الري والموارد المائية والمسؤول عن مكتب الوزير.

 

*صحفي مهتم بالشؤون البيئية وعلوم الأرض؛ عضو نقابة الصحفيين المصرية؛ وحاصل على ماجستير في الجغرافيا البشرية من جامعة المنصورة، وزمالة في الصحافة البيئية من جامعة «رود أيلاند» الأمريكية. حاصل على المرتبة الأولى في جائزة العين المفتوحة “Open Eye Award” في صحافة المياه في العام ٢٠٢٠.

*بالتزامن مع موقع “للعلم” 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى