إقتصادنفط

حزب الله وأزمة المحروقات:إستيراد المشكل أو الحل ؟ (عماد عكوش)

 كتب د.عماد عكوش

 

تتواصل أزمة البنزين في لبنان بشكل غير مسبوق ، حيث تحولت البلاد إلى “طوابير”طويلة من السيارات ، وسط شبه انقطاع لهذه المادة من المحطات .

تستمر الأزمة في معظم المناطق اللبنانية لأسباب عدة ،منها ما هو مرتبط بتأمين الاعتمادات اللازمة من مصرف لبنان ومنها التخزين ، ونفاد المواد من المحطات التي تحاول بدورها اتّباع سياسة التقنين عبر تحديد كمية محددة لكل مواطن ، ومنها التهريب الذي يتم الى سوريا عبر شركات وأشخاص نافذين لدى كارتيلات النفط والطبقة السياسية، والتي أكدتها المضبوطات التي كشفتها حركة المداهمات التي حصلت وأظهرت كمية البنزين المخزن وبكميات كبيرة جدا،وتعود لأشخاص مرتبطين بأحزاب سياسية طالما تحدثت عن اتهامها لغيرها بالتهريب، فيما كشفت المداهمات أنها متورطة بشكل كبير في هذه العمليات ، ويشهد بعض المحطات التي ما زالت تعمل وعددها قليل جداً ، اصطفافاً لطوابير من السيارات تمتد لمسافات طويلة على الطرق العامة ،  الأمر الذي أحدث زحمة سير خانقة في معظم الطرق .

  • عملية التسعير :

تقوم بعملية تسعير مادة البنزين بشكل أساسي وزارة الطاقة وبشكل أسبوعي بناء على معطيات تحصل عليها من السوق ،ويأتي في مقدمتها سعر برميل النفط عالميا، وسعر الصرف المعتمد أضافة الى معطيات أخرى . في الظروف الحالية ما زال مصرف لبنان يدعم هذه المادة وفقا لتسعيرة خاصة للدولار الأميركي يبلغ 16000 ليرة لبنانية على أن تتحمل الدولة اللبنانية نصفها ، وفي حال قام مصرف لبنان بتحرير أستيراد هذه المادة دون التدخل في سوق القطع لتحديد السعر الرسمي للدولار ستقع وزارة الطاقة في مشكلة عدم القدرة على التسعير ، لذلك سنكون أمام أمرين :

– الأمر الأول في حال قيام مصرف لبنان بتأمين الدولارات مما لديه بسعر المنصة مثلا، وهو سعر أقل من سعر السوق السوداء ، وبنفس الوقت سيبقى على التقنين القاسي لعملية التمويل، فإن ذلك سيبقي على الطوابير لدى المحطات ولن يحل الأزمة .

– الأمر الثاني وهو أنه في حال ترك أمر تمويل عمليات الإستيراد للشركات من السوق السوداء فإن ذلك سيعني أن وزارة الطاقة لن تستطيع فرض أسعار موحدة على شركات المحروقات. فشركات استيراد المحروقات سوف تلجأ الى السوق لتشتري الدولار لتمويل عمليات الإستيراد ،ما يعني أن كل شركة سيكون لها سعرها دون القدرة على توثيق هذه الأسعار أو حتى الرقابة عليها ما يؤدي الى فوضى في التسعير كما هو حاصل اليوم في سوق مولدات الكهرباء .

إن عملية أستيراد مادة البنزين من قبل الحزب سيلقي على عاتقه عبء التسعير مع عدم أمكانية الرقابة والمتابعة من قبله على المحطات التي يمكن أن تأخذ هذه المادة لتقوم ببيعها الى المستهلك ، إلا أذا تم حصر التوزيع والبيع بمحطات تابعة له مما سيعرضه أيضا لهجوم باقي المحطات والقرى والمناطق التي لن تطالها هذه المادة .

  • الرسوم والضرائب المفروضة :

تفرض الدولة اللبنانية ضرائب ورسوم على المحروقات وفقا لنوعها وتختلف من صنف لآخر . فمادة البنزين تخضع لرسوم تبلغ حوالي خمسة آلاف ليرة لبنانية على التنكة، إضافة الى ضريبة القيمة المضافة والتي تبلغ 11 بالمئة من قيمة المادة مع الرسوم ، بينما مادة المازوت معفية من الرسوم ومعفية أيضا من ضريبة القيمة المضافة.  بناءعليه فأي عملية إستيراد لمادة البنزين وإدخالها الى لبنان وخاصة بالبر دون استيفاء الرسوم والضرائب عنها سيتم اعتباره أمر غير قانوني بشكل رسمي وبالتالي سيعرض الحزب لانتقادات كثيرة في هذا المجال من الحلفاء قبل الخصوم .

  • موافقة الوزارة على العينات :

تحتاج عملية أدخال مادة المحروقات سواء كانت بنزين بكل أنواعه ، أو المازوت، الى موافقة وزارة الطاقة على الإدخال بعد فحص عينة منها للتأكد من مطابقتها للمواصفات المحددة من قبل وزارة الطاقة ، وما لم تتم هذه الموافقة تعتبر أي بضاعة موجودة في السوق مخالفة للقانون، ويمكن مصادرتها من قبل الأجهزة المخولة الرقابة والمتابعة .

  • عملية الأدخال الى الأراضي اللبنانية :

يتم عادة إدخال المحروقات الى الأراضي اللبنانية عبر المرافئ اللبنانية المخصصة لموضوع المحروقات، حيث ترسو السفن الناقلة مقابل الزهراني أو الدورة ليتم ضخ هذه المحروقات في خزانات مجهزة لهذا الغرض عبر أنابيب مباشرة من السفن ، وبعد الحصول على موافقة السلطات المختصة لدخول المياه الإقليمية اللبنانية للقيام بعملية التفريغ ، وفي حالات إستثنائية يتم الإدخال عبر صهاريج ضخمة عبر البوابات البرية وهي حالات نادرة ، ويبدو أن السفينة الأيرانية ولعدم أحراج الحكومة بإعطاء الموافقة وبالتالي تعريض الحكومة ولبنان لعقوبات وإحراج ، فضلت أن ترسو في المياه الأقليمية السورية وتفريغ مخزوناتها في خزانات بانياس ونقل هذه المخزونات لاحقا عبر صهاريج كبيرة ، لكن تبقى المشكلة ان هذه الصهاريج إذا كانت تحمل مادة البنزين فهي ستدخل دون استيفاء الرسوم والضرائب عليها وبالتالي سيعرضها هي وسائقوها لعقوبات قانونية لأنها ستعتبر نوعا من أنواع التهريب .

  • عملية التوزيع :

إن عملية توزيع المحروقات تتم عبر شركات توزيع خاصة أو مباشرة من قبل شركات الإستيراد حيث تنقل هذه المادة الى المحطات ليتم توزيعها على المستهلكين، وبالتالي فإن هناك ضرورة بتوزيع هذه المادة عبر الموزعين على المحطات ،على اعتبار أنه لا توجد وسيلة أخرى لفعل ذلك ، ونحن نعلم أن معظم هذه المحطات تتبع لشركات وكارتيلات الإستيراد، وبالتالي من المحتوم أنها سترفض توزيع البنزين الأيراني أو استقباله في محطاتها، ويمكن أن تلجأ الى الضغط على المحطات التي يمكن أن تستقبل هذا البنزين ومعاقبتها مستقبلا بمنع البنزين المستورد عنها كما فعلت سابقا وفقا لتعليمات معينة صدرت لها .

  • خلاصة:

مما تقدم من معلومات وتحليل سابق يتبين لنا ماهية المشاكل التي سوف تواجهها عملية أستيراد البنزين من قبل الحزب ،ما سيعرضه الى حركة انتقاد قد تطاله على عدة جبهات ، بينما استيراد مادة المازوت سيجنبه معظم هذه المشاكل على أعتبار أن مادة المازوت معفية من الرسوم والضرائب ، وتوزيعها على المستهلكين يمكن أن يتم عبر صهاريج وبشكل مباشر ، وإدخالها عبر البر لن يعرضها لأي انتقاد ، ويمكن إيصالها لكل المناطق ، ولأن هذه المادة تعتبر مادة حيوية لكل القطاعات الأقتصادية فإن حلها ولو بشكل جزئي سيكون وقعه أيجابيا وبشكل كبير جدا على المجتمع اللبناني ككل ، والنجاح في هذا الملف سيكون وسيلة ضغط كبيرة على المجتمع الدولي وعلى المنظومة السياسية اللبنانية لإيجاد حل جذري لملف استيراد مادة البنزين، وفي حال الفشل وعجز الدولة اللبنانية عن الحل عندها سيكون لكل حزب أو طرف حق حل هذه المشكلة لتأمين معيشة اللبنانيين .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى