
بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز
أقر مجلس الوزراء مشروع قانون أعادة هيكلة المصارف. وتبقى المشكلة الاساسية والتي لم يعالجها هذا المشروع مشكلة المحاسبة والتدقيق ، فلا محاسبة للمصارف عما اقترفته ما قبل الازمة، اي قبل العام 2019 ، ولا خلال الازمة ، كما لا تدقيق في حسابات هذه المصارف تدقيقا جنائيا لتبيان المخالفات التي وقعت فيها قبل الازمة المصرفية وخلال الازمة المصرفية ، بل لتكافئ هذه المصارف وفق مشروع القانون عبر منح الصلاحيات ذاتها للمؤسسات نفسها التي شاركت في ارتكاب الجريمة.
القانون الذي تم اقراره في مجلس الوزراء يسعى إلى وضع إطار قانوني لإصلاح القطاع المصرفي المتعثر، من خلال تصنيف المصارف بين قابلة للاستمرار وغير قابلة، وتحديد آليات الفصل بينها، مع وعود بحماية صغار المودعين وإعادة الثقة بالقطاع المالي. كما ينص على إنشاء لجنة خاصة لإدارة هذه العملية، تحت إشراف مصرف لبنان، وهذا يعني انه لا تغيير جوهريا في الادارة السابقة، وهي التي تسببت بفشل النظام المصرفي سابقا وأفشاله .
حتى نكون موضوعيين هناك بعض النقاط الايجابية التي يمكن الركون اليها ومنها :
تصنيف المصارف وفق قدرتها على الاستمرار.
إعطاء الأولوية لصغار المودعين.
إنشاء آلية لفصل الأصول السامة.
محاولة إعادة رسملة المصارف عبر مساهمة من الدولة والمصرف المركزي.
لكن ما الذي لم يُذكر؟
لم يتطرّق القانون بوضوح إلى مصير كبار المودعين وأموالهم التي استُخدمت في تمويل الدولة.
لم يلحظ أي آلية لمحاسبة المجالس التي تسببت في الانهيار.
لم يُطرح أي إجراء عملي لإعادة بناء الثقة بالمصارف.
لا ذكر لآلية واضحة لتوزيع الخسائر بشكل عادل وشفاف.
غياب أي دور فعلي للمودعين أو المجتمع المدني في الرقابة أو التخطيط.
تعيين خبراء التقييم من قبل مصرف لبنان او المصرف المعني وهذا يترك مجالا للشك بنوعية التقارير .
المفارقة أن القانون يعيد منح مصرف لبنان المتهم الأول في سوء إدارة السياسة النقدية والمالية، دورًا محوريًا في الإشراف على إعادة الهيكلة ، دون ان يصاحبها تعديلات في قانون النقد والتسليف، والذي يكرس صلاحيات واسعة دون حدود للحاكم وللمجلس المركزي لمصرف لبنان . هذه الخطوة لا تنم عن إصلاح ، بل عن محاولة لتغطية آثار الجريمة بتشريع جديد يكرّس الإفلات من العقاب ، ويعيد تدوير الطبقة المالية والسياسية المتورطة.
لا بد لمعالجة هذه الثغرات الكثيرة ان يتم معالجة النقاط التالية :
إنشاء هيئة مستقلة لإدارة إعادة الهيكلة ، خارج هيمنة مصرف لبنان والسلطة السياسية.
إقرار قانون واضح لتوزيع الخسائر، يحمّل الدولة والمصارف المسؤولية أولًا.
خطة شاملة لضمان حقوق المودعين، تُنفذ تحت إشراف لجان مستقلة ونزيهة .
تعزيز الشفافية من خلال نشر تقارير دورية عن مسار الإصلاح.
استقلالية عمل اللجان الممكن تشكيلها بعيدا عن سلطة الحكومة ومصرف لبنان والمصارف التجارية . فبالنسبة للمودعين هؤلاء الاطراف الثلاثة هم خصومهم ، وهذا الامر نصت عليه المادة 12 من القانون 2/67 .
عدم فك الارتباط بين مصرف لبنان والمصارف التجارية اتجاه المودعين ، فأموال المودعين مسؤولية المصارف ، ومن ناحية أخرى مسؤولية مصرف لبنان الذي هدر هذه الودائع ، ومسؤولية الدولة اللبنانية بموجب المادة 113 من قانون النقد والتسليف والتي تلزم الدولة تغطية اي عجز يحصل لدى مصرف لبنان .
التدقيق الجنائي بما جرى في حسابات المصارف بدءا من ثمانية عشرة شهرا ما قبل التوقف عن الدفع وفق ما نصت عليه المادة 13 من القانون رقم 2/67 اي منذ بداية العام 2018 ، لمعرفة كيف تم تهريب الودائع ، وهل حصل تخل عن بعض موجودات المصارف بالقيمة العادلة أم جرى تهريبها عبر بيعها دفتريا باسعار زهيدة.
الاخذ بعين الاعتبار ما نص عليه التعميم 154 الخاص بالقرار الاساسي رقم 13262 تاريخ 27 اب 2020 ، ان كان لناحية أعادة جزء من الاموال التي تم تحويلها للخارج سواء كانت لمودعين عاديين او لمودعين معرضين.
ان تكون العقوبات زاجرة بالنسبة للمصارف التي لا تستطيع النهوض وأعادة التفعيل من ناحية ، او لا تقوم بأي خطوة للعمل على تنفيذ خطة العمل والالتزام بالقوانين السارية .
الاخذ بعين الاعتبار التعميم الاساسي رقم 44 الخاص بالقرار الاساسي رقم 6939 تاريخ 25 اذار 1998 لناحية الالتزام بكفاية الرساميل الخاصة لتكون مطابقة لما نصت عليه اتفاقيات بازل .
ان يتم اعداد اليبانات المالية وفق معايير المحاسبة الدولية ولا سيما المعايير 29 والذي يهدف إلى بيان كيفية إعادة عرض القوائم المالية والتقرير عن الأحداث الاقتصادية لمنشأة تعمل في ظل اقتصاد يعاني من ارتفاع مفرط في معدل التضخم ، وبالتالي تمكين مستخدمي القوائم المالية من الحصول على معلومات محاسبية تعكس الظروف الاقتصادية الحقيقية لتلك المصارف العاملة في بيئة تضخمية مفرطة ، والمعيار 31 الذي يؤكد على كيفية تسجيل الادوات المالية والاستثمارات والتوظيفات في السجلات المحاسبية وذلك بعد الاخذ بعين الاعتبار حجم المؤونات المطلوب .
كما لا بد من تعديل بعض القوانين لمنع تكرار الانحرافات، ولضمان حوكمة رشيدة للمصارف وخاصة تعديل بعض مواد قانون النقد والتسليف والتي لا تضع حدودا للسلطة الممنوحة لمصرف لبنان بشخص حاكمه والمجلس المركزي، وبما يتعلق بالمواد التالية :
- ما ورد في المادة 76 بإمكانية الطلب من المصارف ان تودع لديه ودائع ودون تحديد سقف لهذه الودائع .
- ما ورد في المادة 91 والتي تسمح وفي ظروف استثنائية ان يقوم المصرف المركزي بإقراض الدولة دون سقوف ودون شروط ودون حدود واضحة، وليس كما تم ذكره في المادة 94 اي لا يمكن ان تمنح القروض المشار اليها بالمادتين 91و 92 لمدة اطول من عشر سنوات والتي اساسا لم يتم الالتزام بها .
- العمل على وضع حدود للقروض الممكن اعطاؤها للمصارف التجارية وفق ما نصت عليه المادة 99.
- تعديل المادة 110 والتي تسمح للمصرف ببيع وشراء العقارات دون ضوابط في عملية البيع والشراء، وبالتالي الغاء انجاز هذه العمليات بالتراضي ، ووضع حدود قصوى لنسب مساهمة المصرف المركزي في اي شركة او هيئة عامة بحيث لا تتجاوز عشرة بالمئة من رأسمال هذه الشركات او الهيئات .
المشكلة في القانون ايضا انه لم يترافق مع وضع خطة واضحة لاستعادة الودائع ، كما أنه لم يترافق مع اقرار قانون “الكابيتال كونترول” بحجة انه لم يعد لذلك أهمية، وهذا أمر خاطئ ، فحتى لو كانت المصارف اليوم تملك ثلاثة مليارات دولار كسيولة وموجودات، فكيف سنمنعها من التصرف بها والقانون لا يمنعها ، وكيف لن تمارس الاستنسابية والقانون لا يمنعها .
طبعا كلنا أمل بأن تأخذ اللجان النيابية بهذه الملاحظات، علّنا نصلح بعض ما فسد في هذا القانون .