من هنا نبدأ

حزب الله في موسكو: أبعد من لبنان وحكومته “الكونية “

ليس المهم ما سيسمعه الروس من محمد رعد..المهم ما سيطرحه الروس على محمد رعد

كتب واصف عواضة

 

يسافرالى موسكو الإثنين ،وفد من حزب الله برئاسة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بدعوة من القيادة الروسية.

الخبر حتى الآن ملفت الانتباه على قلة حج الحزب الى موسكو. لكن وسائل الاعلام ووسائط التواصل الاجتماعي في لبنان والخارج اجتهدت في تحليل هذا الخبر ،خاصة تلك التي يطمح أو يضرع اصحابها بأن تكون نهاية الحزب قريبة، لما يشكله من ازعاج لسياستهم في المجالات المحلية والاقليمية والدولية .

البعض رأى أن هذا “الإستدعاء” على علاقة بواقع لبنان وحكومته الكونية ،على اساس ان الحزب يعرقل تشكيل الحكومة ،وان الروس سيضغطون عليه لتسهيل مهمة الرئيس المكلف سعد الحريري الذي اجتمع بوزير الخارجية الروسي في أبو ظبي قبل أيام.

والبعض الآخر ذهب أبعد من ذلك ،فرأى ان الروس سيجبرون الحزب على إخلاء الساحات العربية والعودة الى التقوقع في لبنان،خاصة من الساحة السورية حيث تعمل موسكو على تسوية الأزمة .

ثمة من يعتقد ايضا ان الروس سينقلون للحزب حجم المخاطر التي ستترتب عليه وعلى لبنان في حال استمراره في سياسته الراهنة ،وسوف ينتزعون منه ضمانات بعدم مهاجمة اسرائيل ،من اجل تسهيل التسوية في المنطقة.

كلام كثير قيل وكتب خلال الأيام الماضية ،وكثيرة هي التحليلات المتصلة بدعوة الحزب الى موسكو،لكن التحليل المنطقي المستند الى بعض المعلومات المتوفرة والى الحركة التي شهدتها المنطقة في الفترة الاخيرة ،تنم عن حقيقة واضحة ،وهي ان موسكو تقوم بدور متقدم لتسوية الصراعات الحاصلة ،وهي تتحرك حيث لا يستطيع الآخرون التحرك بحرية،خاصة الاميركيون الذين يلعبون دور الطرف في هذه الصراعات وليس دور الوسيط الذي يقوم به الروس. ولأن حزب الله طرف رئيسي في هذه الصراعات ،يصبح الحديث معه أكثر من طبيعي،وهذا يدلل على أن الحزب ليس مجرد ورقة في يد ايران كما يدّعي الكثيرون.

خلال الاسبوع المنصرم زار وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الامارات العربية والمملكة السعودية واجتمع بكبار المسؤولين في البلدين،والتقى في موسكو وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف ووزير الخارجية التركية ،واجتمع بالرئيس سعد الحريري في ابوظبي. وقد شملت محادثاته أزمات سوريا واليمن والاتفاق النووي ولبنان،وكلها مواضيع ساخنة يفترض ايجاد معالجات لها. وواهم من يعتقد ان الروس يتحركون بمعزل عن الاميركيين ،بل بالتنسيق معهم ،لأنهم يعرفون جيدا تعقيدات المنطقة والدور الاميركي في صراعاتها. وإلا تكون موسكو كمن يفلح في صحراء قاحلة.

ومن نافلة القول إن حزب الله معني مباشرة بهذه الصراعات،وأن المنطقة على أبواب متغيرات جديدة مع المتغير الاميركي الذي حمل الادارة الديموقراطية الى البيت الابيض بقيادة جو بايدن. ومن الطبيعي ان تستمع القيادة الروسية الى رأي الحزب في هذه المجالات ،بعيدا عن تحالفه المتكامل مع الجمهورية الاسلامية،لا سيما في ما يتعلق بدوره في سوريا وصراعه المباشر مع الكيان الصهيوني وهو على خط تماس ساخن مع الدولة العبرية .ولو كان الامر متعلقا بتشكيل الحكومة اللبنانية فقط كما يرى البعض،لكانت موسكو اكتفت بالتواصل مع الحزب من خلال سفيرها في بيروت .

ثمة من يراهن على أن حزب الله سيكون “كبش الفداء” للتفاهم على الاتفاق النووي الإيراني،وأن الإيرانيين سوف يضحون بذراعهم القوية في المنطقة من أجل مصالحهم الذاتية.لكن ليس لدى الحزب ما يخشاه من هذه الناحية .والذين يعرفون عمق العلاقة بين ايران والحزب ،يؤكدون أن الجمهورية الإسلامية إنما تضحي بنفسها وبعقيدتها وبدورها عندما تضحي بالحزب،وهذا ما لم ولن يحصل،ولن يكون في النهاية الا ما يرضى به الحزب نفسه.

         ليس المهم ما سيسمعه الروس من النائب محمد رعد بهدوئه المعهود وطول أناته،بل الأهم ما ستطرحه القيادة الروسية على الحزب.فمواقف الحزب من القضايا المطروحة معروفة ،وهي لن تخرج عن مواقف الأمين العام السيد حسن نصر الله في خطبه الدورية،ولاشك أن الروس يحفظونها عن ظهر قلب.وبالتأكيد أن لدى الروس “جديدا ما” استوجب دعوة الحزب الى موسكو،خاصة في مجال الوضع السوري الذي وضع على نار حامية،وقد يكون ذلك رسائل حملها لافروف من بعض الذين التقاهم أخيرا ،خاصة في الخليج العربي.وهنا قد لا يكون محمد رعد حاسما في الإجابات إذا كانت هذه الرسائل تحمل جديدا على جانب كبير من الأهمية،باعتبارأن ذلك يستدعي مشاورات مع القيادة في بيروت ومع الحلفاء والأصدقاء.

       لن يغيب لبنان طبعا عن محادثات الحزب في موسكو،باعتبار أن استقرار لبنان جزء من الاستقرار الذي يسعى إليه الروس في المنطقة،ليس لأن لبنان بلا حكومة ،ولا لأن الدولار اخترق كل الأسقف العالية وشعبه يجوع شيئا فشيئا،ولا لأن بلدنا مهدد بالعتمة كما وعد وزير الطاقة..فقط لأن لبنان على حدود “إسرائيل”،ولأن حزب الله يربض على هذه الحدود،ولأن أي حرب جديدة مع الكيان الصهيوني تهدد التحرك الروسي في المنطقة برمته.أما الموضوع الحكومي في لبنان فقد لا يكون كافيا الحديث فيه مع الحزب ،بل يتطلب كلاما روسيا مع رئس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر،وليس مستبعدا في هذا الإطار دعوة جبران باسيل الى موسكو في المرحلة المقبلة.

    

     في الخلاصة لا يجب البناء كثيرا على الحركة الروسية تجاه لبنان والمنطقة ،إلا إذا كان الأميركيون قد أعطوا الضوء الأخضر فعليا لموسكو للقيام بهذا الدور وليس مجرد الموافقة الشكلية بانتظار ترتيب الأوراق الأميركية بالكامل.وعليه ربما يحمل محمد رعد الخبر اليقين من موسكو من خلال الرسائل التي ستوضع بين يديه ،وإن غدا لناظره قريب.

ويبقى السؤال:ما هي فائدة الروس من كل هذا التحرك والنشاط الواضح؟

      بالتأكيد ليسـت روسيا جمعية خيرية في لعبة الكبار ،وليس خافيا على أحد أن للروس مصالح في المنطقة،وقد بات لهم شركاء وحلفاء أقوياء أثبتوا مناعتهم وصلابتهم في وجه الآخرين ،وبالتأكيد لن يخرجوا بخفّي حُنين..وللحديث تتمة. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى