ثقافةكتاب

“طريق الشمس” رواية د.عبد المجيد زراقط:درب العشق للجنوب والمقاومة(محمد هاني شقير)

كتب محمد هاني شقير*
عبد المجيد زراقط باحث وناقد أدبي ، وقاص يكتب القصة القصيرة ، والأدب الموجه للأطفال ، وروائي ، وله ، في هذه الأنواع الكتابية مؤلفات كثيرة . مرجع كتاباته القصصية والروائية هو لبنان الجنوبي ( جبل عامل تاريخياً ) . هذا الجبل اللبناني ، الواقع على حدود فلسطين المحتلة ، معروف بأمرين : أولهما بأنه جبل الشعراء والعلماء ، وثانيهما أنه الجبل المقاوم للغزاة ، وخصوصا مقاومة المنتدب الفرنسي ، في أوائل القرن العشرين ، والعدو الاسرائيل ، منذ أن احتل فلسطين ، وأقام كيانه الاستيطاني فيها . وهو ، في مقاومته هذه يعيد سيرة المقاومة الجزائرية التي مثلت القدوة لرواد الحرية والاستقلال ، ليس في الوطن العربي ، وانما في جميع أقطار العالم
رواية زراقط ، ” طريق الشمس ” الصادرة مؤخراً ، عن دار البيان العربي ، في بيروت ، وهي الرواية الرابعة ، بعد ” اَفاق بو علي ” ، و” الهجرة في ليل الرحيل ” ، وطاحونة الذئاب ” ، تصدر عن الحياة في هذا الجبل ، بوصفها مرجعاً يتمثله الروائي ، ويمثله نصاً روائياً يرى اليه من عدة منظورات روائية .
تبدأ الرواية بتصدير ، يمثل عتبتها ، يفيد أنَّ “طريق الشمس”، وهو عنوان الرواية ، هي طريق الحياة التي تهبها الشمس للناس ، فينعمون بدفئها وضوئها وعطائها الذي لايحد . وهي طريق الحق التي تظهر عندما يقرر المرء السفر الى الحبيب ، ولا يستوحشها لقلة سالكيها . واذ يدرك وعورتها، يدرك ، في الوقت نفسه، أنَّ الفجر لا يأتي الا من طريق الليل، كما أنها طريق الشوق والشوق اللذين يساويان العشق، بوصفه فضاء العيش الحقيقي، أو الفناء في الاَخر.
طريق الحق / العشق هذه هي طريق الشمس، وهي نقيض “عدوِّ الشمس “، المتمثل ، في الرواية ، في العدو الاسرائيلي المحتل ، وفي عملائه، وفي كل من يقطع طريق الحياة / طريق الشمس على سالكيها.
تجري أحداث الرواية بين قرية تقع على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وبين بيروت ، في اَونة من الزمن تلت هزيمة ١٩٦٧، وعرفت قيام المقاومة الفلسطينية ، وتوقيع الحكومة اللبنانية معها اتفاق القاهرة الذي يسمح للمقاومة بالعمل من الأراضي اللبنانية الحدودية . واذ حدث هذا وقع المواطنون الجنوبيون ، في قراهم وبلداتهم ، المحرومة المهمشة ، فريسة اعتداءات العدو الاسرائيلي الوحشية ، في غياب أي مقومات للدفاع والصمود .
كما عرفت هذه الاَونة صراعًا حادًا بين اليسار واليمين اللبنانيين ، وكان اليسار اللبناني ، بمختلف منظماته، ناشطًا بفاعلية في لبنان، وبخاصة في المنطقة الحدودية ، وكان لديه مشروع للتغيير، وبناء دولة قوية عادلة.
في هذا الفضاء المكاني الزماني ، تجري أحداث هذه الرواية ، والحدث الأساس فيها ، قصة حب الشخصيتين الرئيسيتين فيها : كمال الساهر ومنى الرشيد، وهما ينتميان الى طائفتين مختلفتين دينياً، هو مسلم وهي مسيحية. هو يساري ذو فكر نقدي، وهي كذلك، يجمعهما الحب ووعي الواقع المعيش، ومعرفة الطريق الموصل الى بناء وطن نام وناهض وأسرة صالحة، وقد عبَّرا عن ذلك بأنهما يسعيان الى تعويض فقد الوطن / فلسطين، وتعويض الفقد في الوطن / الديمقراطية والتنمية والعدالة… .
تواجه الحبيبين صعوبات كثيرة، أبرزها العدو الاسرائيلي وعملاؤه، والاقطاع السياسي وأتباعه ، والمخابرات العسكرية، غير أنهما يتمكنان وشخصيات أخرى من المضي في طريقهما، مقررين تحقيق أهدافهما، تساعدهما شخصيات أخرى . وهما، اذ يقاومان ، انما يواصلان طريقًا شقها الأجداد، منذ قديم الزمان، عندما قاوموا الغزاة، ومنهم الصليبيون الذين لم يبق منهم الا اَثارهم الدالة على هزائمهم .
تتخذ الرواية بنية دائرية ، اذ تبدأ مما قبل النهاية، فيخرج كمال من منزله بعد أن يعلم بأن جيش العدو الاسرائيلي يجتاح المنطقة ، ليجتمع ب” الشباب ” ، بغية الاعداد للمقاومة ، وتنتهي باستدعاء سرحان ذيب، العميل الاسرائيلي، لسميح صافي، صديق كمال، ليسأله عن هذا الأخير، وذلك بعد أن بدأت المقاومة عملياتها، واحداها تحمل لمسات كمال، اذ ان المقاومين كتبوا شعارًا عن سرحان العميل لا يعرف دلالته الا كمال.
بين البداية والنهاية تجري أحداث الرواية في مسار روائي متكسر بالاسترجاع والاستباق، متقطع بانتظام قصص، تبدو مستقلة ، وهي منتظمة في المسار الروائي فتنمِّي المسار الروائي، وتسهم في بناء الشخصيات وانتاج الدلالة.
يتعدد الرواة، في هذه الرواية ، ما يجعلها رواية “بوليفونية “، متعددة الأصوات ، وتاليًا متعددة المنظورات الروائية، ما يفضي الى كشف متعدد الاضاءات ناطق بالدلالة.
رواية “طريق الشمس” رواية ذات بنية روائية جديدة ، تروي حكاية الفجر الذي لايأتي الا من طريق الليل ، بلغة سهلة متينة البناء ، تقرب ، في حالات كثيرة من الشعرية .

*بالتزامن مع صحيفة “الراهن” الثقافية الجزائرية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى