حروبسياسة

واشنطن تضيّق الخناق على نتنياهو رغم تشددها في محاربة حماس(حلمي موسى)

 

كتب حلمي موسى من غزة:

ضجت وسائل الإعلام الاسرائيلية في اليومين الأخيرين بتقارير عن تردي العلاقات بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو. وبديهي أنه كان لحرب غزة دور مركزي في هذا التدهور، سواء لجهة حجم الوحشية التي أبدتها إسرائيل في تعاملها مع المدنيين الفلسطينيين، أو عناد حكومة نتنياهو ورفضها التفكير بمخرج لإنهاء الصراع على أساس حل الدولتين.

 وقد بلغت هذه الضجة ذروتها في كشف موقع “بوليتيكو” الأمريكي النقاب عن أن بايدن وصف نتنياهو بأنه “رجل سيء حقا”. واستمرت الضجة بأشكال أخرى رغم نفي البيت الأبيض للخبر بسبب تكرار صدور الملاحظات الأمريكية السيئة عن أداء نتنياهو وحكومته، وبسبب زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنطونب بلينكن للمنطقة، وإعلانه السعي لتنفيذ مقترح باريس لتبادل الأسرى.

ونقل موقع “بوليتيكو” الإلكتروني عن بايدن قوله إن نتنياهو رجل سيء. وزعم المتحدث باسم بايدن أن الكلمات لم تُقل وأن بين الزعيمين “علاقة محترمة تمتد لعقود من الزمن”.  ونشر موقع “بوليتيكو” قبل يومين ادعاءً مفاده أن الرئيس بايدن وصف بنيامين نتنياهو في دوائره الداخلية بأنه “رجل سيء في البرية”.

في مقالته، كتب جوناثان مارتن: “الديمقراطيون الشباب يرون أن دعم الولايات المتحدة لحرب نتنياهو غير مقبول، وقد يكلف الرئيس ملايين الأصوات الليبرالية”. وعن الرئيس نفسه يقول: «مثل كل من في الإدارة، ومثل كل ديمقراطي ذي نبض، يكشف عن شعوره بارتياب عميق تجاه نتنياهو». ووفق مارتن، فقد قال بايدن عبارة “الرجل السيئ” “بحسب الأشخاص الذين تحدثوا إلى الرئيس”.  

ووفقا لكاتب المقال، فإن القلق الرئيسي لبايدن هو أن نتنياهو يسعى إلى جر الولايات المتحدة إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط، ما سيضمن تدفق الأسلحة والجنود الأمريكيين. إن رغبة نتنياهو في إنهاء الحرب في غزة ستتبدد، مع تراجع الضغوط السياسية الداخلية على رئيس الوزراء. ووفقا للتعليق، فإن الرئيس لن يعترف بهذه الكلمات علانية، لكنه بدأ يظهر علامات على أنه يستمع إلى شكاوى النشطاء المؤيدين للفلسطينيين. ومن أمثلة ذلك الأمر الرئاسي الذي أصدره ضد المستوطنين الذين ارتكبوا أعمال عنف ضد الفلسطينيين، وتصريحه بأنه يصلي من أجل سلامة “المحتجزين كرهائن تحت القنابل، والذين شردوا من منازلهم”.

وينقل كاتب المقال عن سياسيين ديمقراطيين آخرين، من أشد المؤيدين لإسرائيل، على حد قوله، قولهم إن هناك إجماعاً واسعاً في الحزب على ضرورة وقف إسرائيل للحرب في غزة فوراً، وذلك من وجهة نظر الحزب الديمقراطي.. هذه “كارثة سياسية”.

وزاد الطين بلة زعيم منظمة “عوتسما يهوديت”، وزير الأمن القومي إيتامار بن جفير، الذي لم يتراجع عن كلام قاله في مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال” ، وهو الكلام الذي أثار ضجة كبيرة. وفي المقابلة أبدى بن جفير جحودا لدعم أمريكا لإسرائيل ولم ير سوى أنها تضغط من أجل تسهيل وصول المعونات الإنسانية للمحاصرين في القطاع. وقال بن جفير إنه “بدلاً من أن يقدم لنا الدعم الكامل، فهو (بايدن) مشغول بتقديم المساعدات الإنسانية والوقود لغزة ، والتي تذهب إلى حماس. لو كان ترامب في السلطة لكان سلوك الولايات المتحدة مختلفا تماما”.

وفي المقابلة، ادعى وزير الأمن القومي، الذي سبق أن أدان كبار المسؤولين في الإدارة تصريحاته، أنه يعتقد أن إدارة بايدن “تضر بالمجهود الحربي الإسرائيلي”، وأنه يعتقد أن ترامب سيسمح بـ “يد أكثر حرية” لقمع إسرائيل لحماس.

وفي بداية جلسة مجلس الوزراء أمس، انتقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضمنا المقابلة التي أجراها بن جفير، دون تسمية الوزير. وقال نتنياهو “إننا نقدر كثيرا الدعم الذي تلقيناه من إدارة بايدن منذ اندلاع الحرب. وهذا لا يعني أنه ليست لدينا اختلافات في الرأي، ولكن حتى الآن تمكنّا من التغلب عليها بتصميم ومدروس. إنني لا أحتاج إلى مساعدة لكي أعرف كيف نتعامل مع علاقاتنا مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، في حين نتمسك بثبات بمصالحنا الوطنية. فنحن نتخذ قراراتنا بأنفسنا، حتى في تلك الحالات التي لا نتوصل فيها إلى اتفاق مع أصدقائنا الأميركيين. “

وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض ردا على مقابلة بن جفير إن “الموقف الأمريكي واضح: نحن لا نزال ملتزمين بدعم إسرائيل في حربها ضد حماس، بينما نطالبها ببذل كل ما في وسعها لمنع خسائر المدنيين”.

وفي مقابلة مع شبكة “سي بي إس” وبخ مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بن جفير قائلا: “سأدع الحكومة الإسرائيلية والسياسيين الإسرائيليين يتحدثون عن أنفسهم، فمن المؤكد أنهم لا يجدون صعوبة في القيام بذلك”.

غير أن قصة أمريكا ليست فقط مع بن جفير. فهناك أيضا رئيس الصهيونية الدينية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي لا يختلف بحال عن بن جفير وينافسه في التطرف. وقد هاجم سموتريتس، أمس الاثنين قرار إدارة بايدن فرض العقوبات الأمريكية على أربعة مستوطنين إسرائيليين متورطين في أنشطة عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وقال: “تسجل الولايات المتحدة أكثر من نصف مليون من الإسرائيليين كأعداء”. وأضاف: “في الأسبوع الماضي، قررت إدارة بايدن، كسابقة، فرض عقوبات صارمة على مواطني دولة إسرائيل كجزء من حملة كاذبة ومعادية للسامية تقودها عناصر حركة المقاطعة وأعداء إسرائيل لـعنف المستوطنين‘”. وأضافت وزارة المالية: “إن الإدارة تتخذ الخطوات التي يتم اتخاذها عادة ضد الإرهابيين والمنظمات الإرهابية، وتوبخ أكثر من نصف مليون مواطن إسرائيلي ملتزمين بالقانون، والذين هم هذه الأيام في طليعة الحرب على الإرهاب ويدفعون، جنبًا إلى جنب مع المجتمع الإسرائيلي، ثمن لحياتهم لا يمكن تصوره”.

ووفقا له، “لا يمكن لدولة إسرائيل أن تكمل من دون ان تقف ضد تصرفات الإدارة الأمريكية التي تعتبر أكثر من نصف مليون من سكان إسرائيل أعداء بدلا من الأصدقاء والحلفاء. ولا يمكن لمواطن إسرائيلي لديه أموال إسرائيلية أن يعيش في دولة إسرائيلية”.. “سيتم حرمان بنك إسرائيلي من حقوقه وأصوله بموجب أمر أمريكي. وأنا في محادثة مع المشرف على البنوك، والنتيجة واضحة  لا ينبغي السماح بمثل هذا الواقع”.

وهكذا بعد مقابلة بن جفير، والعقوبات من واشنطن التي يحاول وزير المالية التحايل عليها،فإن الصفة التي أطلقها بايدن على نتنياهو بوضوح تشيرإلى أن الطرفين على طريق تصادم. ونتنياهو يعرف قدرة أمريكا على لعب دور في الحياة العامة الإسرائيلية إذا ما أرادت ذلك من خلال ما تملك من أدوات ضغط. وسبق لأمريكا أن منعت نتنياهو من تعيين سموتريتش وزيرا للدفاع عند تشكيل حكومته وكانت وراء انضمام غانتس وآيزنكوت إلى حكومة الحرب. وليس صدفة أن “نيويورك تايمز” نشرت اليوم أربعة سيناريوهات للإطاحة بنتنياهو في الظروف الحالية. في كل حال باتت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في ظل الحرب على غزة موضع مراجعة وتدقيق بعد أن تحولت أمريكا إلى “بيبي سيتر” لنتنياهو وحامية لإسرائيل. لكن أمريكا الواعية لمخططات نتنياهو لتوريطها في حرب إقليمية تحاول قدر الإمكان عدم الوقوع في الفخ.

وما زيارة بلينكن هذه المرة إلا حلقة في سلسة ضغوط أمريكية على إسرائيل لتغيير موقفها من “اليوم اتالي” وحل الدولتين. وإذا لم يكن الضغط الأمريكي المباشر كافيا فاستمعوا إلى تصريحات رؤساء حكومات بريطانيا وكندا واستراليا ومستشار ألمانيا حول حل الدولتين، لتعلموا أن أمريكا تضيق الخناق هذه المرة على نتنياهو رغم استمرار تشددها في محاربة حماس.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى