رأي

التحولات الكبرى تعطي الفرص ل”مستحقيها”.. فليكن التشبيك الإقليمي جزءا من تعدد الأقطاب (علي يوسف)

 

كتب علي يوسف – الحوار نيوز

 

يكثر الحديث عن عالم متعدد الأقطاب في ظل المتغيرات الكبيرة التي تحصل وصعود محور “البريكس”  وما يرافقه من اصطفافات دولية نتجت  وتنتج، إما بفعل متغيرات ومصالح اقتصادية وإما  كنتيجة لسياسة الغطرسة الاميركية واعتمادها حكم القوة والاذلال وفرض الشروط تحت التهديد و  الحصار واستخدام الدولار كأداة  سيطرة بدل ان يكون وسيلة  تسهيل تعامل اقتصادي دولي  …. وباختصار استبدال النظام العالمي القائم على القانون الدولي بنظام سيطرة مافياوية  تسلطية اجرامية متعددة الوجوه يتميز بالكذب والنفاق والتعالي واعتماد الفوضى تحت عنوان ” خلّاقة “وانعدام الوفاء ،اي نظام لا اخلاقي  …..

إلا ان كل الحديث عن النظام المتعدد الاقطاب يحمل في مضامينه  استبدال القطب الواحد بقطبين ،وفرز الدول على هذه القاعدة بما يذكرنا بمرحلة سابقة  وبالحرب الباردة بين قطبين التي شهدها العالم ….

ان هذه النظرة والوجهة السياسية تحمل  قصورا فاضحا في الرؤية والإرادة  وتعوّد قاتل على التبعية واستيطان العجز والتبعية  التي سعت الدول الاستعمارية على زرعه وتثبيته في فكرالشعوب التي استعمرتها لاستمرار سيطرتها على ثروات ومقدرات هذه الشعوب، حتى ما بعد  تحررها من الاستعمار المباشر، وليبقى الإستعمار الاقتصادي و يبقى  ايضا الاستعمار الفكري والثقافي  والنفسي الذي يؤمن استمرار الاستعمار الاقتصادي لتحقيق الرفاه للمستعمر على حساب مقدرات الشعوب المُستعمَرَة…..

صحيح  ان حجم اقتصادات  الدول الكبرى والغنية يجعلها في مواقع قيادية على المستوى الدولي في ما خص  حجم الحركة التجارية ووسائل تسهيل عملياتها  لجهة الأنظمة المالية والتكنولوجية ،اضافة الى إمكان تميزها  في التقدم العلمي في مختلف المجالات الخ….. إلا أن هذه القناعة يمكن ان تصبح بمثابة استسلام وتبعية  واقرار بالعجز ،وهذا اخطر ما يمكن ان يحصل  في مراحل التحولات الكبرى التي  يمكن ان تكون فرصة  لإنجازات تاريخية ترسم عوالم اقليمية  خلاقة…..

ان مرحلة التغيرات الكبرى تؤدي حكما الى ضعف قوة وتأثير الدول الكبرى خارج  مواقع الصراع المباشر. وهذا ما يفسح في  المجال  لتوفر فرص  اعادة الاعتبار للتحولات و التشبيك في الاقاليم ،وخصوصا الغنية منها بالثروات المتنوعة ،وهذا ما يسمح لنا بالتفكير في :

١- امكان التخلص من  قيود  كان قد تم فرضها بفعل توازن القوى الدولي السابق  .. كمفاعيل سايكس بيكو  التقسيمية في  منطقتنا ، وكذلك مفاعيلها  لجهة التناقضات العرقية والقومية والطائفية والعشائرية التي تم اخذها في الاعتبار في عمليات التقسيم ،وبحيث تبقى عناصر تفجير يمكن استثارتها لضرب اي محاولات استقلال حقيقية من التبعية، وتحقيق برامج تنموية تقوم على الافادة من المقدرات و الثروات الوطنية او محاولات التعاون والتكامل بين دول المنطقة …..

٢-امكان تسريع التخلص من الكيان الغاصب المؤقت  الذي تم  انشاؤه وزرعه في منطقتنا ،وهو الكيان الاسرائيلي  الذي يشكل الذراع التي يستخدمها الغرب، وحاليا المتمثل في الولايات المتحدة الاميركية لضرب اي مشاريع تحرر واستقلال وتعاون  عربية او اقليمية …

٣- امكان تسريع  الضغط للخلاص من القواعد الاميركية  في منطقتنا التي تشكل اذرع استعمارية  وادوات تهديد وضغط  وتحرير المنطقة من هذه القواعد واعادة النظر بوجود الدول الوهمية التي تم ايجادها لتكون موطنا لهذه …

٤- امكان تسريع التشبيك السياسي والاقتصادي والبشري والعلمي والثقافي بين الدول العربية ومع الإقليم، بما يسمح بإنشاء تكتل اقليمي يوازي في اقتصاداته وفي امكاناته البشرية والعلمية  الدول الكبرى ، مستفيدا لتحقيق ذلك من تنوع ثرواته  ومقدراته  ……

 

ان مرحلة التحولات الكبرى  تشكل فرصة تاريخية لتحقيق الاحلام الكبرى ، الا ان ذلك يحتاج الى بناء، والبناء يحتاج الى بنّائين : اي الى قيادات تاريخية تملك رؤية تُحوّلها الى مشروع  وتعمل على تأمين تحقيق هذا المشروع إن بالمفاوضات أو بالمفاوضات والقوة أحيانا، لأنه لا يجب السماح للأنانيات والعصبيات والمصالح الضيقة ان  تفسد فرصا تاريخية على منطقة وشعوبها … واذا كان ذلك يتطلب تجاوز الاقناع الى الفرض، فيجب تحمل المسؤولية ، شرط الوضوح في الرؤية والاهداف والاخلاقية  وتأمين عناصر التنفيذ المقنعة …….

ولعل ما بدأ مؤخرا  في المنطقة بإنجاز الاتفاق السعودي الايراني ،ومن ثم السعي لانهاء  الحرب على اليمن والمصالحات الجارية خصوصا مع سوريا ، وإن كانت برعاية صينية وروسية ، تجعلنا  نتفاءل .فلتكن  القمة العربية المقبلة  في الرياض  مناسبة لوضع الخطط  لتسريع انجاز الفرص التاريخية التي تحدثنا عنها بهامش استقلالية أوسع، مستفيدين من توافر قيادات وزعامات حالمة بمشاريع كبرى وتملك مقومات تحقيقها  بعد وضع خطط واضحة لها ….

وما عدا ذلك سيجعلنا نستقر في التبعية ،وان اختلفت الجهة التي نتبعها ،والتاريخ لا يرحم  المتخاذلين ومُضيّعي الفرص..  

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى