سياسةمحليات لبنانية

حكاية استاذ جامعي رحل قبل ان ينعم بجنة الملاك..

 

كتب محمد هاني شقير: 

توفّى الله الدكتور علي المعوش، بعد أن بلغ الخامسة والستين من عمره، وهو الذي دخل في سنّ التقاعد منذ سنة تقريبًا، وقد كان متفرّغًا للتعليم في كلّية التكنولوجيا في الجامعة اللبنانية – صيدا، وحائزًا درجة "دكتوراه" في الهندسة الكهربائية في جامعة لندن.
تفرّغ الدكتور علي في الجامعة اللبنانية، وهو الذي سنحت له عدّة فرص في القطاع الخاصّ فضًلًا عن فرصة البقاء في بريطانيا، ولكنّه آثر العودة والتدريس في جامعة الوطن. وفي مدّة خمسة عشر عامًا، كان مثالاً يحتذى، ولم يغب عن طلابه، ولا عن جامعته؛ إلّا لأسباب قاهرة. عندما تقاعد الدكتور المعوش كان ينتظر أن ينال حقّه الطبيعي في الانضمام إلى المِلاك، من خلال إدراج اسمه، بحسب المعهود،  في مرسوم جمهوري، بعد أن ترفع وزارة التربية اسمه إلى مجلس الوزراء، وينتهي بتوقيع من رئيس الجمهورية، غير أنّ هذه العملية لم تكتمل، ليفقد حقّه في الاستفادة من المعاش التقاعدي والطبابة ومنح التعليم، ولينعكس ذلك كله على ثلاثة أولاد في قيد التعليم الجامعي، وفتاة في قيد التعليم الثانوي، فضلاً عن والدتهم غير العاملة. ومّما زاد الطين بلّة، هو أن الدكتور المعوش توفي بتاريخ 15/10/2020، بعد خضوعه للعلاج بجائحة كورونا مدّة سبعة أيام، وعانى ذووه ما عانوه مع وزارة الصحة التي لم تؤمّن العلاج اللازم الذي كان يحتاج إليه لتخطّي إصابته في الكورونا، كما "قُدِّرَ" لغيره، فاضطرت عائلته إلى أن تبحث عن العلاج – وهو نوع من الإبر- في السوق السوداء؛ لتجدها بين أيدي عصابات هذه السوق، بأسعار لا ترحم، تتراوح بين 1000 و 2000 د.أ. للإبرة الواحدة، فاضطرّت، بعد جهد جهيد في استجماع أثمانها، ثمّ العثور عليها، ثمّ "التفاوض" بشأنها، إلى شراء 4 إبر، بقيمة 4000$، طبعًا بحسب سعر صرف السوق السوداء.
قاتل علي وسقط في معركته  التي يستكملها اليوم  أكثر من خمسين استاذًا تقاعدوا من دون ان يتم ادخالهم الى الملاك،انها معركة حقهم في الطبابة بالدرجة الأولى، وفي الراتب التقاعدي، والاثنان يضمنان بعض كرامة في الشيخوخة لمن قدم سنوات شبابه و علمه في سبيل جامعة الوطن.
قد يتم تأجيل كل شيء الا الموت الذي لم يمهل الدكتور علي المعوش ولا الدكتور واسيلي بوجي، ليدخل الاول الى الملاك مع زملائه المتقاعدين والثاني الى التفرغ مع زملائه الأساتذة، وهم، كلهم، يعيشون في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة جدًا. لكل هذا وغيره بدأت رابطة الاساتذة المتفرغين اليوم اضرابًا ليومين علّ السلطة تضع الجامعة الوطنية بندًا أساسًا على جدول أعمالها وتنفض عن وجهها غبار التجهيل والتفقير وتضع مستقبل مجتمع الجامعة كله في رأس اولوياتها. ويأتي هذا التحرك بعد اكثر من عام على تحرك قام به الاساتذة، ومن ابرز مطالبهم ادخال من استحق من الاساتذة المتفرغين الى الملاك ومن الاساتذة المتعاقدين الى التفرغ، ومساواتهم بسائر الموظفين الذين استفادوا من تقديمات سلسلة  الرتب والرواتب، كما طالبوا بتعزيز موازنة الجامعة اللبنانية التي سيزحف إليها جيشً كبير من الطلاب جراء انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار وبالتالي عدم قدرتهم على التعلم في الجامعات الخاصة وخارج البلاد. فضلاً عن عدد من المطالب التي سبق ووعدوا بتحقيقها إلا انها بقيت حبرًا على ورق.
في هذا الوقت الذي يجري فيه تجاهل تلك المطالب المحقة، هرّبت حكومة تصريف الأعمال بشكل مستهجن، ثلاثة مراسيم جمهورية تتعلّق بدخول الملاك، خاصّة بكلّ من وزيرَي الصحة والعمل الأستاذين المتفرّغين في الجامعة اللبنانبة، حمد حسن ولميا يمين، ورئيس الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء إيلي عوض الآتي من ملاك وزارة الصناعة. الأمر الذي يدخل في خانة استغلال النفوذ و المحسوبية التي يبدو أن مؤسّساتنا لم ولن تستطيع الخروج منها، على الرغم من كلّ ما يعانيه هذا البلد من مآزق على جميع الصعد.
فإلى متى يبقى االلبناني تائها بين حبه لوطنه، واستعداده للتضحية من اجله، فيما دولته غير ابهة به،  وهي التي تتعامى عن الاستجابة لحقّ لا شُبهة فيه.
الجدير، بالذكر أن العدد الاجمالي لأساتذة الجامعة اللبنانية المتعاقدين والمتفرّغين، ومن هم في الملاك، هو حوالى 6000 أستاذ، بينهم نحو 700 أستاذ في الملاك، أي ما يوازي 14 الى 16 %، أمّا المتفرّغون؛ فهم بين الألف إلى ألف ومئة أستاذ، وأمّا المتعاقدون بالساعة – ويستوفون شروط  التفرغ؛ فيزيد عددهم بقليل عن ألف أستاذ. وبحسب القانون ينبغي أن يكون عدد الأساتذة في الملاك بين 80  و 85% من الأساتذة العاملين في الجامعة الوطنية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى