سياسةشرق أوسط

بين الدبلوماسية والميدان من طهران الى صنعاء (محمد صادق الحسيني)

 

محمد صادق الحسيني
يقول الفيلسوف والمفكر العسكري الالماني ، الجنرال كارل فون كلاوسيڤيتس:” ان الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى”

ويضيف: ” ان الحرب هي استخدام للقوة لاجبار العدو على الخضوع لارادتنا ”
ان هذا يعني انه عندما يفشل السياسيون في تسوية اي ملف او قضية يلجأ اصحاب القضية الى الحرب ، اي الى الميدان لفرض الحلول المناسبة التي عجزت عنها السياسة وبالتالي فرض موازين للقوى ميدانياً تجبر الخصم للرضوخ لمطالب السياسيين …!
بمعنى آخر وفي تطبيق لهذه المقولة على ما يجري اليوم من حروب في منطقتنا نستطيع القول ان فشل السياسة والسياسيين في جبهة الخصم من فرض ارادتهم علينا دفعهم الى اعلان الحرب علينا…!
بالمقابل لم يكن امامنا ونحن الذين تعرضنا لحروب العدو المفروضة علينا سوى ان نذهب الى قتال العدو في الميدان حتى نعدّل في ميزان القوى بيننا وبينه لنجبره على الخضوع لارادتنا…!
المتتبع لخط سير تطورات بلداننا في غرب آسيا يستطيع القول انه وعلى مدى ٤ عقود مضت كحد ادنى قمنا بتطبيق هذه القاعدة الذهبية للمفكر الاشهر في علم الحرب على عديد من الساحات وفي مقدمها ايران، وقد نجحنا فيها..!
وقد حصل ذلك بالفعل بالاجمال والتلخيص على مراحل ثلاثة:
في الاولى وهي الاشهر كانت العملية في مواجهة الحرب الكونية التي اعلنت ضد ايران فور نجاح ثورتها الاسلامية بقيادة الامام روح الله الموسوي الخميني.
الثانية الاخطر في مواجهة الحرب الكونية الثانية ضد سورية الاسد العربية بعدما رفضت الخضوع لشروط الخريف العربي المدمر.
الثالثة الاقرب والتي لا تزال جارية على قدم وساق ضد يمن انصار الله الحرة المستقلة التي رفضت التبعية والتقسيم وسحق الهوية بهدف تسوية الطريق لتسليم ما تبقى من مقدرات عربية للعدو الصهيوني والسيد الامريكي…!
وهكذا تبلورت عملياً اسطورة المقاومة التي يعيّرنا البعض بها اليوم ، او يلصق بنا شتى التهم بسببها اوا يرمينا باللمز والهمز ” الاكاديمي” مرة والنيوليبرالي مرة اخرى، بوصفنا مرة بالمتزمتين واخرى بالمتشددين وثالثة بالمتطرفين ورابعة باننا من اتباع المهدي الذي يريد اجتياح العالم العربي…!
وانما نعيد استذكار هذا في هذه اللحظات المصيرية لكوننا امام امتحان واختبار داخلي وخارجي في كل اقطارنا العربية والاسلامية اليوم ، وبشكل خاص في دول محور المقاومة، مطلوب فيها ان نجتاز بنجاح “فتنة”
استقطابين كاذبين :الاستقطاب الكاذب الاول بين ميل شعوبنا للسلام والعيش بامان وبين عشقهم لانجازات ابطالهم التاريخيين في الميادين، اي بين السلام اي الحل السياسي كما يقولون وبين الحسم في الميدان…!
وحتى نضع النقاط على الحروف لابد من تذكير اصحاب الفتنة الجدد، بانهم هم من اشعلوا الحروب ضدنا ودفعوا بنا الى دخول ميادين القتال للدفاع عن ديننا واوطاننا واستقلالنا وحرياتنا ، ولم نكن نحن من اشعل الحروب…!
والاستقطاب الثاني بين العروبة والاسلام…!
واذا نسي البعض فنحن لن ننسى ونذكّر من القى السمع وهو شهيد بان حلف اليسار القديم مع النيوليبراليين الجدد الذين يتهموننا اليوم باننا اسلاميون متطرفون او خمينيون او متحالفون مع ايران الخامنئي، انما نهدد الامن القومي العربي بسلوكنا هذا ، هم انفسهم من كانوا قد وقفوا طوال النصف الثاني من القرن الماضي ضد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وقاتلوه ونعتوا “القومية العربية” التي آمن بها ودافع عنها  بالجاهلية، رافعين بوجهها راية الاسلام كذباً وزوراً…
ولما أبرز الامام الخميني مجدداً النهضة الاسلامية رافعاً راية فلسطين والدفاع عن العروبة التي رموها هم على قارعة الطريق ، تذكروا فجأة انهم عرب وان القادم الجديد بثورته وجمهوريته الحرة والمستقلة وحلفائها انما يشكلون تهديداً للامن القومي العربي لابد من مواجهته ومنع تمدده…!
ان اي مؤرخ منصف لابد انه مع قراءته الموضوعية لما حصل طوال العقود الاربعة الماضية سيكتشف ان طلاب الحروب ومروجيها من بين ابناء جلدتنا و المدعومين والمسندين بجحافل الغرب، لم يعملوا ذلك الا لادراكهم خطر مقولة المقاومة التي رفعت بوجه سياساتهم الظالمة و مطامعهم الخطيرة ، التي تبلورت مرة ناصرية عربية واخرى خمينية اسلامية.
ان اسطورة المقاومة التي صدت موجاتهم الثلاث في الهضبة الايرانية الاسلامية، ومن ثم على بوابات الشام العربية الفلسطينية، واليوم على تخوم الهضبة اليمنية الحرة والمستقلة وام العرب واصلهم ، انما مذهبها ودينها وقوميتها وانتماؤها هو لله الواحد القهار الذي صنف البشر على قاعدة:
“الناس صنفان ..اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق” ،وانها هي هي من كانت تقف عائقاً وسداً منيعاً امام الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية.
وهذه الاسطورة هي من افرزت القادة العظام الحاج قاسم سليماني وابو مهدي المهندس وعصام زهر الدين وصالح الصماد والحاج عماد مغنية ، وامثالهم المئات والالاف من امة اشرف الناس، الذين بفضلهم انما يحقق السياسيون اليوم انجازاتهم وبمدادهم يخط الكتاب رواياتهم ، وبدمائهم يحيا سائر من بقي على قيد الحياة من بقية السيف ناجياً من وحشية جيوش ارهاب العدو الذي ما انفك يوظف راية الاسلام مرة وراية العروبة مرة اخرى، لخداع الرأي العام والرأي العام منه براء..!
وهاهم آخرون جدد مرجفون بدأوا يضافون الى اولئك اخذوا برداء الفتنة وراحوا يروجون لمقولة؛: “ان الميدان عسكرة لقضايا الامة لا لزوم له وانه كان بالامكان تفاديه لو اننا احسنا فن الحوار مع العدو وعاملناه بالتي هي احسن بدلاً من الدخول في مستنقعات الحروب”..!
لقد نسي هؤلاء او تناسوا او يتغافلون لغاية في نفس يعقوب بان من يدعوننا اليوم للحوار والجلوس الى طاولة المفاوضات هم من ظلوا حتى الامس القريب يهددوننا بنقل الحرب الى داخل مدننا وشوارعنا وازقتنا وبيوتنا ، بل انهم اقسموا بانهم لن يوقفوا الحرب علينا الا فاتحين مصلين في جوامعنا الكبرى…!
وانهم ما نزلوا اليوم عند اجندة الحوار الا بعدما ذاقوا مرارة الميدان الباليستية الدقيقة والشاردة …!
هذا ان كانوا فعلا يريدونه حواراً وليس التفافاً وخدعةً او مراوغةً ، واستراحة محارب تمهيداً لاستمرار الحرب بوسائل اخرى ( نظرية المفكر الاماني بالمعكوس) الذي بدأنا المقالة معه اي ان يأخذوا منا في السياسة ما لم يتمكنوا من اخذه منا في الميدان..!
لانه عندها ستظهر اسطورة الميدان مرة اخرى، ولكن هذه المرة في عالم الديبلوماسية الجديد الذي رسم معادلته الحاج قاسم سليماني بنفسه يوم رفض فتح رسالة وزير الخارجية الاميركي ، وردها اليه كما هي عندما شعر ان هذه الخطوة ضرورية تطبيقاً لمبدأ “رد الحجر من حيث اتى ” وصواريخ حلفائه في الكتائب تطارد المحتل وهو يفر من عراق الرافدين تحت جنح الظلام…!
صدق نبينا يوم قال الحرب خدعة ، فاياكم والخدع وامهات الفتن الكبرى التي تتنقل اليوم من ميدان لميدان ومن ساحة لساحة ، لمنعنا من القيام بالفصل الاخير من هجومنا الاستراتيجي وانجاز” ام المعارك” اي تحرير فلسطين، كل فلسطين وبيت المقدس.
وماذلك على الله بعزيز..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى