سياسةمحليات لبنانية

مواكبة للثورة الوطنية: النظام التربوي من التبعية الى المواطنة (دراسة علمية)

 

1- مفهوم النظام التربوي:
  مفهوم النظام التربوي هو عبارة عن جُملة من العناصر والعلاقات المنبثقة عن النظم السياسية والاقتصادية والسوسيوثقافية، ويتمثل دورها في بلورة أهداف التربية وغاياتها، وتسيير أمور المدرسة وأدوارها وفقاً لمبادئ تكوين الأفراد المنتمين إليها.
كما يعرّف أيضاً بأنّه مجموعة مترابطة مع بعضها البعض من القواعد والتنظيمات والإجراءات التي تنتهجها دولة ما لتوجيه أمور التعليم وتسيير شؤونها سعياً إلى الارتقاء بالقيم والمبادئ العامة للأمة بما يتماشى مع السياسات التربوية لتعكس الفلسفة بمختلف أشكالها: الفكرية، والاجتماعية، والسياسية في دولة معينة.
لكل دولة من الدّول نظام تربوي يختلف عن الدّول الأخرى، وتتأثر الأنظمة التّربويّة بالحياة السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة تأثرًا واضحًا، وتسعى النّظم الترّبويّة إلى التنميّة البشريّة والنهوض بالأفراد والمجتمعات، وتطوير العمليّة التعليميّة.
  إنّ النظام التربوي يرفع الستار عن الفلسفات التي تُبنى عليها المناهج التربوية، كما يلعب دوراً هاماً كونه وحدة فنية اجتماعية لها استقلاليتها في ممارسة نشاطاتها فيما بينها وبالتالي تُؤطر العملية التعليمية على مختلف المستويات في المنظمة.
فالنّظام التّربوي يجب أن يكون عبارة عن مجموعة من الأسس والقيم والمبادئ والإجراءات التي تتبعها وزارة التّربية في تعليم الجيل الناشئ المبادئ والأخلاق والقوانين التي يجب أن يسيرون عليها، وتُنظم حياتهم وتوصلهم إلى أعلى المستويات في حياتهم العلميّة والعمليّة.

2- أهميّة النّظام التّربوي:
النظام التّربوي هو وسيلة لبناء المجتمعات وتطويرها في كافة المجالات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعية، وهو نظام قابل للتّعديل والتّغيير حسب مُتطلبات العصر وحاجاته، ليتناسب مع المُتغيرات الدّائمة والمستمرة في النّظم والمناهج التعليميّة.
التربية هي أداة للتطوير والتغيير الدائم في المجتمعات، لذلك فهي من أكثر الأنّظمة التي تحتاج إلى التحسين والتعديل إلى الأفضل، لتحقيق الأهداف من العمليّة التربويّة.
النّظام التّربوي هو وسيلة لحل المشاكل التي تُواجه المجتمعات، وإيجاد الحلول المناسبة لها. فهذا النّظام يعكس واقع المجتمعات وأفكارها ومدى تطوّرها ونموها، وتُحدد الأنظمة التّربويّة الرّؤية المستقبليّة للدولة وطموحات أفرادها.
أي عمليّة إصلاح في الدّولة تبدأ بإصلاح النظام الترّبوي وتحسين مخرجاته بما يتوافق مع التنميّة والحداثة. فالنّظام التّربوي يُعزز في أبنائه منظومة القيم الأخلاقيّة والدينيّة والإنسانيّة، ويُنمّي في نفوسهم حب الوطن والانتماء له والمحافظة على مكتسباته ومقدّراته، ويُنمّي قدرات الأفراد الجسميّة والذهنيّة، ويُزودهم بكافّة أنواع المعارف والعلوم المختلفة.

3- خصائص النظام التربوي:
– اقتران النظام التربوي بتحقيق مجموعة من الغايات والأهداف ذات العلاقة بالسياسة التربوية الخاصة بالوطن، ويأتي ذلك كله في ظل فلسفتها التربوية.
– وجود علاقة وثيقة تربط بين الجوانب السوسيوثقافية والنظم التربوية وقيامها.
– احتواء كل نظام تربوي على مجموعة من القواعد والتعليمات التي تهدف إلى تحقيق الأهداف المرجوة منه.
– التعبير عن كافة الآمال والطموحات التي تسعى الأمة إلى تحقيقها وبالتالي تحقيق الرقي والتقدم لأفرادها.
– يهدف النظام التربوي إلى صقل شخصية الفرد والجماعة في آن واحد لتحقيق التنشئة الاجتماعية الناجحة، سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة، وبالتالي فإنّها تحقق للفرد إمكانية التأقلم مع ما يحيط به من بيئة اجتماعية.
–  إكساب الفرد المهارات الأساسية، إذ يساهم النظام التربوي بمنح الفرد واكسابه المهارات الأساسية بالاعتماد على مناهجه وآلياته المستخدمة في المجال المدرسي، ويأتي ذلك في سعي لإمداد الطلبة بالإمكانية التامة على أداء المهارات التي تنفعهم في ممارسة الأنشطة في مختلف مجالات الحياة.
–  تطوير نوعية التعليم والتعلم، حيث يحرص النظام التربوي دائماً إلى الارتقاء بمستويات التعليم وتحسين جودتها بالاعتماد على سلسلة من الإجراءات المتبعة والمرتبطة بالمناهج الدراسية المعطاة للتلاميذ، كما يعمل على تفعيل الدور التربوي بشكلٍ جدّي بواسطة التجديدات التربوية والإصلاحات المستحدثة بين فترة وأخرى.

4- العوامل المؤثرة في نظام التعليم:
يتأثرنظام التعليم كأي نظام آخر بالعوامل التالية:
1- العامل السكاني: وهذا العامل ينقسم إلى قسمين: الأول يتعلق بالأعراق المختلفة في تلك الدولة، والثاني يتعلّق بتوزيع السكان حسب فئاته العُمرية.
2- العامل الثقافي: فالدين واللغة والعادات والتقاليد والأخلاق لأي دولة لها دور في الخطط التربوية التي توضع ضمن النظام التعليمي، ويُعتبر عامل الثقافة من أهمّ العوامل التي تُؤثر في تربية الطلاب.
3- العامل الاقتصادي: يظهر هذا جليّاً في الدُول المتقدمة والغنية، فكلما كان اقتصاد الدولة أقوى كان نظام التعليم قويّاً أيضاً؛ إذ يظهر الفرق في الخدمات والمباني والأدوات المُستخدمة في التعليم من دولةٍ لأُخرى تبعاً لاقتصاد تلك الدولة.
4- العامل الجغرافي: حيث إنّ للمناخ دوراً في تحديد مواعيد بدء الدراسة والعطل الرسمية، كما أنّ طبيعة البيئة لتلك الدولة لها دَورٌ في تحديد الخُطة الدراسية لأنّه يجب أن يكون هناك توافق بين الطبيعة البيئية وبعض الأنشطة الدراسية.
5- العامل السياسي: يُعتبر العامل السياسي من العوامل التي تُؤثر في شتّى أنظمة الدولة، وتندرج تحت هذا العامل كُلّ الأفكار والمبادئ التي تقوم عليها السُلطة السياسية للدولة؛ حيث يجب أن يتمّ تعليم الطلاب وتعريفهم بسياسة بلدهم حتى يكونوا قادرين على الانخراط في المجال السياسي لبلدهم، كما أنّ الحروب والمشاكل السياسية لها دورٌ في التأثير على النظام التعليمي إذ يتم تأجيل الدراسة لفترات حتى تنتهي الحرب.


5- وظائف النظام التّربوي:
يلعب النظام التربوي دوراً فعالاً في تنظيم الحياة الاجتماعية، إذ يوفر متطلبات الأفراد في المجتمعات من استقرار وأمن من خلال محاربة المشكلات الاجتماعية قبل استفحالها في ثناياه. وهذا النّظام هو وسيلة تهدف الى:
–  حفظ التراث ونقله من الأجيال السابقة إلى الأجيال الحاضرة.
–  تنمية قدرات الأفراد ومواهبهم في كافة المجالات،
– تعزيز القوّة داخلهم والقدرة على مواجهة الصعوبات والتحدّيات التي تواجههم.
– تسّليح الأفراد بالمعارف المرّتبطة بالواقع، مما يُساعدهم على فهم الواقع وتفسيره وإكساب الأفراد الخبرات والمهارات التي تُساعدهم على أداء أعمالهم بكل أمانة ومسؤوليّة.
–  تكوين المهارات والخبرات لدى الأفراد، ليتمكنوا من التواصل مع مجتمعاتهم تواصلًا سليمًا وإيجابيًا من دون تعصّب أو تشدّد.

6- مكونات النّظام التّربوي:
يتكون النظام الترّبوي من مجموعة من المدخلات والعمليّات والمخرجات:
1. المدخلات هي مجموعة الأنظمة التّربويّة وأهدافها التي أساسها المُعلم والمُتَعَلّم، بالإضافة إلى المواد التربويّة كالكتب ومصادر المعلومات ورأس المال والقوانين التي تَحكم العمليّة التّعليميّة.
2.  العمليات هي الكيفيّة التي تطبّق هذه الأنظمة والقوانين وفقها، وعمليّة تدريس المناهج وتقديم النّصح والإرشاد والتواصل مع الطّلاب.
3.  المخرجات هي تخريج أجيال قادرة على القيادة وتحمّل المسؤوليات، وتوفير الكوادر البشريّة المُؤهلة والمدربة لسوق العمل فيؤدي ذلك إلى النمو الاقتصادي والاجتماعي للدّولة.
7- معوّقات النّظام التّربوي:
       تُعتَبَر المدارس أطرافاً اجتماعية وسياسية أساسية يمكنها أن تؤثّر بشدة على عملية التحوّل الديموقراطي، لقد أظهر عدد متزايد من الأبحاث أن البيئة المدرسية الإيجابية أساسية لضمان التقدّم في هذا المجال. فطابع ونوعية الحياة المدرسية، اللذان يعكسان القيم، والأهداف، والهيكل التنظيمي، والعلاقات بين الأشخاص، وممارسات التعليم والتعلّم، يمكنهما إما أن يعزّزا نجاح تعليم الطلبة ومستقبلهم، وإما أن يعرقلاه.
ولسوء الحظ، تُعتَبَر البيئات المدرسية سلبيةً إجمالاً في معظم أرجاء العالم العربي. فالصورة ليست إيجابيةً إطلاقاً.
ومن أهم معوّقات النّظم التّربويّة هي:
1.  المناهج في أغلبها لا تتماشى مع مُتطلبات العصر ولا تُواكب التّغيرات التي تحصل سواء التّكنولوجيّة أو العلميّة ولا تُشجّع هذه المناهج الطّلاب على الابتكار والإبداع وتعتمد على الحشو والتّكرار ولا تُراعي الفروق الفرديّة بين الطّلاب.
2.  المعلم نفسه فالكثير من المعلمين لا يمتلكون الخبرة الكافية للتّعامل مع الطّلاب داخل الغرف الصّفيّة، فيعتمد أغلب المعلمين على أسلوب التّلقين من دون محاولة البحث عن أساليب تعليميّة جديدة تجذب الطلاب وتشدّ انتباههم.
3.  ادارات المدارس أيضا، لناحية افتقار المدير الى الشخصية القيادية وعدم المامه بشكل كافٍ بكيفية تنمية شخصية التلميد لجعله مواطنا صالحا يمتلك القدرات والمواهب، بدل تركيزه على الإذعان والتبعية، فأعتقد ان ذلك ينبع من طريقة تعيين المدير وولاءه للسياسيين الذين عينوه في المنصب وعدم الشفافية في تعيين هؤلاء عن طريق الكفاءة، وأيضا لعدم المداورة في تولي المنصب.
4. المدرسة، فالكثير من المدارس تفتقر إلى بعض التّجهيزات الضّروريّة للعمليّة التّعليميّة من ملاعب مجهزة ومبانٍ حديثة ومختبرات للبحث العلمي.

8- كيفية معالجة التعطيل الحاصل حاليا في لبنان من جراء انخراط الطلاب في الثورة:
الضغط والتعويض الحاصل حاليا وانعكاسه على نتائج الطلاب، لجهة التعليم ستة أيام في الأسبوع وأيام العطل، يجب مقاربته تربويا وليس من زاوية واحدة فقط كما نرى ذلك من قبل وزارة التربية وتنفيذه من ادارات المدارس بصورة ميكانيكية، من دون رؤية واضحة لنتائجه السلبية على تحصيل التلامذة واكتسابهم المهارات المطلوبة.
نتساءل هنا: هل الحشو وانجاز المنهج بأي طريقة يخدم العملية التربوية؟
نعرف جميعا ان الحشو والضغط له انعكاس سلبي على بناء شخصية التلميذ التربوية والوطنية، وهذا يؤدي الى انخفاض الانتاجية وبالتالي الى ضرب مقومات شخصية التلميذ.
أعتقد أن الوزارة لم تأخذ بعين الاعتبار الضغط النفسي الحاصل على التلامذة وانعكاسه على نجاحهم في المستقبل، وأكثر من ذلك يضرب امكانية مساهمة التلاميذ بالثورة والتغيير على صعيد بناء الوطن، وان كان ذلك عن قصد او غير قصد فهو يدل على ضرب فلسفة النظم التربوية لجهة بناء مواطن مساهم بالتغيير نحو الأفضل.
والأبرز هو دور الكثير من ادارات المدارس والثانويات بتنفيذ هذا الضغط والحشو وانجاز المنهج بأي طريقة، ولو كان ذلك على حساب تحصيل الطلاب، ويتباهى البعض منهم بقدرته على التعليم بالصف الواحد لو بعدد قليل من التلاميذ، لهو دليل واضح إما لافتقار هذه الادارات الى قيادة المدارس نحو بناء شخصية قادرة وحرة، ترتكز على حرية ابداء الرأي التي تسهم ببناء شخصية مواطنية سليمة تقود الى بناء جيل مقتدر أساسه الولاء للوطن بدل التبعية والاستزلام.
هذا يقودنا الى مقاربة كيفية تعيين المدراء من قبل المنظومة السياسية نفسها التي أوصلت البلد الى الانهيار، واستبدال الولاء للوطن بالولاء للزعماء والانصياع لهم، هذا الأخطر، لأن المدير التابع سينتج جيلا تابعا، وهذا أكبر دليل على ما نتخبط به اليوم.
من هنا، نستطيع القول أنه يجب تغيير هذه المنظومة من أعلى الهرم الى أسفله، والأخطر دائما على الثورات وعلى التغيير يأتي من المستفيدين من الفتات.
وما رأيناه اليوم بالتعسف الحاصل بمنع التلاميذ من المشاركة بالتحرك واجهاض ارادتهم والتعبير عن رأيهم لجهة خطورة الحشو والضغط على مستقبلهم، لهو دليل ساطع لانغماس هذه المنظومة كلها بالفساد واستمرار الواقع المتردي.
*باحث بالشأن التربوي

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى