سياسةمحليات لبنانية

مصير العام الدراسي الحالي بين الأزمة الحلول

 

 


فيصل زيود* – الحوارنيوز خاص

بدأت تُطرح تساؤلات عمّا اذا كان العام الدراسي انتهى فعلاً بالنسبة الى ‏القيّمين على التربية، وخصوصا بعد أن أصبح التعليم عن بُعد يسير في مدارس ويتعثر لدى أخرى، حتى في ‏التعليم الخاص، فكيف بالتعليم الرسمي الذي لم يستطع حتى الآن إيصال حصص المنهاج ‏التعليمي الى كل التلامذة، وباعتراف الوزير أنه لا يمكن الاعتداد بالتعلم عن بعد على كافة الصعد، وإن هذا التعلم  ولو كان مجديا للبعض قد أثبت عدم كفاءته في تحقيق كل الأهداف المرجوة منه، وأنه، بإقرار الجميع ولا سيما وزارة التربية، أصبح يشكل عبئا ثقيلا في هذه المرحلة على الأغلبية الساحقة من التلاميذ والأهل، ولا قدرة فعلية وتقنية على متابعته لدى غالبيتهم الساحقة، ولا يمكن الوصول إلى شريحة كبيرة من التلاميذ بشكل متكافئ.

بعد أن اعتمدت الحكومة تخفيف إجراءات التعبئة العامة، عقد وزير التربية اللبنانية مؤتمرا صحافيا، أقرّ فيه مواعيد إجراء الامتحانات الرسمية لصفوف الشهادات، وأعلن روزنامة لاستكمال العام الدراسي الحالي وفتح المدارس حضوريا، بالرغم من استمرار انتشار فيروس كورونا، في حين اعتبر أهالي الطلاب أن الروزنامة المقترحة غير واقعية ولا تراعي ظروف الطلاب الذين عاشوا عاما دراسيا شديد الاضطراب.

وفي السياق نفسه، قوبلت الروزنامة التي أعلنها الوزير في مؤتمره الصحافي بردود فعل غاضبة من قبل أهالي الطلاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والذين أكدوا أنّه من الصعب أن يعود التلاميذ إلى الصفوف، أو يؤدوا الامتحانات خلال الفترة التي حددها الوزير. وكذلك أوضحت رئيسة اتحاد لجان أولياء الأمور بالمدارس الخاصة في لبنان، لما الطويل أن "العام الدراسي بحاجة إلى شهرين لاستكماله، ولا نعرف إن كان هناك إمكانية لدى الوزارة لمتابعة الدراسة في حال انتهاء التعبئة العامة من دون أن ننسى الظروف المناخية، ودرجات الحرارة العالية، وغياب وسائل التبريد في غالبية المدارس".

وتلاقت أراء التربويين ولجان الأهل والطلاب على رفض خطة الوزير ودعت الى اعتماد خيارات عدة ومنها:
إتحادات لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية، أعلنت فيه رفضها "استكمال العام الدراسي إلا بعد الإنتهاء المؤكد من جائحة كورونا ، وإلا إعلان انتهاء العام الدراسي الحالي لكافة المراحل". وذلك نظرا للوضع النفسي والإجتماعي للأهل وحال اللااستقرار الناتج عن الأزمتين الاجتماعية والصحية. ورفضت التعليم خلال الصيف واقترحت دمج وتعويض ما تبقى من المنهاج، من خلال تكثيف منهاج العام الدراسي المقبل على أن يبدأ التعليم الفعلي في الأول من شهر أيلول.

معظم آراء الأهل أيضا، تعتبر أنه من الظلم تمديد العام الدراسي لأشهرٍ إضافية، حتى أن الإصرار على إجراء الامتحانات الرسمية غير مبرّر لأنه يمكن الاستعاضة عنها بإفادات تمنح للطلاب كما حصل سابقاً، وعلى وزارة التربية أن تأخذ بعين الاعتبار أن الطالب ليس مهيّئاً للامتحان لأن العام الدراسي لم يكن مستقراً، بسبب الإقفال الذي عرفته المدارس عقب انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول، ثم تداعيات فيروس كورونا".

والطلاب أيضا اعتصموا اليوم أمام وزارة التربية معترضين على ما ورد في المؤتمر الصحفي للوزير بخصوص التعليم في الصيف واجراء الامتحانات الرسمية بدءا من 15 آب 2020 ومطالبين بإنهاء العام الدراسي واعطاءهم افادات على غرار ما حصل قبل ستة أعوام عندما قرّر وزير التربية آنذاك الياس بوصعب منح افادات ‏لجميع المرشحين للامتحانات الرسمية في البريفيه والثانوية بفروعها الأربعة. وان الامتحانات الرسمية فيما خص الشهادة الثانوية العامة، ولو تم إجراءها في مواعيدها كما حددها الوزير لن ‏تعطي نتائج مرجوّة منها في ظل محنة الوباء الحالية.

وإذا نظرنا الى العالم الذي عطّل المدارس في معركته القاسية مع الجانحة، فعلينا الأخذ في الإعتبار القرارات الدولية في موضوع الشهادات ومعادلاتها، والتي ستتخذ استثنائيا هذا العام نتيجة جائحة كورونا.

نرى أنّ فرنسا ألغت البكالوريا الفرنسية لهذه السنة وأبقت الامتحان الشفهي للبكالوريا القسم ‏الأول وفق ما ينص عليه نظامها.
البكالوريا الدوليَّة لن تُجرى الامتحانات لهذه السنة، وسيُمنح التلامذة شهادة ديبلوم أو ‏شهادة إتمام السنة الدراسية تعكس مستوى عملهم بالارتكاز على أدائهم الدوريّ وتبعاً ‏لخبرة التقويم المتّبع، والدقّة ومراقبة الجودة المتضمّنة مسبقاً في البرامج‎.‎

‎ ‎ماذا عن لبنان؟

المدارس الخاصة غير المجانية تتحكّم بالسياسة التربوية في لبنان، بدعم من الحكومات السابقة التي عملت على تدمير التعليم الرسمي، ولم تتردد إدارات هذه المدارس، طيلة السنوات العشرين الماضية، في ابتزاز الأهالي عبر فرض زيادات غير مبرّرة على الأقساط المدرسية تصل أرباحها السنوية غير المشروعة من الأقساط المدرسية إلى نصف مليار دولار على الأقل، وهذه المؤسسات وفق القانون، «لا تتوخّى الربح».

وبرغم ذلك، تستمر هذه المدارس ، أيضاً، في ابتزاز الأهالي بفضل قرارات الوزارة التي تتغاضى عن تطبيق القوانين وتهميش القطاع الرسمي، واللافت تصريح وزير التربية بأن الإدارات المدرسية ستعالج خفض موازناتها، فتعيد هذه المدارس بسط سطوتها على الأهالي بتوقيع للجنة خاضعة ومتواطئة معها إن بالضغوط أو الإغراءات ، بالرغم من مطالبة نقابة المعلمين ولجان الأهل بوضع ضوابط قانونية واضحة لهذه العلاقة، وأن تكون الوزارة حافظةً للعدالة، ونموذجاً لدولة الرعاية الاجتماعية، ومنبراً للدفاع عن حقوق الجميع، ولن ننسى عندما طرق الأهالي باب الوزارة في السابق كيف أُغلق الباب في وجههم عند تحويل 69 مدرسة إلى المجلس التحكيمي قبل أن يختفي الملف؟ وهل ننسى عرقلة تعيين مجالس تحكيمية تربوية أيضا، وعشرات الملفات من تزوير ولفلفة شكاوى وتجاهل اعتراضات من الوزراء السابقين؟

وما يسترعي الانتباه اليوم هو الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الحالية التي تساهم في زيادة التفاوت الاجتماعي والنزوح إلى التعليم الرسمي، إذ من المتوقع بالتزامن مع الحصار المالي – المصرفي، أن ينتقل ما لا يقل عن 100 ألف تلميذ/ة مع عائلاتهم إلى طبقة الفقراء، وبالتالي إلى المدارس الرسمية، وسينتج عن هذه الأزمات آلاف الأساتذة المصروفين في بداية تموز 2020.

في المقابل، لن تستوعب المدارس الرسمية هذه الموجة، اذا لم تقم الدولة بدعم التعليم الرسمي بشكل نوعي، والسنوات الماضية لا تبشرنا بذلك، فهناك توقّعات  بأن يبقى عشرات الآلاف من دون مدارس، أو يتلقون تعليماً بمستوى أدنى. وأزمة هذا التعليم هو تخلي الدولة عنه وتحويله الى مكان للتوظيف السياسي والطائفي‎…‎
في ضوء كل ما تقدّم، هل الإفادات ستشق طريقها بقوة مجدداً في البنية التربوية اللبنانية؟، الواقع أن ‏هناك مؤشرات بدأت تظهر تشير الى أن الخيار بات أقرب الى الواقع، والدلائل كثيرة حول وجوب إعطاء الافادات، لذلك نرى أن الحل الأمثل لمصير العام الدراسي يجب أن يكون حسب التالي:‏
1. ترفيع جميع التلامذة الى الصف الأعلى في جميع الصفوف وأن يُصار إلى إعطاء الدروس الضرورية واللازمة للصف السابق من ضمن الصف اللاحق وليس بوقت منفصل قبل العام الدراسي الجديد، ولمدة شهرين، على أن يبدأ العام الدراسي القادم اعتبارا من اول ايلول، ويدخل التقييم لهذين الشهرين من ضمن تقييم العام الدراسي الجديد 2020-2021.

2.  يعطى طلاب شهادات الثانوية العامة افادات نجاح ضمن معايير محددة وبعده يدرسون بعض المواضيع الضرورية لهم في السنة الجامعية الأولى. ويدخل التقييم لهذين الشهرين من ضمن تقييم العام الدراسي الجديد 2020-2021.

3. أما بالنسبة لطلاب السنوات الجامعية تستكمل دراستهم الجامعية لمدة شهرين اعتبارا من اول ايلول وتجري امتحانات التقييم في تشرين الثاني، على أن يبدأ العام الدراسي الجامعي االجديد اعتبارا من اول كانون الأول 2020.

*باحث تربوي

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى