دولياتسياسة

كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع العراق بقيادة الكاظمي؟

 


السفير د. جواد الهنداوي – بروكسل
            
لاعبان أساسيان يتقاسمان او يتنافسان الأدوار في التأثير على المشهد السياسي و الأمني  العراقي، وهما أميركا و ايران، وكلاهما خاضا حروباً مع العراق ، وكلاهما والضحيّة( العراق ) تكبدوا خسائر في الأرواح  والثروات.
ايران والعراق يتشاطران حدودا طويلة وعريضة بأكثر من ١٤٥٠ كيلومترا، برية و مائية، وايران في استراتيجيتها تعتبر العراق جزءا من أمنها القومي ، وهذا ما يفسّرُ نفوذها و دورها في العراق ،  و تدخلها ومساعدتها العراق في محاربة الإرهاب و داعش .
أميركا ، ورغم احتلالها العراق  وقواعده العسكرية وتدخلها  ونفوذها فيه، فهو ( ايّ العراق ) ليس جزءاً من أمنها القومي و الاستراتيجي . جغرافية الامن القومي الاميركي في المنطقة ( الشرق الاوسط ) تتمثل ،ليس في العراق ، وانما  في اسرائيل  ودول الخليج .
العراق بالنسبة للولايات المتحدة هو الساحة الخلفية لجغرافية الامن القومي الاميركي في المنطقة، بعبارة أخرى، فإن أميركا تنظر للعراق وتتعامل مع العراق على ضوء المصلحة الاسرائيلية وعلى ضوء المصلحة الخليجية باعتبار هذه المصالح هي جزء من مصلحة الامن القومي الأميركي . تصريح الرئيس ترامب الأخير ، والذي يصف فيه الاحتلال الأميركي للعراق بالخطأ الكبير والجسيم ، يعّبر بصراحة عن ثانويّة المصلحة الأميركية في العراق. لم يتردد  رؤساء أميركا السابقون، والرئيس الحالي،  بالتصريح بأنَّ سياستهم في العراق هي لاحتواء ايران والحد من نفوذها ، ولضمان امن حلفائها في المنطقة.
ايران تعمل باستراتيجية ثابتة  وواضحة و صريحة تجاه العراق  والمنطقة : استراتيجية ثابتة بمعنى غير قابلة للتغيير بتغيّر رئيس الجمهورية، على خلاف ماهو سائد و معمول به في أميركا ، استراتيجية واضحة بمعنى لا يكتنفها الغموض وغير قابلة للتأويل ، و استراتيجية صريحة بمعنى خالية من الخداع والتضليل والسّرية في أهدافها . الايرانييون يصرحون علناً بالدفاع عن نفوذهم في المنطقة وخاصة في العراق وسوريا ولبنان وغيرهم .
  التفاوت الكبير بين استراتيجية ايران تجاه العراق وسياسة أميركا تجاه العراق يفرز تداعيات ونتائج غير محمودة على العراق .ماهي إذاً تلك التداعيات؟
الولايات المتحدة الأميركية لا تعرف كيف تكسب او كيف تربح العراق ، وفشلت في كسب الرهان على العراق ، و مستعدة الآن للخروج منه سياسياً و ليس فقط عسكرياً، وقد تكون حكومة السيد الكاظمي آخر المحطة في مسارها في العراق . نتمنى ان تدرك أميركا المُعادلة التالية وأنْ لا تُحّمل رئيس الوزراء ما لا في وسعهِ: في حكم و إدارة العراق لا يكفي الاعتماد على شخص رئيس الوزراء ،وانماّ ايضاً على واقع وما مُصاب به العراق: وباء الفساد و فوضوية مساره الديمقراطي، ومناعة النظام السياسي تجاه البناء والتطور .
رضيت أميركا بمجئ السيد عادل عبد المهدي رئيساً للوزراء واستبشرت بقدومه الخير، حتى ان السيد ماكغورك ، ممثل الرئيس الأميركي لقوات التحالف الدولي في العراق ، اشادَ بكفاءة وبخبرة  ثلة من وزراء السيد عبد المهدي. ولكن حينما فرض واقع العراق على السيد عبد المهدي ( رئيس الوزراء السابق )، تبنيه مساراً أزعجَ اسرائيل ولم يزعج ايران، خسرَ الرجل رضا أميركا ورضخَ واستقال ،بينما الاحتجاجات الشعبية لم تكْ ضده فحسبْ وانما ضّدَ النظام السياسي وضّدَ مجلس النواب ،ايّ ضّدَ السلطتيّن التشريعية و التنفيذية.
ليس فتح المعبر الحدودي مع سوريا ، و لا الاتفاق الاقتصادي الصيني العراقي ، و لا اتهامه لاسرائيل بقصف وحدات عسكرية عراقية، هي وحدها أسباب الغضبْ  الأميركي تجاهه، وانما السبب الأساسي هو انه ( واقصد السيد عبد المهدي ) لم يقمْ بما فيه الكفاية لإزعاج ايران او العمل لتقليص نفوذها ( وهو أمرٌ عجزت عنه أميركا ذاتها )  اوالانفتاح نحو التطبيع مع اسرائيل !
   السؤال هو هل ستستمر أميركا بأملها و بحلمها مِنْ ان يكون عهد السيد الكاظمي مناسبة لما ترجوه، وما لا تستطيع هي من تحقيقه، الا وهو تقليص نفوذ ايران و انخراط العراق في صفقة القرن و حّل الحشد الشعبي؟
نأملُ ان تغتنم أميركا فرصة وجود السيد الكاظمي حُجّة لجعل سياستها تجاه العراق والمنطقة عقلانية وواقعية وتساهم في أمنه واستقراره  وأمن واستقرار المنطقة،  وتساهم في تطويره اقتصادياً .
كتبت صحيفة ويل ستريت الصادرة في ٢٠٢٠/٥/٧ ، من  انَّ سبب إقدام أميركا على سحب بطاريات باتريوت وبعض طائراتها من المملكة العربية السعودية هو انَّ ايران لم تعدْ تشكّل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة. في صحة هذا الخبر  أمل كبير في خفض التصعيد في المنطقة  وجرّها نحو السلام و الاستقرار ، أمرٌ ، إنْ تحققْ ، سيكون من مُسببات نجاح الكاظمي في مهامه وعمله، و قدْ  تعزّزَ هذا الرأي ( ايران لم تعدْ تشكّل تهديداً لمصالح أميركا في المنطقة ) بقرار أميركي يسمح للعراق بالاستمرار باستيراد الوقود لاستهلاك الكهرباء من ايران ولمدة أربعة شهور بدلاً من شهر واحد.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى