دولياتسياسةصحف

فوضى لوس أنجلوس تتوسّع: المهاجرون في عين العاصفة «الترامبيّة»

 

 الحوارنيوز – دوليات

 تحت هذا العنوان كتب خضر خروبي في صحيفة الأخبار:

 

على وقع استمرار الاحتجاجات في مدينة لوس أنجلس لليوم الخامس على التوالي، تنديداً بسياسات الهجرة، ومطالبةً بانسحاب قوات «الحرس الوطني»، وفي موازاة توسّع رقعة تلك الاحتجاجات نحو مدن جديدة، مثل سان فرانسيسكو ودالاس وكنتاكي، استمرّ السجال السياسي والدستوري بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومعسكر الديمقراطيّين، ولا سيّما السلطات المحلّية لولاية كاليفورنيا التي اتّهمت ترامب بتأجيج الوضع منذ قفزه فوق الصلاحيات الأمنية للولاية.

حرب صلاحيات ومصطلحات

مع تواتر أنباء حول انتقاد عددٍ من قدامى القوات المسلّحة لنهج الحكومة الفدرالية في التعامل مع الأزمة، ومن وجوهه استدعاء نحو 700 من «مشاة البحرية» لقمع الاحتجاجات، واعتبارهم ذلك بمثابة «إساءة استخدام للسلطة»، دأب مسؤولو إدارة ترامب، خلال الساعات الأخيرة، على تبرير قرار البيت الأبيض الاستعانة بالمئات من قوات من «مشاة البحرية» (المارينز) وقرابة 4 آلاف من «الحرس الوطني» لقمع التظاهرات، وفي طليعتهم وزير الدفاع، بيت هيغسيث، الذي قال إنّ «علينا الالتزام بالدفاع عن ضبّاط إنفاذ القانون الفدراليّين حتى لو لم يفعل (حاكم ولاية كاليفورنيا) غافين نيوسوم ذلك»، في حين شدّدت وزارة الداخلية الأميركية على أنّ «الولايات المتحدة دولة قانون»، متعهّدة بـ«محاكمة المخالفين».

كما اعتبرت أنّه «يتعين على السياسيّين المحلّيّين في كاليفورنيا إيقاف حشود الشغب التابعة لهم في لوس أنجلوس»، مدّعيةً وجود «متظاهرين تقاضوا أموالاً للتحريض على العنف». ومن جهته، أعلن ترامب أنّه قد ينشر المزيد من قوات «الحرس الوطني» في أماكن الاحتجاجات إذا استدعت الضرورة، مؤكّداً أنه لا يريد «حرباً أهلية».

وفي المقابل، استنكر نيوسوم، الذي أكّد في وقت سابق عزمه رفع دعوى قضائية ضد ترامب بدعوى «إساءة استخدام السلطة»، دخول قوات «المارينز» و«الحرس الوطني» إلى المدينة، معتبراً أنّ ذلك يعكس «خيالاً مضطرباً لرئيس ديكتاتوري»، وعادّاً إياه «أمراً لا يتعلّق بالسلامة العامة»، بقدر ما هو «تهوّر لا طائل منه»، و«عدم احترام لجنودنا». أيضاً، ندّد رئيس شرطة لوس أنجلوس بالخطوة، قائلاً «إننا الجهة المسؤولة عن حماية المدينة»، وداعياً إلى إنشاء «قنوات اتّصال مفتوحة بين جميع الوكالات لمنع أي ارتباك وتجنّب التصعيد».

«أميركا لم تعد دولة مستقرة»

وفي معرض تعليقها على الأحداث، أشارت صحيفة «فايننشال تايمز» إلى أنّ القبضة الأمنية التي تتعامل بها الإدارة الأميركية مع احتجاجات لوس أنجلوس تحمل بصمات نائب رئيس طاقم الموظّفين في البيت الأبيض، ستيفن ميلر، صاحب الرؤية المتشدّدة بخصوص المهاجرين، والذي مادام دعا إلى ما سمّاه «ترحيل الغزاة، أو الاستسلام للتمرّد».

ووصفت الصحيفة ميلر بأنه «مهندس سياسة دونالد ترامب المتشدّدة تجاه الهجرة»، مشيرة إلى أنه، وهو الذي سبق أن أعلن ترامب نيّته بتعيينه في منصب مستشار الأمن القومي، «يملك مخطّطاً لتنفيذ تعهدات رئيسه» حيال المهاجرين، مضيفة أنّ قرار البيت الأبيض إرسال قوات الجيش و«الحرس الوطني» إلى لوس أنجلوس يشكّل «اختباراً لحدود سلطات ترامب الرئاسية على حساب الكونغرس والولايات»، من جهة، و«استعداده لوضع البلاد على شفير الحرب»، من جهة ثانية، من أجل أهدافه السياسية، علماً أنّ هذه هي المرة الأولى منذ عهد الرئيس ليندون جونسون في ستينيّات القرن الماضي، التي تُنشر فيها قوات من الجيش ضدّ مواطنين أميركيّين، خلافاً لرغبات سلطات الولاية المعنيّة، وذلك بموجب قانون خاص بحالات مثل الدفاع في وجه عدوان خارجي، أو خطر وقوع تمرّد داخلي. ولفتت الصحيفة إلى أنّ طريقة تعامل البيت الأبيض مع أزمة لوس أنجلوس لم تلقَ «معارضة حقيقية» من قبل أعضاء الإدارة، أو الجمهوريّين في الكونغرس، خلافاً لما كان عليه الحال إبّان ولاية ترامب الأولى، حين رفض وزير الدفاع آنذاك، مارك إسبر، إرسال الجيش لقمع ناشطي «حركة السود مهمّة».

«أميركا لم تعد دولة مستقرّة، وحالها يزداد تدهوراً يوماً بعد يوم»

واعتبرت «فايننشال تايمز» أنّ تعامل أركان الإدارة مع الاحتجاجات بوصفها «غزواً لمجرمين غير شرعيّين»، بات «يأخذ، وعلى نحو متزايد، طابع التحدّي لدستور الولايات المتحدّة والأعراف السياسية المعمول بها» في البلاد، مبيّنة أنّ تلك التصرفات «أعطت لمحة مقلقة عن نوع التكتيكات التي قد تكون الإدارة مستعدّة لاستخدامها بعد ذلك» حيال أي حركة معارضة. وأشارت إلى أنّ خطوة ترامب تُعدّ «الأحدث» من سلسلة خطوات ترمي إلى «إجبار الولايات الديمقراطية، وخصوصاً كاليفورنيا، على اتّباع مراسيم الحكومة الفدرالية» في عدد من المسائل، كالهجرة، ومن بينها التهديد بوقف برامج الدعم المالي الفدرالي لولاية كاليفورنيا، وفتح تحقيق مع كبار قيادات الديمقراطيّين في قضايا مختلفة.

وفي هذا السياق، رأى أستاذ الإدارة الحكومية في «جامعة هارفرد»، ريان إينوس، أنّ نشر «الحرس الوطني» في ثاني أكبر مدينة أميركية، والتي تحمل طابعاً ليبرالياً إلى حدّ كبير، «كان بمثابة استعراض واضح وفظّ للقوة». أمّا ديفيد بير، الذي يشغل منصب مدير دراسات الهجرة في «معهد كاتو» (وهو مركز أبحاث ليبرالي)، فاعتبر أنّه «من الواضح أنّ مسؤولي الإدارة يدركون أنّ عمليات الترحيل الجماعي ستُحدث اضطراباً هائلاً داخل المدن التي يقطنها عدد كبير من المهاجرين»، جازماً أنّ هؤلاء المسؤولين «كانوا يتوقّعون ويأملون تماماً في هذا النوع من ردّ الفعل، لأنه يصبّ في مصلحتهم السياسية، ويُبرّر بشكل أكبر سياسة الترحيل الجماعي وغيرها من الأساليب للاستيلاء على السلطة».

وفي الإطار نفسه، قال الدبلوماسي الأميركي السابق، آندرو وينشتاين، إنّ «التسييس غير المسبوق للجيش، والاستعجال في ترحيل الأجانب من دون مراعاة الإجراءات القانونية المطلوبة، في موازاة شنّ حملة على مؤسّسات التعليم العالي بذريعة مكافحة معاداة الساميّة، كلها إجراءات تندرج ضمن استراتيجية أوسع لإضعاف أسس ديمقراطيّتنا، وتعزيز أجندة استبدادية».

ومع ذلك، أظهر استطلاع للرأي أجرته شركة «YouGov» لحساب شبكة «سي بي إس»، أنّ نحو 54 في المئة من الأميركيّين يؤيّدون أسلوب ترامب في معالجة الوضع في لوس أنجلوس، وإن كانت نسبة أقل أظهرت تأييدها لاعتقال من أسمتهم «المجرمين غير الخطرين»، في إشارة إلى معارضتها الأسلوب العشوائي المتّبع في ملاحقة المتظاهرين.

وبدورها، ذهبت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أنّ قرارات ترامب الأخيرة «تستند إلى ذرائع واهية، ومن شأنها خلق الفوضى التي زُعم أنّ تلك الأوامر صدرت لمنعها». وتساءلت الصحيفة: «من الجهة التي سُخّر لأجلها الجيش؟ أهي الشعب الأميركي، أم الأجندة السياسية للرئيس؟»، معقّبة بأنّ «ثمّة ضمانة قوية بأنّ الحلّ لن يكون في سيادة القانون أو مراعاة القيم أو الأعراف (الأميركية) الراسخة»، ومضيفة أنّ «الأمر سيتلخّص، كما جرت العادة مع هذه الإدارة، بما يخدم مصالح الرئيس ودوافعه». واستدركت بأنّه «من السابق لأوانه إعلان أزمة دستورية»، رغم تأكيدها أنّ «أميركا لم تعد دولة مستقرّة، وحالها يزداد تدهوراً يوماً بعد يوم».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى