توقيف رياض سلامة رسالة تحذير بأبعاد خطيرة ..(علي يوسف)
كتب علي يوسف:
اختلفت الآراء حول التوقيف”المفاجأة “لحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، وكلها للاسف تقع ضمن التحليلات اللبنانية الضيقة والسخيفة و التي تعبر عن القصور الكبير في الوعي والفكر لدى اللبنانيين حول مفاهيم بناء الدولة وركائزها، اللذين اسقطتهما الطائفية والتبعية والزبائنية بالضربة القاضية .. ..
تتراوح التحليلات بين اعتبار الامر مفاجأة وبين اعتباره محاولة التفاف، ومن ضمن اتفاق لانهاء القضية والملف، وبين ان اعتقاله سيفضح الرؤوس الكبيرة .. وبين أنها صحوة قضائية !
والحقيقة ان الامر لا يحمل ابدا صفة المفاجأة، بل هو تطور طبيعي لنتائج انهيار السلطة المارونية الذي كان يقول بطريركها ان سلامة خط احمر، كونه يحتل احد مماسك او المواقع الاساسية للسلطة المارونية في لبنان ..
اما من حيث انه قد يكون محاولة التفاف لانهاء القضية، فإن هذا الامر ولو كان صحيحا، فهو لايقدم ولا يؤخر، لأن القضايا التي يحاكم تحت عناوينها سلامة، وهي قضايا سمسرة وعمولات، هي اصلا بمثابة التفاف على القضية الاساسية التي كان يجب ان يحاكم فيها مع غيره من المافيات الاقتصادية والسياسية، وهي قضية تنفيذ مخططات اميركية لضرب الاقتصاد الوطني وافقار الشعب اللبناني واستقطاب الثروات اللبنانية في الخارج لتدميرها مع مدخرات اللبنانيين في القطاع المصرفي الشريك لسلامة .. اي يجب ان يحاكم،ليس منفردا، بل ومع شركائه من رؤساء المافيات السياسية والاقتصادية بتهمة الخيانة الوطنية …..
اما الكلام عن ان القضية سوف” تتلفلف ” لأنه قد يفضح رؤوسا كبيرة ، فهو قول سخيف بمضمونه، كون كل اللبنانيين وكل الذين يقولون ذلك إنما يقولونه من باب انهم “يعرفون هؤلاء الرؤوس الكبيرة ويعرفون بماذا قد يفضحهم “،وهكذا تنتفي الفضيحة شكلا ومضمونا كونها “معلومة سلفا” …
اما من حيث ما يقال عن الصحوة القضائية فهو اغرب واسخف ما سمعت. فأي صحوة هذه حين تصدر مذكرة توقيف بسلامة بينما يمارس شركاؤه في الخيانة من مافيات اقتصادية وسياسية، اكبر وقاحات عهر التبعية والزبائنية في معظم المواقع الاساسية للسلطة اللبنانية من متعاملين مع السفارات الى مقدمي الولاءات السياسية والامنية ، الى منتظري مبادرات هوكشتاين الصهيوني الى أتباع “إلهام ” اللجنة الخماسية الى الاحتكارات الاقتصادية والخدماتية والاجتماعية والمالية.
القضاء في لبنان، بغض النظر عن نظافة بعض القضاة، قدري ونظامه جزء يتماثل مع البنية التبعية والزبائنية للنظام اللبناني .. وبالتالي الحديث عن استقلالية القضاء هو حديث رومانسي كما الحديث عن ان الانتخابات هي وسيلة لتجديد السلطة، هو ايضا حديث رومانسي لان الانتخابات في ظل نظام طائفي حصصي زبائني يكرس السلطة ولا يجددها وهو ما تأكد حتى الآن .. واستطرادا اذا ما حاول البعض التذاكي بالقول ان الانتخابات افرزت بعض الوجوه الجديدة، فإن هذه الوجوه ليست اكثر من اصوات اكثر تبعية ويستخدمها الخارج لتحذير ” اتباعه العريقين من خروقات وطنية قد تصيبهم “، وهم لذلك يكونون حلفاء لأكثر التكتلات تبعية للغرب ….
بالنتيجة واذا ما لاحظنا التزامن بين اعتقال سلامة وعودة تحرك اللجنة الخماسية قد يأخذنا الامر الى انه رسالة للموارنة عموما بوضعهم امام احتمالين: اما استكمال معاقبتهم على عدم فاعليتهم في مواجهة مشروع المقاومة ودورها الاقليمي و اعلان انهاء مشروع السلطة المارونية في لبنان نهائيا، واما الذهاب للاتفاق على مرشح واحد للموارنة لرئاسة الجمهورية لإحراج جميع الطوائف الأخرى، والوصول الى انتخاب رئيس جمهورية يأخذ المبادرة تحت الوصاية الاميركية (بالعصا او بالجزرة) ليمسك بالمفاوضات من اجل تسوية حدودية بين لبنان الكيان الصهيوني ، وفي مواجهة “شرعية” للمقاومة تحت شعار حماية لبنان من خلال التنفيذ المعهود للقرار ١٧٠١ ..واخراج لبنان من الحرب كجزء من الجهد لاستفراد المقاومة الفلسطينية والقضاء عليها وتحقيق نصر اقليمي يحمل ابعادا دولية ..
ويمكن وضع التصريح الأخير لرئيس التيار الوطني الحر المتعلق بالاعلان عن تحرير التيار من كل الاتفاقات السابقة بمثابة رسالة استجابة لاتفاقات جديدة في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية وكرسالة بإمكان الاستجابة ” للتحذير القضائي” في ظل شروط سلطوية محددة يمكن نقاشها …
ولا يمكن فهم اخضاع القوى الامنية في لبنان، وخصوصا الجيش،الى المساعدات الاميركية والقطرية بقرار أميركي، وتحوّل هذه المساعدات الى ركيزة وجودية لهذه القوى .. وقبول السلطة التابعة لهذا الاخضاع بالترحيب تحت مبررات العوز اللبناني الذي افتُعل تآمريا ،الا من باب التحضير لمحاولة مواجهة داخلية في وجه المقاومة … ولعل تلازم ذلك مع الاتفاق المشبوه غير القانوني الذي حصل بين الجيش اللبناني وبين الجيش البريطاني يأتي في السياق نفسه، وعلى ابواب مفاصل مهمة وقد تحددت اتجاهات حاسمة للحرب بين محور المقاومة وبين الكيان الصهيوني والمحور الغربي ..
ومن غير المستبعد وكنتيجة لذلك عقد لقاء قريب في بكركي للقيادات المارونية من اجل البحث في الوصول الى موقف موحد من موضوع انتخاب رئيس للجمهورية
السلطة المارونية او التبعية ..!
قد يعتبر البعض انه من المغالاة استعمال تعبير السلطة المارونية .. ولكن في الحقيقة ان السلطة في لبنان لا تزال السلطة المارونية، ليس بالمعنى الطائفي بل بمعنى الانتماء والتبعية للغرب ..
ورغم انهيار مواقع السلطة المارونية السياسية والاقتصادية ، من رئاسة الجمهورية الى قيادة الجيش التي اصبحت عرجاء نتيجة اخضاعه للمساعدات ، الى حاكمية مصرف لبنان التي يخضع حاكمها الى المحاكمة ، الى القضاء الاعرج، الى انهيار السلطة الاقتصادية المتمثلة بالمصارف وانهيار قطاعات الخدمات المختلفة الخ… الا ان السلطة ما تزال سلطة تبعية للسفارة الاميركية خصوصا، وللسفارات الغربية عموما، وان كان تنفيذ السياسات يتم عبر حكومات تشارك فيها القوى الاسلامية وتحسب احيانا على المقاومة ..
ومرد ذلك الى ان المسلمين عموما لم يثقوا يوما بقدرتهم على تسلم السلطة ولم تتجاوز طروحاتهم شعار السماح لهم بالمشاركة ..
كما ان النظام الماروني التبعي نجح في ربط عائلات سياسية وقيادات سياسية اسلامية ومثقفين بشبكة المصالح التي يمسك الغرب بمفاتيح استمرارها وازدهارها ..
وهكذا لم تنجح حكومة ميقاتي ولا الحكومات التي سبقتها ولا معظم القيادات السنيّة الخروج من عباءة الهيمنة الغربية في السياسات الحكومية، وهي حتى لم تحاول ولم تفكر بالمحاولة .. وزاد في ذلك الغطاء السعودي للتبعية للغرب وبحيث حتى لم تستطع هذه الحكومات قبول هبات لا ترضى عنها الولايات المتحدة الاميركية ..
اما في ما يتعلق بالمقاومة والثنائي الشيعي، فعلى الرغم من الدور الخاص للرئيس نبيه بري في الحفاظ على السلم الاهلي والحد الادنى من الوحدة الوطنية من دون التنازل عن المبدئيات … ورغم الدور الاقليمي الرائد لحزب الله في المقاومة ومشروع تحرير فلسطين، مع مايعني ذلك من مشروع تحرير اقليمي كجزء من صياغة توازن دولي جديد متعدد الاقطاب ..
وعلى الرغم من وجود شعور عام وهمي مغذى دعائيا من الموالين للغرب حول سيطرة حزب الله خصوصا، والثنائي الشيعي عموما، على القرار السياسي في لبنان، الا ان الحقيقة ان المقاومة في لبنان بقواها الشيعية والحليفة تعيش انفصاما واضحا بين الدور الاقليمي الرائد والمبدع، وبين الدور الوطني القُطري الذي يقف عاجزا على نحو ملفت امام السيطرة الاميركية على السياسات اللبنانية، حيث تتم عمليات افقار وإذلال الشعب اللبناني في ممارسات حكومة هو جزء اساسي فيها، الا انه لا يملك قرارها الفعلي ..
وحتى انه في بعض الاحيان يشارك في مسارات مثل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي انطلاقا من شروط الصندوق المتعلقة باذلال الشعب اللبناني واعادة الاعتبار للمصارف اللبنانية ولحاكمية مصرف لبنان،الذين نفذوا الارادة الاميركية في معاقبة لبنان على وجود المقاومة ودورها..
كما يقف الثنائي للاسف عاجزا امام استمرار افتعال الازمات على أنواعها، من كهرباء وماء وازمة مالية وامام موازنة جباية واحتكارات وازمة اجتماعية وافقار .. ويقف متفرجا امام رفض الهبات من روسيا وايران ورفض اعادة العلاقات الى طبيعتها مع سوريا والعمل على اعادة النازحين السوريين …الخ….
ولن نعيد الكلام عن مسرحيات وبهلوانيات هوكشتاين التي وقعت المقاومة خصوصا والثنائي عموما ضحيتها، في مشروع الترسيم تحت شعار الوقوف خلف الدولة، مع ان المعنى الحقيقي لمثل هذا الشعار هو الوقوف خلف الدولة المحكومة من السفارة الاميركية ..
اعتقد اننا امام مفصل اساسي في الحرب الاقليمية تستوجب الذهاب الى معالجة الانفصام الحاصل، وتحقيق المواءمة بين الدور الاقليمي الرائد وبين الدور القطري ليتحول من دور العجز الى دور رائد، وبحيث يتم الوقوف تحت سقف الدور الاقليمي للمقاومة بدل الوقوف وراء السلطة التابعة للسفارة الاميركية …