ثقافةرأيفي مثل هذا اليوم

مواجهة الاحتراب بحفظ التراث(د.سهيل منيمنة)

 

د. سهيل منيمنة* – الحوارنيوز خاص

 

في مثل هذا اليوم، ١٣ نيسان من كل عام،  نستذكر يوماً أليماً مشؤوماً وما تبعه من نكبات ومآسي قوّضت بنيان الوطن ولا تزال تبعاتها تلاحقنا إلى يومنا هذا. وجاء تفجير مرفأ بيروت الإجرامي الذي خطف من خيرة أبنائها الشهداء والجرحى، وترك المنكوبين بالمئات، لا بل بالآلاف، وحوّل شوارعها العريقة وأبنيتها التراثية إلى ركام وأطلال.

أمام هول ما يجري عمداً لتجريد العاصمة من هويتها التراثية ونسيجها الإجتماعي ضمن خطة شيطانية تسعى في الأرض فساداً منذ ما يقارب الثلاثة عقود، كلنا مدعوون، وأكثر من أي وقت مضى، للتضامن والتلاقي للنهوض بالعاصمة المنكوبة وإعادة الحياة إلى شوارعها وحماية ذاكرتها والحفاظ على تراثها ومشهدية الجمال فيها التي أبهرت السواح والرحالة والعالم أجمع.

علينا أن نعيدها، على هذا البحر المتوسط، جوهرة براقة تضاهي مدن العالم جاذبية.

على أنقاضها، ونحن أبناؤها الأوفياء، تشدّنا هذه المدينة المتأملة فنسرع بالإمساك بأبنائها المفجوعين بيد وبتراثها المدمر باليد الأخرى.

علينا واجب الحفاظ على هذا التراث.

علينا أن نعيد ترميمه وأن نورّثه إلى أبنائنا بنبضه الراعش إرثًا لهم يرثونه ويتوارثوه.

لا يجوز أن ندع تراث بيروت ولبنان يتفتت ويندثر ويغيب في طوايا النسيان.

الإرث الحضاري نتاج خبرات إنسانية تكدّست جيلاً بعد جيل وتكثّفت.

هو تأكيد لهوية ضاربة في الزمن، صامدة بوجه التحولات والأعاصير، واستمرت مدى العصور واقعًا حسيًا تلحظه عيننا وتلمسه يدنا.

ولأن حوار الحضارات لا يقوم بدون حوار التراث ولأن تواصل التنوع الثقافي هو ثروة تحتاج لتنمية مستدامة كي تستمر.

ولأن التراث عامل جذب سياحي وثقافي وأركيولوجي.

لأجل ذلك، هو أيقونة أمس ورفيق حاضر وبداية غد.

هو هويتنا في المستقبل، به نكون أو لا نكون.

واجبنا أن نحافظ على ما تبقى وأن نسترجع البائد، وأن لا نسمح بزوال ما يتهدده الزوال.

فلنكن على حجم الوصية، وعلى مستوى الإعتزاز بما ورثنا.

ولنتحمل مسؤولية إنقاذ تراثنا، سواء كان طبيعيًا في أرضنا أم حرفيًا أم محمية بيئية أم إرثًا شفويًا أم مخطوطًا أم أيقونة أم تحفة أم مسجدًا أم كنيسة أم معبدًا أم خانًا أم سرايا أم مسرحًا أم مدرجًا أم قلعة أم قصرًا أم ناووسًا أم حجرًا محفورًا أم قماشة أم طريقًا أم واحة أم ساحة.

هذا التراث العظيم هو خبز حضارتنا في معجن الإنسانية الجائعة للحياة والسلام.

*رئيس جمعية تراث بيروت.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى