رأيسياسةمحليات لبنانية

خريف الجنرال يزهر ربيعا! (أكرم بزي)

كتب أكرم بزي

يحضرني في هذه اللحظات عنوان الرواية العالمية للكاتب الرائع غابرييل غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1982، “خريف البطريرك”، ولا أعرف لماذا تذكرت هذه الرواية عندما شاهدت مقابلة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، لعل العزلة الدولية والعربية التي حاولوا فرضها على لبنان أو الصفات النادرة للجنرال عون والتي بصورها الإيجابية وليست السلبية تشبه من حيث الشكل والعمر الصور الخيالية “للبطريرك”، ولكن شتان بينهما.

الكثير ممن لا يحبون الجنرال عون قد يفسرون ما أقول على أنه نوع من أنواع التشبيه السلبي، وقد يظن البعض أنني أقارن بين الجنرال عون وغيره من جنرالات العصر القديم والذي هو أشبه بالخيال أمثال الكولومبي غوستابو روخاس بينيا، والفنزويلي خوان بيثنتي غوميز. إلا أنني لا أقصد هذا مطلقاً.

كثيرة هي الأحداث التي مرت على الجنرال عون: فمن حرب الجبل الى صدور مراسيم تعيينه في أيلول 1988 رئيساً لحكومة انتقالية، والتي على أثرها صرح بأنه ينوي البقاء لفترة أطول من الفترة التي حددت له، إلى حرب التحرير التي قادها ضد ميليشيات “القوات اللبنانية” بقيادة سمير جعجع (راح ضحيتها أكثر من 1000 قتيل)، إلى قيام الجيش السوري إلى جانب الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل بإجتياح مقرّ الحكومة في “بيروت الشرقية” برئاسة عون، الذي كان قد نجا قبل يوم واحد من محاولة اغتيال.

في 11 تشرين الأول، طلب رئيس الجمهورية الأسبق الياس الهراوي تدخّلًا عسكريًا حاسمًا من سوريا لإنهاء “تمرد” الجنرال ميشال عون. في الليلة التالية، ضيّقت القوات السورية الخناق حول المناطق التابعة لـ عون، ونشرت دبابات ومدرّعات في الضواحي القريبة وحول سوق الغرب في جنوب بعبدا. للمرة الأولى منذ معركة سهل البقاع في 1982، دخلت القوات الجوية السورية بهدف قصف معاقل ميشال عون. إستخدمت سبع طائرات سوخوي اس يو 24 من أجل هذه العملية فقط. (شاهدتها بأم العين من إحدى نوافذ البيت بحسرة)، بالإضافة إلى ذلك، حصل الرئيس السوري حافظ الأسد على الضوء الأخضر من المجتمع الدولي، مقابل موافقته على المشاركة في حرب الخليج الثانية بحوالي 10 آلاف جندي و200 دبابة.

أجبر الجنرال ميشال عون قائد الجيش اللبنانى فى ذلك الوقت على التفاوض وقبول شروط الاستسلام واللجوء إلى السفارة الفرنسية فى لبنان. وفى السفارة، مكث عون 11 شهرا قبل أن يتوجه إلى المنفى فى فرنسا، بعدها منح عفوًا مشروطًا من الحكومة اللبنانية ولجوء سياسيًا من فرنسا. فى 30 آب 1991 غادر ميشال عون لبنان إلى قبرص ومنها إلى فرنسا عبر سفينه حربية فرنسية، حيث قضى 15 سنة فى المنفى. فى 18 شباط 1994، عقد ميشال عون فى مدينة باريس “المؤتمر الوطني” وأعلن فيه عن إنشاء التيار الوطنى الحر.

أسست هذه العملية إلى نهاية الحرب الأهلية اللبنانية والتي دامت لأكثر من 15 عاماً وراح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى والجرحى، ولعل الثمن الذي دفعه الجنرال عون نتيجة هذه العملية، جعله في الوجدان المسيحي آنذاك المدافع الشرس عن حقوق المسيحيين، ليس فقط في لبنان فحسب بل في العالم العربي، (الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي). وبعد هذه العملية تم نفي العماد عون إلى فرنسا، وبقي خارج لبنان طيلة فترة النفي مقيداً بشروط فرضتها عليه الدولة الفرنسية.

بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريرى فى 14 شباط 2005، قامت “ثورة الأرز” التى أدّت إلى انسحاب القوات السورية من لبنان نهائيًا فى 27 نيسان 2005. مهّد ذلك لعودة ميشال عون فى 7 أيار إلى لبنان، واستقبله الآلاف من مناصريه.

 

فى 31 تشرين الاول 2016، أنتخب عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية، لينهى فراغًا رئاسيًا دام 29 شهرًا، بعد 45 محاولة فاشلة للوصول للنصاب القانونى بسبب مقاطعة نواب تحالف 8 آذار للجلسات لرفضهم المرشح الرئاسى الوحيد سمير جعجع، والذي كان يحاول مستيمتاً الوصول الى سدة الرئاسة عله يحقق حلمه وأحلام من كان معه ومؤيد له، إلا أنه فشل في ذلك بالرغم من دعم الولايات المتحدة وبعض دول الخليج له.

ومنذ ذلك الوقت، وبعد القسم الدستوري الذي أقسمه في مجلس النواب اللبناني، يبدو هناك من أقسم على أن لا يدعه يحكم كما يريد، إذ إن الإخفاقات العديدة التي واكبت سني حكمه، جعلت عهد الرئيس عون أشبه بكابوس ثقيل لا يحتمل، خاصة وإن “الجوائح” (المتعمدة منها والطبيعية) التي انهالت على لبنان، من حصار اقتصادي الى جائحة كورونا إلى الكوليرا، إلى نهب أموال المودعين وإنخفاض سعر الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوى تاريخي، إلى حجم البطالة وهجرة الأدمغة والشباب اللبناني، إلى انقطاع الكهرباء ونقص مواد المشتقات النفطية على أنواعها، كلها جعلت من سني حكم الرئيس عون “سنين عجاف”، ومع ذلك، استطاع الجنرال عون وفي عهده أن يحقق للبنانيين ما لم يستطع غيره من الرؤساء تحقيقه.

ومن “محاسن الصدف” أن الإنجازات التي تحققت للبنانيين من تحرير في العام 2000، وانتصار حرب تموز في العام 2006، (عهد رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق إميل لحود ورئيس الحكومة الدكتور سليم الحص)، إلى معركة “فجر الجرود” في العام 2017، (عهد الرئيس ميشال عون) إلى إنجاز ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الصهيوني، إلى توقيع مراسيم التنقيب عن النفط وملفات الفساد والتحقيق الجنائي ومحاسبة الناهبين ومهربي الأموال ومحاولته وقف عمليات النصب والاختلاسات على أنواعها، أبت إلا أن تكون على أيدي أشرف الرؤساء من الذين لم تتلطخ أيديهم بسرقة أموال اللبنانيين، ومحاولتهم الحفاظ على ما تبقى منها قدر المستطاع.

فالحرب الشعواء التي شنت على الرئيس عون، وداعميه، تكاد تكون الأشرس في تاريخ لبنان. كُثر هم الذين تضرروا من وجوده، فالرجل كما وصفه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بـ “الجبل”، فعلاً كان جبلاً وسداً منيعا، أمام حيتان المال وأباطرة الفساد، الذين حاولوا طيلة فترة حكمه نهب ثروات البلد والاستئثار بكل مقومات الثراء والفحش. ولعل تفاهم “مارمخايل” في 6 شباط من العام 2006 الذي وقّعه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحر(آنذاك) العماد ميشال عون بين حزب الله والتيار الوطني، وفي كنيسة مار مخايل على تخوم الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، يعتبر من أهم الإنجازات، للرئيس عون والسيد نصرالله، لإنهما بذلك، وضعا أسس اللحمة الوطنية بين مكونين أساسيين في المجتمع اللبناني، منعوا من خلاله، استضعاف اللبنانيين، من قبل العدو الصهيوني وصهاينة الداخل اللبناني، ولو لم يكن هذا التفاهم لشهدنا المصائب والويلات أكثر مما مر على اللبنانيين من المصائب آنفة الذكر أعلاه.

والجدير بالذكر هنا مما جاء في التفاهم: “إن حماية لبنان وصون استقلاله وسيادته هما مسؤولية وواجب وطني عام تكفلهما المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان لا سيما في مواجهة أي تهديدات أو أخطار يمكن أن تنال منهما من أي جهة أتت. من هنا، فإن حمل السلاح ليس هدفاً بذاته وإنما وسيلة شريفة مقدسة تمارسها أي جماعة تُحتلّ أرضها تماماً، كما هي أساليب المقاومة السياسية. وفي هذا السياق فإن سلاح حزب الله يجب أن يأتي من ضمن مقاربة شاملة تقع بين حدين: الحد الأول هو الاستناد الى المبررات التي تلقى الإجماع الوطني والتي تشكل مكامن القوة للبنان واللبنانيين في الإبقاء على السلاح، والحدّ الآخر هو تحديد الظروف الموضوعية التي تؤدي إلى انتفاء أسباب ومبررات حمله”. وبما أن “إسرائيل” تحتل مزارع شبعا وتأسر المقاومين اللبنانيين وتهدّد لبنان فإن على اللبنانيين تحمّل مسؤولياتهم وتقاسم أعباء حماية لبنان وصيانة كيانه وأمنه والحفاظ على استقلاله وسيادته من خلال:

 1 – تحرير مزارع شبعا من الاحتلال الإسرائيلي.

2 – تحرير الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية.

 3 – حماية لبنان من الأخطار الإسرائيلية من خلال حوار وطني يؤدي إلى صياغة استراتيجية دفاع وطني يتوافق عليها اللبنانيون وينخرطون فيها عبر تحمّل أعبائها والإفادة من نتائجها.

غداً يغادر الرئيس ميشال عون قصر بعبدا، تاركاً خلفه، إنجازاً تاريخياً، بحسب الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي عجز عنه الآخرون، ولو لم يُسجل إنجازٌغيره، إلا أنه ترك أثراً إيجابياً وأدخل لبنان، في دائرة “البلاد النفطية”، إذا ما أُحسن استثماره بالشكل المطلوب والصحيح.

والإنجاز الآخر الذي لا يقل أهمية عن “الترسيم”، هو إنجار عودة النازحيين السوريين، فبالرغم من كل الضغوط الدولية التي مورست وما زالت على الإدارة اللبنانية، وتواطؤ بعض الداخل، على “دمجهم” في المجتمع اللبناني لإهداف مشبوهة وغير بريئة، ستترك أثراً إيجابياً أيضاً، لما تخفف من ضغط وثقل على المجتمع اللبناني الذي بالكاد يحمله أبناؤه. هذا إذا لم يعمل الجشعون والطامعون على سرقة ما سينتج عن آثارهما الإيجابية من مردودات معنوية ومادية قد تعيد لبنان “سويسرا الشرق” كما كان يطلق عليه في الزمن الجميل.

 

صورة تجمع عون وبزي في الرابية قبل الرئاسة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى