منوعات

ازمة المستلزمات الطبية تهدد بانهيار المستشفيات والقطاع الصحي


 

بدأت أزمة المستلزمات الطبية منذ شهر نيسان من العام 2019 عندما امتنعت بعض البنوك عن توفير العملة الصّعبة من أجل الإستيراد من الخارج. وتفاقمت هذه الأزمة في شهر أيلول تحديداً مع توقُّف كُلّي لجميع البنوك ولجميع الشّركات عن تأمين العملة الصّعبة وتحديداً الدولار، للإستيراد من الخارج وتحديداً للقطاع الطّبي.
يقول نائب رئيس نقابة مستوردي الاجهزة والمستلزمات الطبية في لبنان المهندس هادي البساط "إن الشركات المستوردة للمستلزمات والأجهزة الطّبيّة  اجتمعت في ضوء هذه الأزمة ،وطالبت الرئاسات الثلاث وحاكم مصرف لبنان بالتّدخل الفوري ،لأن مخزون هذه المستلزمات الطّبيّة أصبح في شحٍّ هائل، إلّا أنّه إِتُّخِذ القرار بدعم المشتقات النّفطيّة والقمح والدّواء دون دعم المستلزمات الطبيّة ما زاد من تفاقم هذه الأزمة ،وأدّى إلى شح في المستلزمات الطّبية عند المستشفيات عموماً. إلّا أنّه وبعد جهد جميع الجهات المعنيّة وخصوصاً نقابة مستوردي الأجهزة والمستلزمات الطّبيّة، تمّ الإتفاق مع حاكم مصرف لبنان على دعم المستلزمات الطبيّة في شهر تشرين الثاني،لكن هذا الإتّفاق وهذا التّعميم الذي صدر من المصرف المركزي لم يكن له في حينه آلية تطبيقيّة واضحة ،فأصبح إنتقاء المستلزمات المدعومة يخضع لإنتقائية غير واضحة والفواتير المدعومة والتي يجب دفعها إلى الخارج أصبحت أيضاً تخضع لإنتقائيّة معيّنة.
على سبيل المثال فقد توقف المصرف المركزي حالياً عن دعم الفواتير التي يعود تاريخ إصدارها إلى ما قبل شهر أيلول 2019 ما يزيد من تفاقم الوضع ،إذْ أنّ الشركات المصنِّعة في الخارج ساعدت وتحمّلت وكلاءها المحليّين بتسهيلات دفع طويلة الأمد وذلك لمساعدتهم على تحمّل تأخّر المستشفيات اللّبنانيّة بالدفع خلال عام 2019 ولتأخّر الدولة اللّبنانية في تسليم مستحقّات المستشفيات خلال ذلك العام، وللأسف فإن القرار الذي إتّخذه المصرف المركزي حالياً يعاقب هذه الشركات التي كانت الداعم الرّئيسي لتمويل القطاع الصحّي في ال 2019 ،وبالتالي دعم هذه الفواتير يؤدي إلى توقّف شركات في الخارج في تسليم بضائع جديدة إلّا في حين تسليم أو دفع مستحقاتها القديمة.
من ناحيةٍ أخرى أصدر وزير الإقتصاد ورئيس مجلس الوزراء تعميماً طلبا بموجبه من حاكم مصرف لبنان أن يحدّد المواد التي يجب دعمها لجائحة كورونا ،وكانت تتضمّن ٨٠ مادّةً، إلّا أنّه للأسف رفض المصرف المركزي الإلتزام بهذه اللّوائح وقام بدعم مادّة واحدة فقط وهي جهاز التّنفس الإصطناعي ،أمّا باقي المواد المتعلّقة بالكورونا فلم يتم دعمها ،وعلى سبيل المثال كل الفحوصات المخبرية  وكل الماسكات المتعلّقة بكورونا. أضف إلى ذلك إنّ تعميم المصرف المركزي لا يلحق الأجهزة وقطع الغيار الطبية ،وبذلك يتجاهل طبيعة العمل الطبي الذي يُعتَبَر مترابطاً ،إذْ أنك لا يمكن أن تقوم بزراعة روسور للقلب دون إستخدام جهاز الأشعة أو التمييل الذي هو جهاز ولديه قطع غَيار ويحتاجها لإستمرارية العمل الطبي،وأيضاً إنّ العمل الطبي إن كان مخبرياً او عن طريق الأشعة أو حتى العملية الجراحية لها تسعيرة واضحة من قِبل الجهات الضامنة في لبنان، وبالتالي إنّ عدم دعم قطع الغيار سيؤثر بشكل مخيف على تسعيرة هذه الفحوصات أو العمليات الجراحية، إذْ أن قطع الغيار سوف تكلّف المستشفى أكثر من ثمن الجهاز نفسه في حال أي عطل في هذا الموضوع.
أمّا بالأرقام فقد تمّ الإتفاق مع المصرف المركزي ووزارة الصحة ونقابة المستشفيات ونقابة المستوردين للأجهزة والمستلزمات الطبية أن يكون الدعم بحدود العشرين مليون دولار شهرياً لهذا القطاع، إلّا أنّه منذ تسعة أشهر لم تتجاوز  قيمة الدعم خمسين مليون دولار مقابل مئة وثمانين مليون دولار، أي ما يقل عن 30% من القيمة المُتَّفق عليها أساساً. وهذا ينذر ب:
أولاً : عدم وجود مستهلكات ومستلزمات طبية كافية لإجراء العمليات الجراحية.
ثانياً: ينذر إنحدار المستوى الطّبي، إذ سوف تلجأ المستشفيات إلى استخدام المواد ذات الإستهلاك الأحادي وتقوم بإعادة تعقيمها وإستهلاكها لأكثر من مريض، وربما أيضاً تتّجه المستشفيات نحو البضائع الأقل جودة والأرخص وربما المساومة على جودة ونوعية العمل الطبي الذي لطالما تغنّى به اللبنانيون وتغنّى به القطاع الصّحي في لبنان أمام المنطقة.
إنّ تعميم المصرف المركزي المتعلّق بدعم المستلزمات الطبيّة لا توجد آلية تطبيق واضحة له.وعلى سبيل المثال فإنّ العديد من المصارف لا يزال يرفض كلياً تنفيذ هذا التعميم لجميع الشركات، كما توجد مصارف أخرى ترفض تنفيذ التعميم بعض الشركات وتقبل للبعض الآخر ،وذلك يخضع للعلاقة التجارية بين الشركة والمصرف. هذا من ناحية المصارف،أمّا من ناحية المصرف المركزي فليس هنالك لائحة أو قائمة للمواد المدعومة. قد يقوم المصرف المركزي برفض الكثير من المستلزمات الطبية  كأفلام الأشعة، جهاز القوقعة الذي يساعد مرضى السمع والنطق إضافة الى العديد من المواد الأخرى .ورغم كل هذه العراقيل ورغم كل ما تقدّم فقد تعهدت نقابة مستوردي المستلزمات والأجهزة الطبية بأن تقوم بالقبض من المستشفيات حسب تعميم المصرف المركزي، أي أنها ستقوم بقبض فواتيرها 85% حسب سعر الصرف الرسمي ،و15% حسب سعر صرف السوق، وعليه وضعت النقابة جميع الشركات تحت طائلة مسؤولية الملاحقة القانونية في حال تبيّن أنّ أي شركة تقوم بالإستفادة من تعميم المصرف المركزي ولا تقوم بتنفيذه من جهة المستشفيات، إلا أنّ بعض المستشفيات وللأسف يقوم بإستغلال هذا الأمر ورغم أنها تقوم بشراء مواد حسب تعميم المصرف المركزي، أي 85%حسب سعر الصرف الرسمي و 15%حسب سعر صرف السوق ،إلّا أنها تقوم بالطلب من المريض دفع 100% حسب سعر صرف السوق، ولذلك تمّ الطلب من نقابة المستشفيات اتخاذ إجراءات مماثلة للتحقيق مع كل مستشفى يقوم بإستغلال هذا الموضوع. علماً أنه رغم تنفيذ التعميم من قِبل الشركات المستوردة والمستشفيات فإنّ فارق السعر الناتج عن تأمين 15% من سوق الصيرفة يترتّب بفارق سعر 26%حالياً، وهذا الرقم قد يزيد أو ينقص حسب سعر صرف السوق.
أما الأزمة الكبرى فتكمن في قيمة مستحقات الشركات لدى المستشفيات والتي يفوق متوسط عمرها أكثر من 18 شهراً، إذ أنّ الشركات كانت في الماضي تقوم بتمويل القطاع الصّحّي لعدم قيام الدولة اللبنانية بدفع مستحقاتها للمستشفيات وبالتالي للشركات المصنِّعة في الخارج، إلا أنّ وقف التسهيلات المصرفية في لبنان وتخفيض التصنيف الإئتماني للدولة اللبنانية وعدم إمكانية إستخدام الأموال الموجودة في المصارف التابعة للشركات من أجل إستيراد المواد الطبيّة يزيد من الضغط المالي على هذه الشركات التي لم تعد تستطيع تمويل عملها ولا حتى تستطيع أن تستمر بمنح المستشفيات هذه التسهيلات، وأنّه على الدولة اللّبنانية وعلى المستشفيات إيجاد حلول جذرية لتسديد مستحقات الشركات التي لديها إلتزامات مع الخارج لا تستطيع التّخلّف عنها بعكس إلتزامات المستشفيات والتي يُعتبَر دينُها داخلي ويمكن المفاوضة عليه، إلّا أنّ دين الشركات فهو خارجي مقابل ضمانات مالية ضخمة لا يمكن المفاوضة عليها بعد الآن ،ما يُنذر بإنهيار الشركات المستورِدة وبالتالي ضرب القطاع الصّحّي كاملاً من خلال عدم تأمين البضائع ذات الجودة كما تعوّد القطاع الصّحّي في لبنان.
أمّا في ما يخص الشركات الملتزمة القبض حسب تعميم المصرف المركزي ،وهو 85% حسب سعر الصرف الرسمي و 15% حسب سعر صرف السوق لجميع المواد الخاضعة لتعميم المصرف المركزي فإن هناك العديد من المواد والعديد من الشركات لم تستطع الإستفادة من تعميم المصرف المركزي للأسباب التي ذكرتها سابقاً، وبالتالي  تضطر أن تطلب  ثمن البضائع حسب سعرف صرف السوق.
إضافة الى ذلك فإن تأمين 15% من قيمة الفاتورة حسب سعر صرف السوق، يؤثر على مُجمَل الفاتورة بحوالي 26-27% إذا ما اعتبرنا سعر صرف السوق  4200L.L وإذا ازدادت تزداد قيمة الفاتورة واذا انخفضت تنخفض قيمة الفاتورة، وهذا للمواد الخاضعة للتعميم وللشركات التي إستطاعت أن تنفّذ التعميم ،وللأسف ليست كل الشركات إستطاعت تنفيذ التعميم وليست كل المواد خاضعة للتعميم.
معظم الشركات خففت حجم أعمالها وخفّضت من عدد موظفيها وربما الأجور ،لأنها ليس لها القدرة على تمويل هذا القطاع ولا على تحمّل مخاطر قيمة المستحقّات الموجودة في السوق، ومن ناحية أخرى بخصوص كيفية تسعير المستشفيات نحن كنقابة مستوردين وضعنا خطا ساخنا مع Email وWebsite للتبليغ عن أي شكوى بخصوص أي تسعير قد يكون غير منطقي أو غير عقلاني، وبالتالي ستقوم النقابة بالتحقيق بمساعدة المصرف المركزي ووزارة الصحة للتبيان إذا ما كانت الشركة والمادة يقوم بدعمها المصرف المركزي ،وفي حال تبيّن عكس ذلك سيتم إتخاذ الإجراءات المناسبة بحق الشركة التي تتلاعب بهذا الموضوع. وطلبنا من نقابة المستشفيات تحمّل مسؤولية هذا الموضوع وملاحقة أي مستشفى تتلاعب بالأسعار في حال كانت تشتري بحسب دعم المصرف المركزي. وفي حال تبيّن أن المستشفى تشتري حسب التعميم، ولكن تخبر المريض أنها غير مستفيدة من التعميم أو من الشركة التي إستفادت من التعميم يجب ملاحقتها أيضاً.
أمّا بالنسبة للمستقبل فمن المؤكد أنه سوف تواجهنا صعوبات كبيرة خاصّةً مع إزدياد الشّح بالدولار وارتفاع جنوني آخر له، فمن الطبيعي والمؤكد أنّ المواطن اللبناني سوف يتأثّر به شئنا أم أبينا ،وقد نشهد إنهيار القطاع الصّحيّ كاملاً وإنهيار المستشفيات وإنهيار الشركات معها لأنّها لن تستطيع الصمود مع كل هذه الضغوط التي نعيشها.


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى