سياسةمحليات لبنانية

اللامركزية الادارية بين الحداثة والتقليد: البدائل أصبحت متاحة (عماد عكوش)

 

بقلم الدكتورعماد عكوش – الحوار نيوز

يكثر الحديث اليوم عن اللامركزية الادارية الموسعة. وكان اتفاق الطائف قد تحدث عن هذا الموضوع لتسهيل امور المواطنين وخلق نوعا من التنمية العادلة بين المناطق ،خاصة تلك المناطق البعيدة عن مركز الحكم . كما يكثر الحديث منذ بداية هذا العقد عن الحكومة الالكترونية وعن مزايا هذا النوع من الحكومات وعن كيفية التطبيق وما هي انعكاساتها على الوطن والمواطن .

فماذا تعني اللامركزية الادارية الموسعة ، وماذا تعني الحكومة الالكترونية ، وما هو الرابط بينهما ، وكيف تؤثر الواحدة بالاخرى ؟

وهل نحن في ظل الحوكمة والحكومة الالكترونية بحاجة الى هذا النوع من اللامركزية الموسعة ؟

لقد نص اتفاق الطائف ضمن ورقته الاصلاحية على بعض البنود المتعلقة باللامركزية الادارية وذلك تخفيفا للأعباء على المواطنين، وقد جاءت في بند أصلاحات أخرى ضمن هذه الورقة على الشكل الآتي :

اللامركزیة الإداریة

ـ الدولة اللبنانیة دولة واحدة موحدة ذات سلطة مركزیة قویة .

 ـ توسیع صلاحیات المحافظین والقائمقامین وتمثیـل جمیـع إدارات الدولـة فـي المنـاطق الإداریـة علـى أعلـى مسـتوى ممكن تسهیلاً لخدمة المواطنین وتلبیة لحاجاتهم محلیاً .

ـ إعادة النظر في التقسیم الإداري بما یؤمن الانصهار الوطني وضمن الحفاظ على العیش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات .

ـ اعتمـاد اللامركزیـة الإداریـة الموسـعة علـى مسـتوى الوحـدات الإداریـة الصـغرى (القضـاء ومـا دون) عـن طریـق انتخاب مجلس لكل قضاء یرئسه القائمقام، تأمیناً للمشاركة المحلیة .

ـ اعتماد خطة إنمائیة موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطویر المناطق اللبنانیة وتنمیتها اقتصادیاً واجتماعیاً وتعزیز موارد البلدیات والبلدیات الموحدة والاتحادات البلدیة بالإمكانات المالیة اللازمة.

ما ورد في اتفاق الطائف هل يصلح للتطبيق اليوم بعد هذا التطور الهائل في وسائل التواصل وعالم الكمبيوتر وبروز حكومات جديدة يطلق عليه الحكومات الالكترونية ؟

اللامركزية الموسعة

نشأت اللامركزية الإدارية في الأساس كطريقة لتحقيق التنمية في المناطق البعيدة عن مركز الدولة وكحالة من التوسع في اعتماد الديـمقراطية على الـمستوى الـمحلي ، وهذا يندرج في إطار التنمية السياسية التي هي أحدى أوجه التنمية الشاملة ،وهذا النوع من توزيع السلطة يحتاج الى هيكلية السلطة في الدولة ، وتوزيع الصلاحيات والـمهام بين سلطة مركزية وأجهزة تابعة لـها في الـمناطق الإدارية ، وسلطة مـحلية قائمة في إطار لامركزية إدارية في دولة موحدة .  

يمكن ان يتم أنشاء هذه الوحدات الادارية على مستوى دائرة تضم مجموعة قرى ومدن ، أو على مستوى مناطق اذا كانت الدولة مناطق شاسعة ويفصل بينها مسافات كبيرة ، وبالتالي يحتاج المواطن أو حتى المسؤول الى قطع مسافات كبيرة لأنجاز عمل ما أو متابعة عمل أو مشروع معين .

كما يمكن الاستفادة من هذا النوع من اللامركزية لتعزيز الديمقراطية من خلال انتخاب السلطة المحلية لهذه الادارة وبالتالي سهولة محاسبتها من خلال ناخبيها .

   إذن لجدوى أقامة لامركزية أدارية شروط ومقدمات هامة منها :

– وجود دولة ذات مساحة كبيرة بالحد الادنى بحيث تضعف الادارة المركزية عن متابعة هذا الحجم من الاراضي والمقاطعات .

– عدم القدرة على تقديم الخدمات عبر وسائل أخرى تخفف من التكاليف التي يتكبدها المواطنون لأنجاز معاملاتهم .

– اللامركزية الادارية مصدرها القانون بعكس اللامركزية السياسية اي الفدرالية والتي مصدرها الدستور ، وتقوم على منح الوحدات المنتخبة محليًا والتي تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، صلاحيات إدارية واسعة.

– تقوم اللامركزيّة الإداريّة على انتخاب هيئات محلّية مختلفة تتمتّع بالشخصيّة المعنويّة وبالتالي بالاستقلال المالي والإداري تدير شؤون الوحدة اللامركزية.

هذه الشروط يجب توفرها لنجاح أي مشروع يذهب باتجاه اللامركزية الادارية ، فهل هذه الشروط يمكن تحقيقها في لبنان ؟

بالعودة الى هذه الشروط ومع الشرط الاول وهو وجود دولة كبيرة من حيث المساحة وعدد السكان فإن لبنان يعتبر من أصغر دول العالم ،ويمكن قطع المسافة من أدناه الى أقصاه بأقل من ثلاث ساعات بالسيارة، وبالتالي فإن أنتقال المواطنين ليس بهذه الصعوبة التي كانت موجودة في دول أخرى او لا زالت موجودة .

ان تقدم التكنولوجيا ساعد الكثير من الدول في العالم على خلق ما يسمى بالحكومة الالكترونية وتقديم معظم الخدمات من خلال التطبيقات الحكومية ،وهذا ما يسمى بالحكومة الالكترونية ، فما هي الحكومة الالكترونية؟

الحكومة الإلكترونية هي النسخة الإفتراضية عن الحكومة الحقيقية الكلاسيكية مع فارق أن الاولى تعيش في الشبكات وأنظمة المعلوماتية والتكنولوجيا وتحاكي وظائف الثانية التي تتواجد بشكل مادي في أجهزة الدولة ، ومن أجل التسهيل نقدم تعريفاً آخر بشكل مبسّط : ” الحكومة الإلكترونية تهدف إلى تقديم الخدمات الحكومية على إختلافها عبر الوسائط الإلكترونية وأدوات التكنولوجيا وأهمها الإنترنت والإتصالات “.

وعليه أصبحت الخدمات ممكنة  وفي متناول يد كل المواطنين وفي أماكن تواجدهم، ولكن يحتاج الامر الى قرار سياسي جريء بالبدء بهذه العملية والتي لن تكون كلفتها بالتأكيد موازية لكلفة فتح ادارات جديدة ، أو كما هو حاصل اليوم لجهة انتخاب رئيس للجمهورية، فماذا ستكون نتيجة اضافة انتخابات جديدة للقائمقام او للحاكم الجديد المطلوب لكل مقاطعة وللمجلس الذي سيتولى ادارة هذه المقاطعة ؟.

اذا كانت اللامركزية الادارية الموسعة أصبحت عبئا على كافة دول العالم ،ودول العالم تتجه الى تبني الحكومات الالكترونية لتخفيض هذا العبء، فكيف بنا والبعض يزيد بالحديث عن فدرالية لا تقوم الا بين مناطق وأثنيات وقبائل لا تتشارك في شيء ، فكيف الحال في لبنان حيث اللغة واحدة ، والعادات والتقاليد واحدة ، والمناطق متداخلة والكثير من القرى عبارة عن نموذج مصغر للوطن ؟

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى