قالت الصحف: الخطة الاقتصادية والمالية للحكومة كما عرضت في لقاء بعبدا
الحوارنيوز – خاص
بين الإشتباك الصحي مع فيروس "كورونا" والإشتباك السياسي بين تياري "المستقبل" و"الوطني الحر" على خلفية الإتهامات بالفساد في شركة طيران الشرق الأوسط ومن خلفها في المصرف المركزي، بدا اجتماع بعبدا الاقتصادي والمالي بحضور سفراء مجموعة الدول الداعمة للبنان وكأنه لملء فراغ العجز في مواجهة الأزمات المالية والاقتصادية الخانقة.
كيف عكست الصحف أجواء اجتماع بعبدا وماذا قدمت الحكومة من خطط لإقناع الجهات الدولية المانحة؟
• صحيفة "النهار" عنونت:" لا وعود دولية جديدة خارج مواجهة كورونا" وكتبت تقول:" وسط هذه الأجواء بدا غريبا فعلا ان ينبري العهد والحكومة الى محاولة استدراج الدعم الدولي للبنان فيما هما يصعدان حملات التشفي من مؤسسات كبيرة. كما ان باب الغرابة لا يقفل هنا اذ ان مداخلتي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب امام ممثلي مجموعة الدعم الدولية للبنان في الاجتماع الذي دعا اليه الرئيس عون امس في قصر بعبدا ارتكزتا الى "انجاز" الإعلان عن اجراء تدقيق في حسابات المصرف المركزي في حين ظلت الخطة الإصلاحية وعدا ينتظره الجميع.
وحاولت الجهات الرسمية المعنية إضفاء مسحة تفاؤلية على نتائج الاجتماع خصوصا لجهة نفي الكلام عن سقوط مقررات "سيدر" او عدم وجود استعدادات دولية حاليا لمساعدة لبنان.
وتقول الأوساط الرسمية المعنية ان ما حققه اجتماع بعبدا مع سفراء دول مجموعة الدعم للبنان "كان اكثر من فتح باب للحوار الشفاف. فالتقارير التي عرض فيها الجانب اللبناني الوضع المالي والاقتصادي وانعكاسات مسالة النازحين وأخيراً تحديات وباء كورونا قدمت صورة شفافة وواقعية للواقع الذي يرزح تحته لبنان بشكل عام. وبذلك حصل ممثلو مجموعة الدعم الدولي على تفاصيل وأرقام تضاف الى ما لديهم من معلومات ومعطيات، سواء من خلال التقريرين الماليين المقدمين من وزير المال والمدير العام لوزارة المال او من خلال التقرير الصحي الذي عرضه وزير الصحة والمسؤولة في الوزارة، او من خلال التقرير الاجتماعي الذي عرضه وزير الشؤون الاجتماعية".
وعددت المصادر نقاطا اعتبرتها "ايجابيات تحققت نتيجة الاجتماع " منها تأكيد ممثلي المجموعة الحاضرين ان هناك مساعدات للبنان ستقدم غير التي قدمت له في أزمته الاخيرة في مواجهة كورونا. وبعض الدول مستعدة لتقديم المزيد تبعاً لقدرتها لاسيما وأنها تواجه هي ايضاً تحديات داخلية في مواجهتها لوباء كورونا. كما ان دول مجموعة الدعم أصبحت أكثر تفهماً لموقف لبنان في مواجهته لأزمته المالية والاقتصادية، وبما يتعلق بالتزامه خطة اصلاحية مالية واقتصادية، وبالتفاوض مع مالكي سندات الاوروبوند وسندات الخزينة الأخرى وبما يتعلق بإدارة الدين ككل". ولفتت الى ان ممثلي مجموعة الدعم حصلوا على الشروح المفصلة بالأرقام والوقائع من الجانب اللبناني بكل ما يتعلق بالدين وبالإجراءات التي تلتزمها الحكومة في معالجة هذا الدين في المرحلة المقبلة من خلال خطتها الاصلاحية التي قطعت شوطاً في التحضير لها وتبدأ بتطبيقها قريباً.
وتحدثت المصادر الرسمية نفسها عن "التزام الدول دعم لبنان وهذا ما ترجمه اعلان ممثلي هذه الدول التضامن مع لبنان واستفهامهم عن حاجاته، بحيث يعود كل سفير الى بلاده بتصور واضح في تحديد الحاجات التي يمكن الاستجابة لها". ولفتت أيضا الى ان "ممثلي جميع اعضاء المجموعة أكدوا استمرار التزام تعهدات "مؤتمر سيدر" خلافاً لكل ما يشاع عن وفاة هذا المؤتمر والتزاماته. وطلب في هذا الإطار، التجهيز لـ 18 مشروعاً للبدء بتنفيذها كمرحلة أولى ".
وتحدثت المصادر عن اعادة الاهتمام الى ملف النازحين بعدما وضعته التطورات الاخيرة جانباً، من خلال ما عرضه كل من رئيس الجمهورية ووزيري الصحة والشؤون الاجتماعية عن مخاطر وتداعيات هذه الازمة على الواقع اللبناني مالياً واقتصاديا واجتماعياً وصحياً في ظل ازمة تفشي وباء كورونا.
وكان كل من الرئيسين عون وإياب حرصا في كلمتيهما على ابراز عمل الحكومة على انجاز خطة إصلاحية مالية واقتصادية واجتماعية ضمن برنامج إنقاذي قريبا كما جرى عرض مفصل شارك فيه وزراء للازمات التي يرزح تحتها لبنان والحاجة الى المساعدات الخارجية الملحة لمواجهتها. اما تعليقات السفراء ممثلي مجموعة الدعم الدولية فلم تتضمن واقعيا أي تعهدات او وعود بل تركزت في مجملها على تشجيع إجراءات الحكومة في مواجهة ازمة كورونا وابداء الاستعداد للاستمرار في تقديم المساعدات الصحية الى لبنان حاليا فيما لوحظ ان السفير الفرنسي برونو فوشيه اكد دعم بلاده لإجراءات الحكومة في كل ما تقوم به.
• صحيفة "الأخبار" عنونت:" الحكومة تصر على اقتصاد الريع! .. خطة إنقاذية من دون زراعة وصناعة" وكتبت تقول:" غُيّب وزيرا الصناعة عماد حب الله والزراعة عبّاس مرتضى عن المشاركة في وضع "خطة الإنقاذ الاقتصادية" على الرغم من أن الخطّة عنوانها الاقتصاد المنتج. مفارقة، لا يفهمها إلّا متتبّع "عشاق صندوق النقد الدولي" في لبنان
بعد طول انتظار، قرّرت حكومة الرئيس حسّان دياب مناقشة ما سمّته "خطّة الإنقاذ الاقتصادية" في جلستها اليوم في السراي الكبير، بعدما وعد رئيس الحكومة، وقبْله رئيس الجمهورية ميشال عون، اللبنانيين، بالعمل على نقل "الاقتصاد" اللبناني إلى الاقتصاد المنتج.
وهذه الخطّة، كما هو متوقّع أو مطلوب لإنقاذ البلاد، تمثّل واحدة من الفرص القليلة لعمليّة تغيير فعلية في اقتصاد لبنان، الذي قام منذ نشأته على "الخدمات" بكل ما تحوي من أصناف، وتحويله إلى اقتصاد يرعى الانتاج الزراعي والصناعي لتقليص الاتكال على الخارج، الذي لم يعد متاحاً أصلاً، مع تراجع موجودات لبنان من القطع الأجنبي وتراجع الاستهلاك وأزمة التصنيع التي بدأت تعصف بالعالم من جراء كورونا.
إلّا أن ما حصل في الأيام الماضية في أروقة السراي الحكومي بشأن "خطة الإنقاذ" لا ينبئ بالخير، ولا يعطي أملاً بأن الحكومة الحالية تسعى لإحداث أي تغيير عن سابقاتها. فبحسب المعلومات، كان من المفترض أن تؤلف الحكومة لجنة وزارية واسعة تتشارك في وضع خطة إنقاذية فعلية للبنان، بحضور الوزراء المعنيين، لا سيّما وزيري الزراعة عبّاس مرتضى والصناعة عماد حب الله، اللذين من المفترض أن حقيبتيهما هما أبرز حقيبتين معنيتين بالخطّة المنشودة. لكنّ حتى يوم أمس، لم يكن مرتضى أو حبّ الله جزءاً من الخطّة الحكومية التي أُعلن أنها ستناقش اليوم، بل اكتفى رئيس الحكومة بعقد اجتماعات مع نائبته وزيرة الدفاع زينة عدرا ووزير المال غازي وزني ووزير الاقتصاد راوول نعمة ووزير البيئة دميانوس قطّار. فعلى أي أساس تقوم خطّة إنقاذ اقتصادية لا يشارك فيها المعنيون ويقتصر فريق العمل على فريق محدد من الوزارات والأشخاص، كما على المستشارين المعجبين بنظريات صندوق النقد الدولي ومؤيديها، بما لا يمكن أن ينتج إلّا خطّة مشابهة لخطط العقود الماضية؟
ولدى معرفة الوزيرين، حب الله ومرتضى واحتجاجهما على الأمر لدى رئيس الحكومة، تقرّر أن ينعقد اجتماعٌ اليوم في السراي يحضره الوزيران واللجنة الوزارية التي صاغت الخطّة الأولى، قبل جلسة مجلس الوزراء. وكأن إعداد خطّة عمادها الصناعة والزراعة يُحلّ بفنجان قهوة في اجتماع صباحي مستعجل قبل جلسة حكومة تحمل طابع "المصيرية"!
حال قطاع الاتصالات ليس أفضل، مع إصرار الوزير طلال حوّاط على الحفاظ على تراث أسلافه وإبقاء شركتي الخلوي من دون تغيير أو استرداد للقطاع. واجتمع أمس رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النيابية حسين الحاج الحسن مع حواط، للبحث في موضوع استعادة الدولة لإدارة قطاع الاتصالات وتشغيله، بعد المعلومات عن اتخاذ حواط قراراً بالتجديد لشركتَي "أوراسكوم" و"زين" المُشغلتين لـ"ميك 1 – ألفا" و"ميك 2 – تاتش"، رغم عدم قانونية الخطوة. وحواط حسم توجّهه بطرح الموضوع على مجلس الوزراء، أملاً بالحصول على موافقة بقية الوزراء، لا سيّما مع الحديث عن تأمينه موافقة سياسية من عددٍ من القوى السياسية المؤثرة. وكان حواط قد قدّم الأسبوع الماضي "الخطة المستقبلية" للقطاع إلى رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب، والتي نشرت "الأخبار" أنّه شاركت في وضعها شركةَ "زين"، مُمثلة بالرئيس التنفيذي لشركة "تاتش" أيمري غوركان. هي الإشارة الثانية إلى وجود "اتفاق" بين حواط ونائب رئيس مجلس إدارة "زين" ورئيسها التنفيذي بدر الخرافي. ولا يُمكن اعتبار إصرار حواط على التجديد للشركتين مُنفصلاً عن علاقته بأحد طرَفي العقد.
بعد الاجتماع، تحدّث الحاج حسن إلى قناة "المنار"، مؤكداً أنّه لا يوجد أي فريق سياسي "مع التمديد للشركتين". وقال إنّ رأي اللجنة أنّه لا خيار أمام الدولة، ممثلة بوزارة الاتصالات، غير تسلم القطاع وإدارته "بانتظار إعداد دفتر شروط لإطلاق مناقصة"، طارحاً قضية "موظفي "ألفا" الذين لا يقبضون رواتبهم، ووجود موردين مثل باعة المازوت لمحطات شركة "ألفا" لا يقبضون مستحقاتهم، وأموال الدولة التي لا تُحوّل إلى الخزينة. وأكّدنا ضرورة المعالجة في أسرع وقت ممكن". في المقابل، أشار الحاج حسن إلى أنّه "لم أسمع من الوزير أنّه يريد التمديد، هو شرح المعوقات، وتناقشنا بالعمق في كلّ القضايا".
بعيداً عن الكلام العلني، تُفيد معلومات "الأخبار" بأنّ اللقاء "لم يكن إيجابياً"، فوزير الاتصالات "لم يكن واضحاً في طرح الملفّ"، وهو ما أجّج الشكوك في وجود "ضغوط خارجية" تُمارس عليه للسير بالتمديد. حججه هي نفسها: عدم القدرة على استعادة الإدارة في ظلّ أزمة "كورونا"، ووجود رواتب وتحويلات يجب أن تتمّ. فأداة الضغط الجديدة حالياً هي باستغلال حاجات الموظفين والموردين إلى السيولة، علماً بأنّه بحسب خبراء اتصالات "تستطيع الشركتين، أو وزارة الاتصالات، أن تُراسل مصرفَي عودة (تتعامل معه "ميك 2") وفرنسا بنك (تتعامل معه "ميك 1")، وتطلب في ظلّ الظروف الاستثنائية صرف المبالغ اللازمة. معروفٌ أين ستذهب هذه الأموال، كما أنّ هذا الإجراء عُمل به سابقاً حين كان ينتهي عقد الإدارة ويتأخّر التمديد".
• صحيفة "الجمهورية" عنونت:" لبنان يذكر الدول المانحة بأزمته ونصائح دولية باللجوء الى صندوق النقد" وكتبت تقول:" الحدث الذي تصدّر المشهد الداخلي في الساعات الماضية، كان الاجتماع الذي دعا اليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لممثلي دول مجموعة الدعم الدولية للبنان، والذي قدّم فيه عرضاً لواقع الحال اللبناني، في ظل أزمته الاقتصادية والمالية، وكذلك تأثيرات الازمة المتجددة جراء تفشّي وباء "كورونا"، وتقاطع معه رئيس الحكومة حسان دياب، الذي شخّص الازمة واسبابها، واعداً بإكمال العمل الإنقاذي وولادة قريبة للخطة الحكومة، ومعلناً انّ من أصل مجمل الإصلاحات التي تعهّدت بإجرائها حكومته خلال المئة يوم الأولى مشاريع قوانين أصبحت جاهزة للتصويت عليها في مجلس النواب.
الإجتماع مهمّ.. ولكن!
على أهمية هذا الإجتماع، وخلفيّة المبادرة الرئاسية الى عقده، والتي ترتكز على عرض صورة الواقع اللبناني وأسباب تفاقم الأزمة فيه، وبالتالي حَضّ دول مجموعة الدعم على فتح أبواب مساعداتها تجاه لبنان، إلّا أنّه في جوهره، قد لا يحقق المرجو منه، كما يؤكد خبراء إقتصاديون، حيث سجلوا عبر "الجمهورية" الملاحظات التالية:
- أولاً، من ناحية توقيته، فقد جاء هذا الإجتماع في الوقت الحرِج دولياً، وفي لحظة بدأ فيها العالم كلّه يشهد تراجعاً مريعاً، جرّاء تفشّي وباء "كورونا"، الذي أرخى سلبيّات كبرى على اقتصاد كل الدول، وخصوصاً تلك التي يراهن لبنان على تَلقّيه مساعداتها، فهذه السلبيات عدّلت في سلّم أولوياتها وبرامجها، وباتت منصرفة الى شؤونها الداخلية، ومع هذا التعديل يُخشى أن يصبح لبنان خارج دائرة الإهتمام الدولي.
- ثانياً، من ناحية المضمون، لم يقدّم لبنان جديداً، بل لم يكن الإجتماع سوى مناسبة تذكيرية بعمق الأزمة، تتوخّى التعجيل بمدّ لبنان بما يحتاجه من مساعدات.
- ثالثاً، لم يدخل لبنان الى هذا الإجتماع بكامل عدّته الإقناعية، إذ غاب المشروع الإقتصادي الإنقاذي الذي وعدت الحكومة بإنجازه ولم تفعل ذلك حتى الآن. وهو أمر سعى رئيس الحكومة الى استدراكه في بداية الإجتماع بوعد قَطعه بأنّ هذا البرنامج سيعلن قريباً، وهو حالياً في طور وضع اللمسات الأخيرة عليه.
- رابعاً، شكّل هذا الإجتماع مناسبة جديدة لدول المجموعة لتسجّل على لبنان التباطؤ والتأخر غير المبرر في انتهاج المنحى الإصلاحي الجدّي، وفي الإيفاء بما التزم به من خطوات إصلاحية، خلال الإجتماع الشهير لمجموعة الدعم في باريس قبل نحو سنتين، وخصوصاً تلك التي لم تترك دول مجموعة الدعم مناسبة إلّا وتوجّهت فيها بالدعوة الى لبنان للشروع في الإصلاحات المطلوبة، بدءاً بـ3 خطوات ملحّة: تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، والهيئة الناظمة لقطاع الإتصالات، والهيئة الناظمة للطيران المدني، الى جانب غيرها من الخطوات الإصلاحية والتعيينات، علماً انّ هذه التعيينات طيّرتها الخلافات السياسية قبل أيام، والى أجل غير مسمّى.
لمسنا تفهُّماً
وقالت مصادر وزارية شاركت في الإجتماع لـ"الجمهورية": إنّ الإجتماع فرصة لتأكيد موقف لبنان، وقد لمسنا تفهّماً كاملاً من قبل ممثلي دول مجموعة الدعم، واستعداداً لمساعدة لبنان، مع التأكيد مجدداً على لبنان في إحداث نقلة نوعية داخلية، عبر إجراء الإصلاحات المطلوبة ومكافحة الفساد واتخاذ الخطوات الضرورية لتعزيز ثقة المجتمع الدولي، وكذلك ثقة المستثمرين بلبنان، وهذه الثقة تشكّل المفتاح الأساس لتدفّق المساعدات الى لبنان".
وعن النتيجة التي خلص اليها الإجتماع، قالت المصادر: كان الإجتماع مهماً، ولكن لا نستطيع أن نقول أنّ باب المساعدات سيفتح في القريب العاجل، فهناك خطوات منتظرة من لبنان، إن على صعيد الخطوات الإصلاحية أو على صعيد ترسيخ الإستقرار السياسي فيه، إنما الأهمّ هو الوضع الحالي والأزمة الإقتصادية على صعيد العالم كله جرّاء فيروس كورونا، وما نخشاه هو أن يؤثر ذلك سلباً على لبنان.
أين البرنامج.. و"سيدر"؟
الى ذلك، علمت "الجمهورية" انّ جهات دوليّة عديدة، وجّهت في الآونة الأخيرة أسئلة إستفسارية عن برنامج الحكومة، فيما نسبت جهات سياسية لبنانيّة الى ما سمّتها "أجواء" ديبلوماسية غربية تفيد بأنّ تقديمات "سيدر" لبنان قد انتهت، ولم يعد لها وجود، لأسباب عدّة أهمّها تأخُّر برنامج الحكومة اللبنانية، وكذلك الأزمة الإقتصادية العميقة التي بدأت تجتاح العالم.
ونَفت مصادر وزارية هذا الأمر، وقالت لـ"الجمهورية": إنّ لبنان لم يتبلّغ شيئاً من هذا النوع، بل على العكس إنّ ما نسمعه من سفراء الدول المعنية بمؤتمر "سيدر" لا يؤشّر الى وجود أي تبديل في برنامجه حيال لبنان. بل يشدِّد على الإلتزام بمندرجاته، وهو الأمر الذي يضعه لبنان في رأس سلّم أولوياته في هذه المرحلة، على اعتبار أنّ الإفادة من تقديمات "سيدر" تشكّل أحد العناصر الأساسية المعوّل عليها لتجاوز الأزمة.
وفي سياق متصل، كشفت مصادر ديبلوماسية غربية لـ"الجمهورية" أنّ "نصائح متتالية ومتجدّدة تنقل الى الجانب اللبناني للتوجّه نحو صندوق النقد الدولي وطلب مساعدته". ويأتي ذلك في وقت ما يزال هذا الأمر محلّ انقسام بين اللبنانيين، حيث تعتبره فئة منهم فرصة للحصول على جرعات من النقد يحتاجها الإقتصاد اللبناني، والتي من دونها لا يستعيد لبنان عافيته، فيما تخشى فئة أخرى، يتقدّمها الثنائي الشيعي، من أن تشكّل مساعدة صندوق النقد الدولي للبنان مدخلاً لوضعه تحت وصاية الصندوق تزيد معاناة الشعب اللبناني، عبر شروط قاسية وفرض ضرائب جديدة".
وبحسب المصادر فإنّ العديد من سفراء الدول الغربية، أكدوا على هذه النصائح أمام كبار المسؤولين اللبنانيين، على اعتبار أنّ اللجوء الى صندوق النقد الدولي، هو حاليّاً الخيار الوحيد المُتاح أمام لبنان، وأنّ الجانب اللبناني مرحّب بهذه النصائح، ولكن من دون أن يشير الى قرار واضح حيال هذا الأمر.
وعُلم في هذا الإطار أنّ لبنان تلقّى إشارات أمميّة، وفرنسية وألمانية وكنديّة بهذا المعنى، على اعتبار أنّ اللجوء الى صندوق النقد من شأنه أن يرتدّ بفائدة ملموسة على لبنان، ليس من الصندوق فحسب، بل من الدول الغربية تحديداً، التي يشجّعها لجوء لبنان الى صندوق النقد على التعامل معه بفعالية وإيجابية أكبر ممّا هي عليه في وضعه الحالي.
وعلمت "الجمهورية" انّ الموقف الأميركي يندرج في هذا السياق أيضاً، حيث عكسته السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، في لقائها الأخير مع وزير المال غازي وزنة، حيث كان الوضع الإقتصادي في لبنان محور اللقاء، إستوضَحت خلاله السفيرة الأميركية عن البرنامج الإقتصادي للحكومة، وأكدت في الوقت نفسه أنّ من مصلحة لبنان التوجّه نحو صندوق النقد، وأن يبادر الى تقديم برنامجه الإقتصادي للصندوق، وهو أمر ضروري ومُلحّ، لافتة الى أنّ المساعدات للبنان يمكن أن تأتي عبر صندوق النقد، ولكن قبل ذلك ينبغي على لبنان أن يقدّم برنامجه، الذي على أساسه تتحدّد كيفية مَدّ يد المساعدة للبنان"، علماً أنّ موقف واشنطن المُعلن من مساعدة لبنان مرتبط بتنفيذ مجموعة خطوات، أهمها إجراء الإصلاحات ومكافحة الفساد والنأي بالنفس.
وسألت "الجمهورية" مصادر مسؤولة في وزارة المال حول موقف لبنان من التوجّه الى صندوق النقد، فقالت: "التوجّه الى الصندوق مطروح، إنما لا قرار في شأن ذلك حتى الآن. وسبق لوزير المال أن أكّد أنه في حال تقرّر التوجّه الى الصندوق، سيتم ذلك وفق شروط لبنان، وعلى أساس التفاوض على أحسن الشروط التي تفيد الدولة اللبنانية".
السندات
على الضفة الأخرى من الأولويات اللبنانية، يتربّع ملف سندات "اليوروبوندز"، كمادة ساخنة وأولى للبحث مع الدائنين. وبحسب مصادر وزارية معنية بهذا الملف، فإنّ موقف لبنان من تعليق دفع السندات لقي تفهّماً دولياً، وعبّر عن ذلك صراحة بعض سفراء مجموعة الدعم، يضاف الى ذلك "التقييم الإيجابي" الذي عبّر عنه الدائنون، للعرض الذي قدّمه وزنة، قبل أيام عبر الإنترنت، للظروف التي أحاطت بالموقف اللبناني، وبرنامج عمل الحكومة اللبنانية حيال هذا الأمر في المرحلة المقبلة.
وفي هذا الإطار، أعربت المصادر الوزارية عن تفاؤل ملحوظ حيال إمكان التوصّل في المدى المنظور، الى حلول مرضية للبنان وللدائنين في آن معاً. وثمة إشارات مريحة تلقّاها لبنان على هذا الصعيد. وفي هذا الإطار علمت "الجمهورية" أنّ النقاش الأول بين وزارة المال والدائنين، ستكون له جولة ثانية مكمّلة له في وقت ليس بعيداً.
مبادرات ملموسة
وفي سياق الوعد الجديد لرئيس الحكومة بولادة قريبة لخطتها، قالت مصادر حكومية لـ"الجمهورية": إنّ أولوية مواجهة "كورونا" لم تشكّل عاملاً معطّلاً لتوجّه الحكومة نحو إجراء المعالجات المطلوبة للأزمة الإقتصادية والمالية، والأسابيع القليلة المقبلة ستشهد جملة مبادرات ملموسة، وفق برنامج واضح للحكومة، وبخطوات تنفيذية ومترجمة لإسمها: حكومة مواجهة التحديات".
ورداً على سؤال، قالت المصادر: إنّ الحكومة محصّنة أمام سيل الإفتراءات عليها من قبل بعض الأطراف المتضررة من المنحى الإنقاذي والإصلاحي الذي تسلكه، وذلك لن يؤثر عليها بل يزيدها تصميماً على الإستمرار في نهجها لإنقاذ البلد ووقف معاناته ممّا خلّفته الحقبات السابقة من تراكمات أدخلت لبنان في الأزمة الخانقة التي يعانيها. علماً أنّ رئيس الحكومة، ومع إدراكه لحجم المهمة الصعبة المُلقاة على عاتق الحكومة، أكد أنّ حكومته ستخوض التحدّي، محدِّداً الشرط الأساس لتحقيق هدف الإنقاذ وهو تجاوز الإنقسام الداخلي، وإلتفاف كل القوى السياسية حول هذه المهمة الإنقاذية، والشراكة الكاملة فيها، وعدم إدخالها في بازار الإستثمار والمصالح السياسية على حساب البلد، إلّا أنّ البعض مُصرّ، مع الأسف، على أن يكون خارج هذه الشراكة. ومن هذه الخلفية تأتي المواقف الهجومية على الحكومة من قبل فئة تريد لها الفشل، وللأزمة البقاء على تفاقمها.
وحول التعيينات المالية قالت المصادر: إنّ رئيس الحكومة حَدّد في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، خريطة الطريق لإتمامها وفق معيار الكفاءة والجدارة والنزاهة، بعيداً من منطق المحاصصات والمحسوبيات، وثمّة آلية جديدة ستوضَع في القريب العاجل، وعلى أساسها ستصدر التعيينات المالية، وذلك سيكون الركيزة التي سيتم الإستناد إليها في غيرها من التعيينات الإدارية.