منوعات

تطوُّر علاج تصلّب شرايين القلب بالطرق التّدخليّة: ثورات متتالية وتقدُّم مُستمر(الجزء الأوّل)

-مقدمة:في منتصف عام ٢٠١٩ وشعوراً منّي بضرورة نشر التّوعية والثّقافة الصّحيّة على أكبر عدد من المواطنين بهدف التّخفيف ولو قليلاً من وطأة وعبء هذه الأمراض، خاصةً في الظروف المعيشية والإقتصادية والإجتماعية التي يمرُّ بها لبنان و مع استمرار تفاقم الأزمات المتشعبة التي تلقي بوزرها الثقيل على كاهل المواطنين وخاصة الفقراء منهم والمحتاجين، وجدتُ أنّه من واجبي المهني والإنساني والطّبّي أن أكتب هذه المقالة التي سأتناول فيها كل التّطورات العلميّة التي مرّ بها علاج مرض تصلّب شرايين القلب بالطرق التّدخلية للقلب، بعد ان تناولنا في مقالات سابقة الطرق التشخيصية المتعددة والمعتمدة في تشخيص هذه الامراض، لعلّ ذلك وعن طريق نشر ثقافة الوعي الطبي يساهم في التخفيف ولو قليلاً عن الأعباء الإقتصادية والإجتماعية التي يعاني منها معظم الشعب اللبناني، ويساهم في الوقاية من هذه الامراض وزيادة المعرفة حول طرق علاجها.
وفي البداية لا بدّ من التذكير بأنّ أمراض القلب والشرايين لا تزال تحتل المركز الأوّل المسبّب للوفيات في لبنان وفي معظم الدول المتقدمة وحتى في بعض الدول النامية، مع استمرار إنتشار البدانة ومرض السّكري والتدخين في تلك الدول. ورغم أنّ بعض الدول نجحت في الحد قليلاً من عدد الوفيّات الناتجة عن هذه الأمراض بفضل سياسات متشدّدة جداً لمكافحة التدخين وأيضاً بفضل تقدّم الطرق التشخيصية والعلاجية لهذه الأمراض، إلّا أنّ هذه الأمراض لا تزال تحتل المركز الأول لإهتمامات وزارات الصحة في معظم الدول المتقدمة والنّامية على حدٍّ سواء بسبب التغيرات الكبيرة في نمط الحياة التي أدّت الى زيادات مفرطة في ظاهرة البدانة ومرض السّكري(إعتماد الأشخاص على وسائل النّقل وتفشّي ظاهرة الخمول وعدم القيام بجهد جسدي والمكوث لساعات طويلة  أمام شاشات التلفاز أو الكومبيوتر، مع تناول متزايد للوجبات السّريعة وإنتشار المطاعم التي تقدّم هذه الوجبات في كل دول العالم).
كذلك فإنّ ظاهرة التدخين لا تزال بإزدياد مستمر في معظم الدّول النّامية والفقيرة التي لم تنجح في وضع قوانين صارمة لمكافحة هذه الظاهرة ،والتي يلعب المستوى الإجتماعي والإقتصادي المتدني فيها دورا كبيرا في استمرار إنتشار آفات التدخين والمخدرات وغيرها.
2-واقع هذه الأمراض في لبنان:
لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد المصابين بأمراض القلب والشرايين في لبنان. لكن الأرقام المتوفّرة من مصادر وزارة الصحة والجهات الضامنة الأخرى تشير إلى أنّ حوالي خمسة آلاف شخص تقريباً يتعرضون لذبحات قلبية حادّة،وأنّ حوالي خمسة آلاف شخص آخرين يتوفون بشكل مفاجئ دون أيّة مؤشرات سابقة.كذلك فإنّ حوالي ٣٠ ألفا الى ٣٥ ألف شخص يخضعون سنوياً لعمليات تمييل لشرايين القلب، وحوالي ٤٥٠٠ شخص يخضعون سنوياً لعمليات قلب مفتوح.كذلك فإنّ حوالي ١٥ ألف شخص يخضعون سنوياً لعمليات توسيع للشرايين بواسطة البالون والروسور(علاج تدخلي للقلب)يتم خلالها إستعمال ٩٠٠٠ الى ١٢٠٠٠ روسور من النوع المطلي بالدواء أو ما يُعرف بالروسور الذكي(Drug Eluting Stent : DES).
أمّا الروسورات العادية غير المطلية بالدواء  Bare Metal Stent   BMS  فقد أصبح إستعمالها نادراً جداً عند أكثرية المرضى اللبنانيين، وهي تستعمل فقط في بعض الحالات الخاصّة جداً التي لا يقدر فيها المريض أو أهله وأقاربه دفع كلفة الفرق لزرع روسور من النوع المطلي بالدواء،أو تستعمل في بعض الحالات عند أكثرية النازحين السّوريين(لوجود صعوبات مادية في تغطية كلفة العملية) إو عند بعض اللاجئين الفلسطنيين للأسباب ذاتها.

3- تمييل القلب او القسطرة (Coronarography or cardiac catheterization) في 2019:
هو الفحص الدقيق والأساسي الذي يعطينا فكرة أساسية عن وضع الشرايين التاجية للقلب.فهناك عادة" ثلاثة شرايين أساسية للقلب هي:الشريان الأمامي النازل  LAD)  )والشريان الخلفي (CX)  )اللّذين ينبعان من النهر الكبير الأيسر  Left main) ) ويغذيان القسم الأكبر من عضلة القلب الأيسر ،والشريان الأيمن للقلب   RCA)  ) الذي يغذّي المنطقة اليمنى والسفلى من القلب.ولكل من هذه الشرايين فروع تختلف أهميتها و حجمها حسب كل مريض.هذا الفحص يجري عادة" من منطقة الفخذ(الشريان الفخذي) أو شريان المعصم(الشريان الكعبري) ويجري تحت بنج موضعي دون بنج عام لمنع تعريض المريض لمخاطر كبيرة قد تتعلق بالبنج العام .ويصل الطبيب الى فوّهة شرايين القلب بواسطة أنواع مختلفة من المسابر(جمع مسبر)وهو انبوب طويل يتم ادخاله في الجسم على سِلك معدني دقيق. ويصل المسبر الى فوّهة الشريان التاجي ويتم عندها حقن مادة ملوّنة (اليود) وأخذ صور مختلفة من عدة زوايا لهذه الشرايين لمعرفة أماكن الانسداد وأهميّتها.هذا الفحص يعطي خارطة دقيقة لحالة شرايين القلب ويُحدد اهمية الاصابات وخطورتها ويسمح لنا بتحديد نوع العلاج الذي أصبح في عام ٢٠١٩ مُمكنا في حوالي 70 الى 80 بالمئة من الحالات بواسطة عمليات التوسيع بالبالون والروسور.
على أنّ الحالات الصعبة أو التي يوجد فيها تفرّعات وتكلّسات واعوجاجات كثيرة تبقى من حصة جراحة القلب التي تبقى الحلّ الأوحد المتوفر حاليا لحوالي 20 الى 30 بالمئة من المرضى الذين لا يمكن علاجهم بالطرق التدخلية . وسوف نتحدث لاحقا" تفصيليا" عن هذه المواضيع.
وحالياً يعتبر هذ الفحص هو الفحص الأساسي لمعرفة ما اذا كان المريض مصابا بمرض تصلّب الشرايين التاجية لللقلب . ولا مخاطر كثيرة من إجرائه طبعاً في حال عدم وجود حساسية على المادة المُلوّنة، وفي حال وجود حساسية يتم تحضير المريض بالأدوية المناسبة – مضادات ال حساسية-قبل ٤٨ الى ٧٢ ساعة قبل الفحص.
اما المخاطر او الإختلاطات الجانبية لهذا الفحص فقد اصبحت قليلة جداً حالياً مع تطور الطب وإستعمال شريان المعصم من اجل التمييل. وقد كنا نشهد في الماضي حالات نزيف او التهابات قد تكون خطيرة في منطقة الفخذ، لكن إستعمال شرايين الفخذ اصبح قليلا جداً حالياً ،ونلجأ اليه في حوالي ٥ بالمئة من الحالات. أما عند إستعمال شريان المعصم فهناك إختلاطات اقل بكثير وهي تتراوح بين حالة نزيف قليل ومن السهل مراقبته في هذه المنطقة من خلال الضفط على منطقة الشريان ،واحياناً قد نشهد بعض حالات الإنسداد في الشريان الكعبري ( حوالي عشرين في المئة من الحالات) ولكنها تبقى حالات قليلة الأعراض او من دون اية اعراض بسبب وجود شرايين اخرى مهمة او جانبية تُغذي منطقة اليد . ولذلك لا تزيد اعراض ذلك عن بعض الألم او التخدير او التنميل في اليد والذي سرعان ما يزول مع الوقت .
اما المخاطر الأخرى التي قد يتعرض لها المريض خلال القسطرة فهي ضئيلة جداً ،ولكنها قد تكون احياناً خطيرة وهي تتراوح بين حالة الحساسية على المادة الملوّنة والتي ذكرناها سابقاً ، بعض حالات لعيان النفس او الإستفراغ عند حقن المادة الملوّنة ،ولذلك على المريض ان يبقى على الريق اي من دون طعام قبل على الأقل خمس ساعات من إجراء الفحص . وكذلك قد يحدث تباطؤ في القلب مع وجود هبوط في الضغط نتيجة الخوف والقلق ،وهي حالة علاجها سريع بحقن مواد تساعد على رفع الضغط وزيادة الصغط الشرياني .وهناك بعض حالات الإضطرابات الخطيرة في ضربات القلب، وهي تحدث خاصة عند تلوين الشريان الإيمن للقلب. وفي بعض الحالات النادرة قد يتعرض المريض لذبحة قلبية او لتمزق في الشريان الرئيسي الأيسر او الأيمن ،ولكن كما ذكرنا سابقاً كل هذه الأحداث نادرة جداً في المراكز المتطورة وعلى يدي اطباء مُتمرّسين وأكفّاء . وهنا نشير الى ان نسبة كل الأعراض او الإختلاطات الجانبية لا تتعدى نسبة الواحد في المئة في الحد الاقصى . ولكن رغم ذلك يبقى على الطيبب ان يبقى في حالة يقظة تامة لحصول مثل هذه الإختلاطات ،وعلى المريض  ألا يخاف من هكذا فحوصات، وان يطمئن لأن كل ذلك يبقى تحت السيطرة ،كما قلنا، في المراكز المُتمرّسة وعند الاطباء اصحاب التجربة .
4-عشر معلومات هامّة يجب معرفتها حول عمليّات تمييل القلب أو القسطرة القلبيّة:

١-أنّ عمليات تمييل شرايين القلب هي الفحص التشخيصي الأول المعتمد حالياً في لبنان والعالم لتأكيد أو نفي الإصابة القطعية بمرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب.
٢-إنّ هذا الفحص التشخيصي أو ما يسمّى بعملية التمييل متوفّر في معظم المستشفيات اللّبنانية في كل المدن الكبرى والمناطق البعيدة (في حوالي ٤٥ مركزا في كل المحافظات اللبنانيّة).
٣-إنّه يعتبر العلاج الأوّل للذبحة القلبية الحادّة في لبنان والعالم في سنة ٢٠١٩  ،خاصّةً في حال وصول المريض باكراً الى المستشفى أي قبل مرور ٦ الى١٢ ساعة من بداية البدء بالشعور بالألم في الصدر أو اذا كانت الذبحة القلبية حرجة جداً والمريض في حالة صدمة قلبية.
٤-إنّ تكلفة عملية التمييل القلبية تتراوح بين ٥٠٠ دولار الى ١٢٠٠ دولار أميركي أو أكثر ،حسب تصنيف المستشفيات،وإنّ هذه العمليّة مغطّاة من قِبَل كل المؤسسات الضامنة(ضمان إجتماعي،وزارة الصحة،تعاونية،جيش،أمن داخلي،أمن دولة،بلدية بيروت وشركات التأمين)
٥-لإجراء عملية التمييل القلبية في ٢٠١٩ لستَ بحاجة لأن تبقى في المستشفى لأكثر من ٦ ساعات -شرط الدخول باكراً إلى المستشفى اي عند السابعة صباحاً تقريباً -لأنّ العملية تجري حالياً تحت بنج موضعي في منطقة المعصم (اليد) في حوالي ٩٥% من الحالات، وبالتالي فالمريض من المُمكن أن يقوم ويمشي مباشرة ويستطيع ان يخرج من المستشفى بعد ثلاث ساعات من المراقبة فقط ،أي في ذات اليوم الذي دخل فيه الى المستشفى صباحاً، إلّا اذا أُجريت العملية من شرايين الفخذ فإنّه بحاجة لأن يبقى في المستشفى للراحة ولمراقبة منطقة الفخذ ومنع النّزيف فيها لمدة ٢٤ ساعة(ليلة إستشفاء واحدة).
٦-إنّ عملية التمييل ليست فيها مخاطر أو اختلاطات جانبية خطيرة (نسبة الإختلاطات لا تتجاوز ال١ %) وهي كانت في الماضي على شكل نزيف أو إلتهابات او مشاكل أخرى في منطقة الفخذ ،لكنها حالياً ضئيلة جداً مع استعمال الشريان الكعبري في منطقة المعصم .و هي نادرة وتتمثل في بعض الألم الذي قد يصاحب المريض خلال يومين أو ثلاثة بعد إجراء عملية التمييل في منطقة المعصم أو بعض التّورم أو بعض حالات النزيف او إنسداد صامت لهذا الشريان الكعبري الذي لا يؤثّر كثيراً في معظم الحالات على وظيفة اليد لأنّ هناك روافد أخرى تقوم بإيصال الدّم الى اليد.
٧-في حال معرفتك لوجود حساسية على مادّة اليود التي يحقنها الطبيب خلال العمليّة، يجب عليك إبلاغ الطبيب بذلك لأنّه يجب عليه في هذه الحالة تحضيركَ عن طريق إعطائك بعض الأدوية المضادة للحساسية مثل الكورتيزون وال Anti-histamine  مضادات الحساسية   لمدة ٤٨ ساعة قبل العملية.
٨-إنّ المخاطر التي يعاني منها المريض خلال العملية نادرة جداً وتتمثل في بعض الأحيان في هبوط الضغط أو تباطؤ في ضربات القلب أو إضطرابات خطيرة في ضربات القلب لذلك يكون المريض تحت المراقبة (مراقبة تخطيط القلب،الضغط ، الخ)خلال كل العملية التي لا تستغرق حالياً سوى خمس الى عشر دقائق، وكما قلنا سابقاً فهي تجري تحت بنج موضعي في منطقة المعصم ولا حاجة بتاتاً لإجراء العملية تحت بنجٍ عام وتعريض المريض لمخاطر هذا البنج العام.
٩- إنّ عملية التمييل تسمح للطبيب بتحديد أماكن الإنسدادات الموجودة على الشرايين التاجية للقلب، وبالتالي إعطاء المريض الأدوية أو العلاجات المناسبة .والعلاجات التي قد يتوصّل لها الطبيب قد تكون إمّا على شكل أدوية متعددةة تُوسّع الشرايين وتمنع تخثّر الدم وتمنع ترسّب الدهنيات، والهدف هو منع الإنسداد الكامل لهذه الشرايين ، وإمّا توسيع الشرايين بواسطة عمليّات البالون والروسور إذا كانت الإنسدادات تسمح لإجراء هكذا عمليّات ،وهي العمليات التي نجريها في حوالي ٧٠ ال ٨٠% من الحالات. أمّا الحالات الأخرى الشديدة الخطورة أو المعقّدة فإنّ علاجها سيكون حتماً بالجراحة القلبية، أي عن طريق عمليات القلب المفتوح وإجراء جسور أبهرية – تّاجية على شرايين القلب.
١٠-إنّ بعض المرضى قد يحتاجون الى إجراء عدّة عمليّات تمييل للقلب خلال مراحل مرضهم ،وهذا ممكن طبياً طبعاً ولا مانع لذلك، إلّا إذا كانت هناك من موانع مهمّة مثل قصور خطير في عمل أو وظيفة الكلى أو حساسية خطيرة جداً على مادّة اليود. وهنا تُطرَح أهميّة التنسيق التام بين طبيب القلب وطبيب الكلى من أجل عدم الوصول الى مرحلة غسيل الكلى لأنّ المادّة الملوّنة التي نحقنها خلال العملية مضرّة بالكلى .لذلك فإنّ كثرة إستعمال كميات كبيرة من هذه المادّة قد تعرّض وظيفة الكلى للضرر.
ملاحظة: غدا جزء ثان

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى