منوعات

تحية للمناضلة مارسيل حنينة عبد الصمد

 

كنت لا أزال في الجامعة عندما قررنا الزواج، أنا وخليل، فبدأنا بالتفتيش عن بيت لنا في مكان غير بعيد عن عائلة الدبس، من جهة، وعن الجامعة، من جهة أخرى، إضافة إلى جريدة النداء التي كانت قد انتقلت من منطقة الصيفي – الجميزة إلى إحدى شوارع حي المزرعة.
في يوم من الأيام، اتصلت مارسيل بنا لتخبرنا عن وجود شقة في كركول الدروز، بالقرب من بيتها الزوجي، وهكذا انتقلنا للعيش في تلك المنطقة الجميلة التي زاد من جمالها وجود مارسيل وعادل ومعهما باسم وزياد وندى.
أواصر الصداقة لم تقتصر على العائلتين الصغيرتين، بل امتدت إلى الأهل في بيروت وعماطور وكوسبا، فكنا كالعائلة الواحدة لا نترك مناسبة للقاء إلا وقصدناها.
كانت العائلتان الصغيرتان تجتمعان عادة في نهاية النهار، بعد العمل والكد في الدراسة… سهرات لا تمتد طويلا، إنما سهرات تسلية تارة، وطورا سهرات نقاش في التطورات على كل الأصعدة… أما في بعض أيام الراحة، فكنا نذهب معا في رحلات الترفيه، خاصة في الصيف حيث كانت لنا تلك الغرفة الجميلة على شاطيء الجيّة ورماله الذهبية… وكانت مهمة مارسيل في تلك الرحلات تحضير الزوادة التي تحتوي على ما لذ وطاب من الأكل اللبناني الشهي الذي كنا ننقله في "النحلة"، أو سيارة الفولكسفاكن الصغيرة التي كنا ننحشر داخلها فتحملنا إلى حيث نشاء، غصبا عنها لأنها طالما توقفت بنا في منتصف الطريق، خاصة في أواخر عمرها المديد، عشية الحرب الأهلية.
لا يمكن أن أنسى الحنان والحب الذي كان يتدفّق منها ومن عادل. ليس فقط تجاهنا، بل تجاه كل الرفاق في الحي، بل تجاه أغلبية سكان الحي الذين كانوا يرون في هذا الزوج الشيوعي نموذجا فريدا للعطاء والاندفاع في مساعدة الآخرين… وحتى بعد انتقال العائلة من الحي، كان الجيران غالبا ما يستوقفوني للسؤال عن حال "الشيخ عادل" ومارسيل وليحمّلوني التحيات الحارّة لهما، بدءا بعبد "النجار" وانتهاء ببعض الأصدقاء في البناية المقابلة لبيتهما… ولا ننسى أبو حسين "الخضرجي" وغيره الكثيرين.
رحل خليل وبعده عادل، واليوم رحلت مارسيل… وفرغ الحي من عدد من سكانه الأصليين، الذين عاشوا معا مرارة القصف العشوائي ومن بعده حلاوة المواجهة مع العدو الصهيوني وجمال الصمود في وجه الحصار وروعة انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية… وطال الهدم الأبنية القديمة والبيوت العتيقة لتحل مكانها أبنية شاهقة مفروزة شققا لعائلات جديدة.
لم يعد الحي كما كان أيام الألفة، أيام مارسيل وعادل، بل تحوّلت بعض معالمه ذكريات وأحلاما، بدءا بتلك المنشفة الحمراء التي كانت تعني أن هناك من اتصل بي ووصولا إلى الشجرة الفارعة الطول التي كانت تنتصب قرب مدخل البناء الأصفر وشبابيكه الخضراء.
رحل خليل وبعده عادل، واليوم رحلت مارسيل إلى غير رجعة… وبقيت لوحدي في كركول الدروز أعمل على إنعاش الذاكرة والذكريات، يوم كنا عائلة متكاتفة من الرفيقات والرفاق نحلم بوطن يفوح منه عطر الانسانية التي اسمها اشتراكية تساوي بين الناس.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى