ثقافةفي مثل هذا اليوم

في مثل هذا اليوم:عيد مار مارون..فمن هو شفيع الموارنة ولماذا العيد؟

الحوار نيوز – خاص

في مثل هذا اليوم من كل عام ،التاسع من شباط /فبراير،يحتفل لبنان والطائفة المارونية في العالم بعيد مار مارون ،شفيع الطائفة ،فمن هو هذا القديس ولماذا خصص له عيد سنوي؟

مارون أو القديس مارون أو مار مارون كما هو شائع، هو ناسك وراهب وكاهن عاش في شمال سوريا خلال القرن الرابع الميلادي، ويعتبر واحدًا من أشهر الشخصيات السوريّة السريانية الكنسية، لكونه يرتبط مع الكنيسة السريانية الأنطاكية المارونية التي تعتبره مؤسسًا وشفيعًا وأبًا. ولذلك يقول المطران يوسف الدبس، رئيس أساقفة بيروت المارونية أواخر القرن التاسع عشر في كتابه “الجامع المفصل في تاريخ الموارنة المؤصل:” إن تاريخ الموارنة يبدأ بمناقشة مار مارون الذي يعتبر مؤسس هذه الطائفة وشفيعها.

كلمة مارون في اللغة السريانية تصغير للفظة “مار” والتي تعني السيّد، والتي بدورها تصغير عن لفظة “موران” والتي تعني “سيد السادة أو السيد الأكبر” ،وتستخدم في اللغة السريانية كإحدى ألقاب الله.  

 أغلب الباحثين الموارنة وغير الموارنة يجعلون مارون رئيسًا للرهبان والنساك في منطقة سوريا الشمالية. وهناك أيضًا من يشير إلى أن مار مارون كان المسؤول الأول عن نشر المسيحية في شمال سوريا، فمن المعروف أن الوثنية كانت قوية الجذور تلك النواحي بداية القرن الخامس ،في حين أن أسقف المنطقة التي تنسك بها مار مارون ثيودوريطس  يذكر في رسالة بعث بها إلى البابا ليون الكبير (440 -461) أنه يتولى شؤون ثمانمائة كنيسة، أي أن أغلب سكان المنطقة قد اعتنقوا المسيحية.

ورغم عدم وفرة المراجع القديمة التي تذكره، فإنّ مختلف الدراسات والأبحاث التي وضعت حول مار مارون وحول الكنيسة المارونية عمومًا، خصوصًا إثر تأسيس المدرسة المارونية في روما أواخر القرن السادس عشر إلى جانب عمليات التنقيب والبحث شمال حلب أواخر القرن العشرين، أدت إلى رسم صورة تفصيلية عن حياة القديس مارون ونشاطه.

مصادر حياته

أقدم الشهادات التي يعتمد عليها في معرفة حياة مار مارون ونشاطه هي شهادة أسقف القورشية ثيودوريطس في كتابه “تاريخ أصفياء الله” الذي وضع حوالي العام 423 ، وبشكل أقل أهمية رسالة القديس يوحنا الذهبي الفم التي وجهها لمار مارون بداية القرن الخامس، هناك أيضًا ذكر عرضى له في كتاب الهدى الماروني الذي يعود للقرن العاشر رغم تشكيك البعض بكون مؤلف الكتاب مارونيًا.

 الخطوط العريضة المتفق عليها بين مختلف الباحثين أن القديس مارون قد ولد وعاش في النصف الثاني من القرن الرابع وأنه سرياني اللغة والعرق، ضمن منطقة سوريا الأولى الشماليّة وتسمّى أيضًا الجوفاء والتي كانت عاصمتها أنطاكية، في وقتٍ كانت فيه الوثنية قوية الجذور تلك النواحي.

من المتفق عليه أيضًا أن الناسك مارون قد ترك الحياة العامّة واعتزل على قمة جبل في المنطقة القورشيّة شمالي غربي مدينة حلب وكرّس على قمة هذا الجبل، معبدًا وثنيًا مهجورًا، ربما كان للإله نبّو المنتشرة عبادته في تلك الأصقاع، ككنيسة يقوم فيها بتأدية شعائر العبادة. أما هو فقد عاش تحت جو السماء دون سقف سوى خيمة صغيرة لم يكن يستظل بها إلا نادرًا، وسرعان ما انتشر صيته، فأخذ سكان القرى والبلدات المجاورة بالإيفاد عليه للاستماع إلى وعظه وتعليمه بل وللأعاجيب التي كان يجترحها أيضًا، على ما يذكر ثيودوريطس.

 ويشير ثيودوريطس إلى أن تلامذة عديدين من الرجال والنساء قد وفدوا إلى الجبل المنسك ليتتلمذوا على يديه، ويعلن أن مارون: قد أنمى بالتهذيب جملة من الفضائل السماوية، وغرس هذا البستان (يقصد الحياة الرهبانية) لله، فأزهر في كل نواحي القورشيّة. وفي موضع آخر يقول إن أكثر النساك في منطقة قورش ساروا على طريقة مارون الناسك متتلمذين له. ونتيجة لهذه الجهود تراجعت الوثنية في شمال سوريا.

إثر هذه الحياة الحافلة توفي مار مارون عام 410، موصيًا أن يدفن في مغارة القديس زابينا أحد تلاميذه، لكن وصيته هذه لم تتحق إذ نشبت بحسب شهادة ثيودوريطس، منازعات حول جثمانه بين القرى المجاورة، بهدف الحصول عليه ودفنه في قريتهم تبركًا، ويعلن الأسقف أن سكان قرية كبيرة كثيرة العدد، متاخمة لمكان التنسك، حازت على الجثمان، ويعزي نفسه بالقول: “ومع أننا بعيدون عن القديس فإن بركته تشملنا، وذكره يقوم لدينا مقام ذخائره” أما أهل القرية الفائزة فقد شيدوا مزارًا خاصًا إكرامًا له، وأقاموا عيدًا سنويًا لاستذكاره ما يدل على مكانة مرموقة في القورشية وجاورها.

ويقدم المؤرخ والمستشرق الفرنسي فيستوجير في كتابه “أنطاكية الوثنية والمسيحية”، شهادة أخرى عن القديس مارون  فيقول

   

إن مارون، كان أول من مارس العيش في العراء في سوريا، معرضًا نفسه لقسوة عوامل الطبيعة. إن الزهاد في مقاطعة قورش ضمن سوريا الشمالية قد تبنوا هذا النمط من العيش، الذي أنشأه مارون، وخاصة الرهبان العموديين الذين اختاروا العيش على رؤوس الأعمدة وأشهرهم سمعان العمودي المتوفى سنة 459

   

تعددت الأماكن المقترحة لتنسك مار مارون وتوسعت رقعتها الجغرافية، فهي تبدأ من منطقة الهرمل في شمالي لبنان، وتتجه شمالاً نحو أفاميا ثم جبل سمعان جنوبي غربي حلب، أو كما عبّر البطريرك الدويهي “في القورشيّة” دون أن يحدد مكانًا خاصًا لها. وقد ساهم في تعقيد الموضوع الخلط الذي حدث لدى البعض المؤرخين في الشأن الماروني بين ضريح القديس مارون الذي تحوّل إلى مزار ومركز حج في المنطقة، ودير القديس مارون. فمثلاً، يعتقد المطران الدبس أن الضريح قد تحوّل إلى دير. حسم الجدل مؤخرًا بعد جهود وزارة السياحة السوريّة، وبالتعاون مع أبرشية حلب المارونيّة، إضافة إلى بعثتي تنقيب من الولايات المتحدة الإمريكية منذ 1999، بشأن مكان التنسك ومكان الضريح، بتحديد مكان التنسك في كالوتا والضريح في براد، وهو ما قامت البطريركية المارونية بتثبيته رسميًا عام 2010.

دير مار مارون بجوار نهر العاصي في الهرمل

ذخائر مار مارون

ينقل التقليد الماروني ، أن ذخائر مار مارون قد تم نقلها من براد إلى دير مار مارون المشيّد في أفاميا. ويذكر البطريرك الدويهي استنادًا إلى وثائق ومخطوطات مكتبة الصرح البطريركي الماروني في بكركي، أن مار يوحنا مارون لدى انتقاله إلى لبنان، أخذ هامة القديس مارون معه وشيّد لها هناك ديرًا وكنيسة، أسماهما ريش موارن أي رأس مارون بسبب وضع هامته هناك، وينعت الدويهي الهامة بأنها “مانحة للشفاء”.

خلال الحقبة الصليبية نقل أحد الرهبان البندكتيين هامة القديس من البترون إلى إيطاليا عام 1130، فأودعت في مدينة فولينيو الإيطاليّة، حيث بنيت على اسم القديس مارون هناك كنيسة، ثم أعيد نقل الهامة من الكنيسة إلى مركز أسقفية المدينة عام 1194، وقام المسؤولون هناك بإيداعها تمثالاً صغيرًا من الفضة يمثل صورة وجه القديس، ويقول المطران يوسف الدبس، أنه خلال مروره بالمدينة عام 1887، قدّم له أسقفها ذخيرة من الهامة.

بناءً على طلب من البطريركيّة المارونيّة، أعيد نقل الهامة من إيطاليا إلى لبنان العام 1999، حيث أودعت في دير ريش موارن، من جديد.

 العيد

بشكل عام، اعتادت الكنيسة أن تقيم تذكار قديسيها يوم وفاتهم، أو وفق المعنى الكنسي، يوم ولادتهم في السماء، إلا إذا تضاربت ذكرى وفاة هؤلاء مع أعياد كنسيّة هامة، فتقيم ذكراهم في يوم تلقيهم رسامتهم الكهنوتيّة أو الرهبانية، لذلك فإن العيد الأول للقديس مارون، وهو في 14 شباط/ فبراير، والذي لا يزال معتمدًا حتى اليوم في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وسائر الكنائس التي تبجله، وقد يكون يوم وفاته أو يوم رسامته الكهنوتيّة، ومن المحتمل أن يكون الموارنة حتى القرن السابع قد اتخذوا من 14 فبراير عيدا وذكرى للقديس مارون.

 

ويذكر المطران يوسف الدبس، أن مار يوحنا مارون، عندما انتقل إلى لبنان في الهزيع الأخير للقرن السابع، نقل معه هامة القديس مارون، ووصل إلى البترون في 5 يناير فشرع الموارنة بالاحتفال بعيد القديس مارون في ذلك اليوم. وحسب التقليد الماروني أيضًا، فإنه عند وفاة مار يوحنا مارون شرع الموارنة بالاحتفال بذكراه في 9 شباط/ فبراير، وهو تاريخ تدشين الكنيسة والدير الذي شيده في كفرحي لدى وصوله إليها، ومن ثم دمجت الكنيسة بين عيدي القديسين في يوم واحد هو 9 شباط/ فبراير، كما يظهر في الكتب الليتورجية المارونية. ولاحقًا في القرن الثامن عشر نقلت البطريركية المارونية عيد مار يوحنا مارون إلى آذار/ مارس، وهو ما اعتبر بحسب التقليد الماروني تاريخ وفاته، وإبقاء تاريخ 9شباط  لتذكار مار مارون وحده، وهو ما لا يزال متبعًا حتى اليوم.

القداس السنوي بعيد مار مارون في بيروت يحضره عادة الرؤساء الثلاثة

إكرامه

يكرم القديس مارون في الليتورجيا المارونية من خلال ذكره اليومي في القداس الإلهي، إلى جانب تخصيص ثمانية أيام قبل عيده أي ابتداءً من أول شباط  وحتى يوم عيده في التاسع منه ،حيث تتوالى الصلوات المخصصة لإكرامه واستذكار أفضاله. كذلك فإن يوم عيده  يعتبر “بطالة كنسية” ،أي من الأعياد التي يجب على أبناء الكنيسة المارونية حول العالم حضور الصلوات المقامة فيها، كذلك تعتبر المناسبة عطلة رسمية في لبنان. ويخصص أيضًا الأحد الثاني من كل شهر تذكارًا عامًا لمار مارون، وسوى ذلك فإن الكثير من الكنائس حول العالم مشيّدة على اسمه، ويتسمى عدد كبير من الأشخاص باسم مارون تيمنًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى