إقتصادمصارف

سياسة الترقيع المستمرة ترمي الكرة على مصرف لبنان (عماد عكوش)

 

بقلم د. عماد عكوش – الحوار نيوز

أصدر مصرف لبنان التعميم 166 الاساسي بموجب القرار الأساسي رقم 13611 ،وبعد اجتماع المجلس المركزي بتاريخ 2 شباط 2024 ، ويتعلق هذا القرار بالاجراءات الاستثنائية لعملية تسديد الودائع بالعملات الاجنبية التي تكونت بعد تاريخ 31 تشرين اول 2019 ، بعد ان كان قد عالج الودائع التي كانت مكونة قبل هذا التاريخ بموجب التعميم رقم 158 .

ان اصرار السلطتين التشريعية والتنفيذية على الهروب من مسؤولياتهما عبر اقرار قانون الكابيتال كونترول، والذي طال الوقت في عدم اقراره والذي من المفترض ان يعالج كل المواضيع المتعلقة بالودائع وينظم العلاقة ما بين مصرف لبنان ، المصارف التجارية ، والمودعين ، لكن المؤسف ان الحكومات المتعاقبة منذ بداية الازمة كما المجلس النيابي قصّرا في هذا الموضوع ورميا الكرة والمسؤولية على مصرف لبنان الذي فشل في المرحلة السابقة في ايجاد العلاج المطلوب لتنظيم هذه العلاقة .

اليوم تصر السلطة السياسية على الترقيع من خلال مصرف لبنان عبر اصدار تعاميم جديدة تنظم عملية السحوبات من الودائع ، كما تترك القطاع المصرفي دون أي معالجة، حيث ان ما يحصل في لبنان لم يحصل في العالم عبر التاريخ . فاغلاق القطاع المصرفي بشكل شبه كامل لمدة تزيد عن أربع سنوات لم يحصل في أي دولة في العالم ، كما لم يحصل في العالم الحديث ان يعيش اقتصاد بدون قطاع مصرفي . السلطات في لبنان لم تحتاج الى أمم متحدة ولا مجلس أمن ولا حتى ولايات متحدة أميركية لكي يفرضوا عقوبات على القطاع المصرفي ، هذه السلطات فرضت على لبنان هذه العقوبات وقتلت الحياة المالية في لبنان ، وهذا القتل مستمر حيث تزيد الخسائر مع كل يوم يمر ، وحجم الفجوة في مصرف لبنان تزيد مع مرور الوقت وعدم النهوض .

اليوم وبعد مرور هذا الوقت الطويل لم يعد ينفع اصدار قانون للكابيتال كونترول لوحده، بل لا بد ان يقترن اصدار هذا القانون مع أعادة هيكلة المصارف لمعرفة عدد المصارف التي يمكن ان تستمر ، ومن منها بحاجة لأعادة دمج ، ومن منها لا يمكن النهوض به ومصيره التصفية ،. فإعادة الهيكلة أصبحت ضرورية لتحديد حجم الودائع التي يمكن استردادها ، وخلال اي مدة ، وما هي الطرق التي يمكن ان تؤمن عملية رد الودائع بشكل عادل الى أقصى الحدود .

بالعودة الى التعميم 166 فقد شمل كما ذكرنا الاشخاص الطبيعيين الذين كونوا ودائعهم بالدولار الاميركي بعد 31 تشرين اول 2019 ، وبالتالي فهو حرم الاشخاص المعنويين من هذا الحق، ونقصد بهؤلاء الاشخاص الشركات ، المؤسسات ، النقابات ، الصناديق ، والجمعيات ، وبالتالي ألحقهم بالتعميم الجديد رقم 167 الذي صدر بموجب القرار الاساسي رقم 13612 تاريخ 2 شباط 2024 ، والذي يفرض على المصارف ان تعتمد سعر منصة صيرفة في بياناتها المالية وفي قيد سجلاتها الحسابية ، وبالتالي الالتزام بالمعيار المحاسبي الدولي رقم 21 ( IAS 21 ) والذي يفرض تبويب بنود الميزانية وفق القيمة الحقيقية ولا سيما منها الودائع ، الموجودات والمطلوبات النقدية المحررة بالعملات الاجنبية ، كما تبويب بقية الموجودات بالقيم العادلة ، لكن هذا التعميم لم يحدد حجم المبالغ التي يمكن لهؤلاء ان يسحبوها من حساباتهم.

ما يميز التعميم 166 عن التعاميم السابقة هو في صيغته المهنية والمحددة والدقيقة ،حيث وضع حدودا لمن يستطيع الاستفادة من هذا التعميم ، منها مثلا الا يكون قد كون حسابه من شيكات مشترات بقيمة تزيد عن 300 الف دولار أميركي ، او الاشخاص الذين استفادو من منصة صيرفة بمبالغ مجموعها تزيد عن 75 الف دولار ، ومن قام بتسديد قروضه التي هي بالدولار الاميركي بالليرة اللبنانية اذا كانت هذه القروض تتجاوز 300 الف دولار اميركي ، والاشخاص الذين حولوا ارصدة قروضهم بالدولار الاميركي الى الليرة اللبنانية بقيمة توازي او تزيد عن 300 الف دولار أميركي ، والاشخاص الذين حولوا ودائعهم من الليرة الى الدولار بقيمة توازي او تزيد عن 300 الف دولار أميركي بعد 31 تشرين اول 2019 .

أما بقية البنود الواردة في هذا التعميم لناحية طريقة السحب ، فتح الحساب ، العمولة المستوفاة ، الحسابات المشتركة ، المراجعة ، تحويل الى حساب خاص بالسحوبات ، التوقيع على المستندات المطلوبة ، تزويد مصرف لبنان بالارقام والمستندات ، الرقابة على هذه العمليات ، فكلها شبيهة بما ورد في تطبيق التعميم 158 .

أنطلاقا من هذا الواقع لا بد من العمل على وضع أطر تنظيمية وقانونية متكاملة من خلال اصدار قوانين تعالج كل هذه المشاكل إذا كنا فعلا نريد الخروج من هذه الازمة التي طالت ، والتي أصبح من المسلم به انه لا يمكن أعادة النهوض بالواقع الاقتصادي من دون ايجاد حلول جذرية للواقع المصرفي بما لها وما عليها ، فهل ستقتنع الطبقة السياسية بذلك، أم ستبقي سياسة الترقيع وحدها الحاكمة وبناء على مصالح خاصة بهذه الطبقة والمنظومة .

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى