رأي

بالوعي وحده يحيى الإنسان(محمد عبد الله فضل الله )

 

بقلم محمد عبد الله فضل الله

التواضع بحد ذاته من الخلق الكريم الذي يدل على صفاء نفس صاحبه ولكن ما وراء التواضع من تفسيرات حاولت كالعادة وفي غيره من المسائل الأخلاقية والنفسية تحميله معانٍ فلسفية أو ربطه بأمور أخرى ظناً منها بتعريفه على مداه الأوسع فهذا مثلا آرثر شوبنهاور يرى بأن التواضع بالنسبة لمحدودي القدرات لا يعدو كونه صدقا، أما بالنسبة لذوي المهارات العظيمة فهو رياء.

وهذا داغ همرشولد الأمين العام السابق للأمم المتحدة يعد التواضع نقيضاً لإذلال النفس مثلما هو نقيض الغرور، نعم هذا القول إذا ما وضعت التواضع في خانة الأضداد تتضح أهميته القصوى لجهة التعبير عن أصالة الذات وقابلياتها الطبيعية التي تتحرك في الحياة من دون ضغط أو تأثيرات داخلية أو خارجية تجعل التصرف مصطنعاً فلا يمكن لإنسان يدعي الإيمان أن يكون مغروراً لأنه تخلى عن أبرز قيمة إنسانية وكونه سقط في اختبار الأنسنة ووضع تلقائيا في خانة الرذيلة.

لا يحتاج التواضع إلى انتماء إيماني ما ولكنه يأخذ شكله الجميل ومداه الواسع عندما يدفع روح الإيمان نحو تموضع واقعي سليم وحيوي ، صحيح إذا ما تمعنا في حقيقة هذا الكون سنرى الله وراء كل مظاهره الكبيرة والصغيرة يبقى أن الله ليس مجهولاً عنا بل بالعكس نحن المحجوبون عنه عندما فقدنا كل صفات سوية وأخلاق تقربنا إلى الله من خلال خدمة الناس والحياة .

تشير كل الحقائق والآيات في الطبيعة والإنسان إلى الكلمة الإلهيّة: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس:82. ليس فقط إلى بداية الخلق وإعادته وشكله وخصائصه بل إلى ما يحمله هذا الخلق من قوانين تتطور وتتجدد وتتبدل وعلى الإنسان اكتشاف ذلك ومواكبته والإفادة منه.

ومن أهم الحقائق تلك الاجتماعية والاقتصادية التي على الإنسان أن يقدرها ويفهم أبعادها ويتعامل معها بحضارية وليس من موقع الأهواء والأنانيات والاستغلال البشع المسيء إلى نظم الحياة وانتظام عيش الناس وأمنهم على الصعد كافة.

خيارات الإنسان عندما تبتعد عن جواب طاعة الله وعن مطالبات الله له بالإيمان النقي الذي يهذب مشاعره فإنه سيقع في مخالفات كبرى تنعكس مرارة على وضعه العام وعلى عيشه الذي ينقلب من كريم إلى عيش وضيع وفيه ذلة ومسكنة ، نعم خيارات الإنسان السوية تدفعه نحو التعاون والفعل المشترك اجتماعيا عندما يستشعر بحق أهمية كونه جزء من كل ولا يعيش الفردانية المقيتة التي تجعل منه عدوا للآخرين يظلمهم ويفسد حياتهم  بدل أن يكون ولي حميم يرحمهم ويتعاون معهم على البر وبقدر هذا التعاون يكون حضور الله فاعلا في كينونة الجماعة والفرد.

كذلك من أبشع أشكال الجهل والتخلف التعصب الأعمى لموقف أو فكرة أو جماعة فذلك كله يمحي كل فرصة للتواضع أمام الآخرين عندما تكون لهم عوناً وناصحاً من نفسك لا أنك تعيش في قمقم غرائزك وتخلفك فليس في الإيمان شوفينية لأن طبيعته تأبى ذلك لا بل هو يمقتها.

نعم كل شكل من أشكال الاستغلال ومن أي جهة أتى هو عدوانية بغيضة على البشر بأجمعهم والأبشع أن يقوم تحالف خفي وأحيانا علني بين طبقة المستغلين في السياسة والاقتصاد ولقمة العيش وبين تدين شكلي فارغ يعد خادما طائعا لتلك الطبقة ومتماهياً معها في الاستغلال فقط يدعو أبنائه إلى الصبر وأن يحلم بالجنان وكأن الحياة ليست مزرعة الآخرة على حد قول الإمام علي عليه السلام .

عندما تتخلص الحياة من هذا التحالف الأخطبوطي المقيت عندها ستنحسر مظاهر الفقر والموت والظلامية يبقى أن على المؤمنين وغيرهم أن يعوا دورهم ومسوؤلياتهم، فبالوعي وحده يحيا الإنسان.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى