سياسةصحفمحليات لبنانية

المرشّح الثالث: مأزق يخلف المأزق

 

الحوارنيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتب نقولا ناصيف في صحيفة الأخبار يقول:

 

اخيراً استراح اللبنانيون من ضجيج المبادرتين الفرنسية والقطرية. كأن الموفدين الزائرين لم يأتيا ولم يغادرا، ما خلا انهما خلّفا وراءهما لغماً يتلهى الاستحقاق به بعض الوقت: المرشح الثالث. الصائب في ما تلى الاسابيع المنصرمة في زيارة الموفديْن ان انتخاب الرئيس لا يزال مفقوداً

 

بانحسار موجة الاهتمام بالمبادرة القطرية، بعد المبادرة الفرنسية، يعود انتخاب الرئيس الى حيث كان. عالق بين تصلّب الفريقيْن المتناحريْن، مشوب بالغموض والضبابية، حائلاً دون مقدرة اي احد على الجزم سلفاً بما سيؤول اليه. سيبقى يدور من حول نفسه ليس الا في انتظار حدث ما.

مع ذلك، ثمة ما تحرّك فيه دونما ان يمنحه آمالاً وفرصاً ايجابية مؤكدة. التطور المستجد، مع انه حديث قديم لدى افرقاء في الداخل لم يثمر مرة، ان يتقاطع الخارج المعني حول فكرة ان المرشح الثالث كفيل بإخراج انتخاب الرئيس من مأزقه. التقى الموفدان الفرنسي جان ايف لودريان والقطري جاسم بن فهد آل ثاني عليها دونما ان يفصح اي منهما عن المرشح الثالث الذي يقصده او يسميه. اجتمعا على ان استمرار السجال بين مَن يصر على انتخاب الوزير السابق سليمان فرنجية ومَن يصر على رفضه لن يفضي سوى الى اطالة اجل الشغور الرئاسي بلا حلول. بيد ان بلوغ الزائريْن الفرنسي والقطري هذا الاستنتاج اتى من طريقيْن مختلفين انتهيا الى محطة وصول واحدة. كلاهما اظهرا من خلال اقتراحهما المرشح الثالث التراجع عن مرشح كل منهما كانا يدعمانه: لودريان متحمس لفرنجية على انه شرط لتسهيل انتخاب الثنائي الشيعي رئيساً للجمهورية، وآل ثاني متحمس لقائد الجيش العماد جوزف عون على انه افضل الخيارات انسجاماً مع السيرة التاريخية المواكبة لترشيح قائد الجيش على مر العهود انه على رأس مؤسسة موثوق بها غير منحازة.

مع ذلك اصطدمت مبادرتاهما بأكثر من تحفظ في الاتصالات واللقاءات التي اجرياها تباعاً مع الافرقاء المعنيين، من وفرة التفسيرات المختلفة والمتناقضة لما رميا اليه والمواصفات التي توخياها كي يؤتى بمرشح ثالث ليس سوى مأزق سيخلف المأزق:
اولها، احراج لودريان الثنائي الشيعي بتخليه عن فرنجية فيما كان في ما مضى اكثر المسوِّقين لانتخابه. ضاعف في احراجه تلميحه الى ضرورة تجاوز جلسة 14 حزيران بمرشحيْها فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور بغية التوافق على مرشح ثالث اتاح الاعتقاد بأنه يلمّح الى قائد الجيش. اقوى المرشحين المحتملين الباقين والاكثر قدرة على استقطاب دولي من حوله رغم الانقسام الداخلي عليه: بين مَن يرفضه كرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ومَن يتجنب التحدث عنه ويتمسك بمرشحه كالثنائي الشيعي، ومَن يعلن استعداده لانتخابه كحزب القوات اللبنانية ونواب مستقلين. في نهاية المطاف من دون حزب الله وحركة امل، يصيب ترشيح عون ما يصيب ترشيح فرنجية من المقلب الآخر. كلاهما الى الآن عاجزان عن احضار ثلثي النواب على الاقل الى جلسة انتخاب احدهما. الاصح ان يقال ايضاً انهما عاجزان عن احضار الطوائف كلها الى انتخاب اي منهما.
ثانيٍها، الدور المتناقض الذي يضطلع به الوسيط القطري. تكمن مشكلته في انه يتحدث مع ايران وحزب الله من دون ان يكون قريباً من فرنجية او مؤيداً له، وفي الوقت نفسه على عداء مكشوف مع سوريا حليفتهما. تالياً اختار سلفاً مرشحه الذي هو قائد الجيش من غير تمكنه لاحقاً من اقناع حزب الله بالاستغناء عن ترشيح فرنجية. لم تقل قطر مرة انها مع اي مرشح، الا ان دعمها انتخاب عون اضحى صنو دوافع تحرّكها في مجموعة الدول الخمس وفي لبنان. مع ذلك تحدثت عن مرشح ثالث. فَهِم حزب الله من آل ثاني التخلص من فرنجية وعون معاً، وفَهمِ الثنائي المسيحي منه التخلص من فرنجيه وازعور. اظهر الموفد القطري في نهاية المطاف مهمته مطابقة لنظيره الفرنسي: كلاهما يبحث عن دور ونفوذ ولا يملك مشروعاً.

ترويج الموفديْن الفرنسي والقطري لمرشح ثالث اظهر تخلي كل منهما عن مرشحه

ثالثها، تكشّف احجام الادوار التي تضطلع الدول الخمس في لبنان وفي الاستحقاق الرئاسي بالذات. بينما يقتصر الدوْران الفرنسي والقطري على انهما مؤثران اكثر منهما فاعليْن، فإن الدوْرين الآخريْن الاميركي والسعودي يتمايزان بمقاربتين مختلفتين: الاول يقول ما لا يريده في انتخاب الرئيس دونما الكشف عما يريده فعلاً منه، ويتصرف حياله بلامبالاة بتفويض المهمات موقتاً الى سواه الى ان يحين أوان الحلول. لم يخفَ على احد تحمّسه لانتخاب قائد الجيش. في الوقت نفسه يقرّ الاميركيون بالنفوذ المتشعب والواسع لحزب الله في الدولة والشارع في معادلة الاستقرار او الفوضى في لبنان دونما الاعتراف علناً به. ذلك ما يحمل عائدين من واشنطن على القول ان لا ملف يدعى لبنان على طاولة اي من المسؤولين الاميركيين الكبار او المعنيين.
على طرف نقيض منه يتصرف الثاني. اخيراً منذ اجتماع 14 ايلول في سفارتها في بيروت، بدأت السعودية تعبّر عن اهتمامها بلبنان بلا افراط او مغالاة. رغم المواقف المعلنة سابقاً التي عبّرت فيها الرياض عن ادارتها الظهر لانتخاب الرئيس، كانت على الدوام معنية به ومحط تشاور واستقطاب افرقاء لبنانيين وخارجيين. لم يكن خافياً ان الورقة الفعلية التي تمسك بها كانت بين يديها على الدوام من دون ان ترسل اشارات الى استعمالها. اعطت دليلاً بذلك عند إحجام النواب السنّة عن التصويت لأازعور في جلسة 14 حزيران المفترض انه منافس فرنجية مرشح الثنائي الشيعي. بيد ان احداً لم يسعه في اي وقت انكار حقيقة معروفة هي ان المملكة صاحبة الصوت السنّي اللبناني ومرجعيته التي يختلط الديني فيها بالسياسي. كانت كذلك على مر عقود قبل الرئيس رفيق الحريري وفي ظله، ثم من بعده مع نجله الرئيس سعد الحريري ومَن خَلَفه، وبعد معاقبته بحمله على الخروج من المعترك السياسي وتحوّله رجل اعمال ليس الا يسدد ديونه لديها.

ليس الاهتمام السعودي، غير الدعائي ولا المنشور على السطوح، سوى جزء من منطق تعيه الرياض تماماً: لبنان مهم لايران مقدار اليمن مهم لها. كلاهما ورقتان تستحقان المجازفة وموقع متقدم في النفوذ الاقليمي وفي داخل ذيْنك البلدين المنهكيْن.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى