إقتصاد

لهذه الأسباب يتخبط سعر الصرف ويفشل الإنقاذ(عماد عكوش)

 

كتب د.عماد عكوش – الحوار نيوز

 النظام اللبناني الطائفي الفاسد الذي يقوم على التحاصص يمنع الاصلاحات الاقتصادية، وهو منعها في السابق وسيمنعها في المستقبل بغض النظر عن نتيجة الانتخابات . فنحن محكومون في هذا البلد بالتوافق ،والتوافق يعني موافقة الرؤوس في كل طائفة على الحلول ،وهذا الامر مستحيل لعدة أسباب :

السبب الاول : هو أرتباط بعض هذه الرؤوس بدول كبرى ودول أقليمية ليس لها مصلحة في قيامة لبنان. فبعض الدول الكبرى لديها أهداف محددة في لبنان ،ولا يمكن ان تسمح لخروج لبنان من أزمته حتى يبقى تحت ضغط هذه الدول ورحمتها . هذه الدول عطلت عملية التنقيب عن النفط والغاز لمصلحة دول أقليمية ، وعطلت أنشاء مشاريع أستثمارية كبرى مثالها سكة الحديد التي تربط العراق بلبنان، وتحوُّل لبنان كل لبنان الى منطقة حرة للشرق الاوسط ، ومثالها رفض أنشاء مصافي نفط والاستفادة من خطوط أنابيب النفط التي ما زالت صالحة للعمل لغاية اليوم . عطلت السدود ، وعطلت الانفاق ومشاريع معامل الكهرباء وغيرها ، كما عطلت عودة النازحين الى بلادهم ليبقوا ورقة ضغط على الاقتصاد والمجتمع .

السبب الثاني : هو ارتباط بعض هذه الرؤوس بكارتيلات تجارية تستفيد من هذا الواقع، ومثالها كارتيل النفط والذي يمنع أنشاء قطاع منتج للنفط يتعاطى أنتاج كافة أنواع المحروقات ، والمواد الكيميائية والتي تستعمل في اكثر الصناعات الكيميائية والبلاستيكية .

السبب الثالث : موضوع توزيع الخسائر بحسب خطة التعافي والذي لن تقبل به هذه الطبقة بأن يكون عادلا يفرض التوزيع وفقا لقدرة المواطن ،ولا تعفي من هرب أمواله وودائعه للخارج. وهذا التوزيع العادل لن تتحمله هذه الطبقة ولن تقبل به ،وستحاول أن تفرض هذه الخسائر على عامة الناس ومثاله كان في رفض جمعية المصارف لتحميل المصارف جزءا من هذه الخسائر .

هذا الفشل أنعكس بشكل طبيعي على أداء كل المؤسسات العامة في لبنان، ومنها مصرف لبنان والذي تم الزامه من قبل الطبقة السياسية والخارج بالتدخل في السوق والسياسة. وبهذا الشكل الفوضوي الذي أدى الى خسارة أكثر من عشرين مليار دولار منذ بداية الازمة في نهاية العام 2019 ،وكان أخر هذا التدخل الفوضوي هو التدخل عبر منصة صيرفة قبل الانتخابات النيابية والذي أدى الى خسارة 1.453 مليار دولار من الودائع بالعملة الصعبة .

 اليوم مصرف لبنان تحرر بعد انجاز مهمة الانتخابات من هذا الطلب فبدأ بتخفيض حجم تدخله في السوق وهو بدأها مع بداية شهر أيار وبشكل أكبر حيث بلغ حجم تدخله حوالي 94 مليون دولار، فيما كان المعدل الوسطي للتدخل خلال الاربعة أشهر الاولى من العام الحالي عن نفس المدة هو 170 مليون دولار ، لذلك نجد من الطبيعي أن يعود التخبط الى السوق السوداء كون كل العوامل السابقة لهذا التخبط ما زالت على حالها، ولن يتوقف التخبط خاصة اذا ما طالت فترة إعادة ترتيب الوضع الداخلي للمؤسسات الحاكمة ومنها المجلس النيابي ومجلس الوزراء .

أما الاسباب الحقيقية لاستمرار ارتفاع سعر الصرف في الوقت الحالي فيمكن أيرادها على الشكل التالي :

السبب الاول : لا ثقة بالليرة اللبنانية وهي ناتجة وبشكل اساسي عن عدم الثقة بالنظام السياسي الحالي، والذي ارتكب كل أنواع الموبقات والفساد ، كما لا ثقة بالقطاع المصرفي والذي ما زال لغاية اليوم يتخبط بتعاميم مصرف لبنان وبالدعاوى المقامة ضده في الداخل والخارج ،والناتج عن عدم اصدار قوانين تنظم عمله في هذه المرحلة الحرجة وتحميه من الضغوط القضائية والسياسية .

السبب الثاني : ضعف أحتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة والذي أصبح في مهمة مستحيلة، وهو غير قادر على الاستمرار في هذه السياسة الانتحارية والتي تفقده كل شيء كما تفقده ودائع الناس ، وهو منذ حوالي ثلاثة أشهر يمارس سياسة التخفيض من تدخله في هذه السوق ، والارقام المنشورة من قبله تؤكد هذه السياسة .

الشهر /2022       مليون دولار

ك2                    510

شباط                  384

أذار                   237

نيسان                 228

النصف الاول/ايار   94

المجموع             1453

السبب الثالث : ارتفاع الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية والموضوعة قيد التداول خارج مصرف لبنان وعدم القدرة على التحكم بها أو امتصاصها بفعل السياسات الحكومية المتبعة ، حيث ارتفعت هذه الكتلة خلال النصف الاول من شهر أيار من العام الحالي بقيمة 3043 مليار ليرة لبنانية بالرغم من تدخل مصرف لبنان في سوق القطع عبر منصة صيرفة لشراء هذه العملة وبسعر منصة صيرفة . هذا الارتفاع المستمر ناتج عن عدة أسباب طبعا ومنها :

– عدم الثقة بالقطاع المصرفي

– تطبيق تعاميم مصرف لبنان

– تجارة الشيكات وتسديد معظم رسوم الدولة بشيكات مشتراة من السوق

– تثبيت سعر صرف الدولار بشكل رسمي .

السبب الرابع : سوء أدارة الملف النقدي والمالي من قبل مصرف لبنان والذي ما زال يساهم في هدر العملات الصعبة لغاية اليوم بعد أن هدرها سابقا في ملف دعم التجار . اليوم ما زال هذا المصرف يهدر هذه الدولارات عبر منصة صيرفة والتي تبيع الدولار لنفس التجار بسعر يقارب 22 الف ليرة فيما السوق السوداء وصلت بسعر صرف الدولار الى حدود 31 الف ليرة لبنانية ما يحقق أرباحا لهؤلاء يصل الى حدود 25 بالمئة من حجم تدخله ، أي ان كل تدخل بقيمة 40 مليون دولار ،هناك ربح صاف لهؤلاء التجار نتيجة لشرائهم الدولار عبر منصة صيرفة  يبلغ 10 مليون دولار ، فتصوروا كم هي حجم أرباح هؤلاء التجار منذ بداية العام الحالي والتي بلغ حجم تدخل مصرف لبنان فيها حوالي 1453 مليون دولار .

يضاف طبعا” الى هذا الهدر ، هدر دعم القمح والذي يذهب أكثر من نصفه لأصحاب المطاحن والافران، ومن المقدر ان تبلغ الفاتورة السنوية وفقا لأخر احصاءات وبعد ارتفاع اسعار القمح عالميا حوالي 300 مليون دولار ،أي ان حوالي 150 مليون دولار ستذهب لجيوب أصحاب المطاحن والافران الذين يشترونه مدعوما ويبيعونه طحينا او منتوجات بسعر السوق السوداء ، كما يضاف اليها دعم بعض الادوية والذي يستفيد منها التاجر والصيدلي والتي ما زالت لغاية اليوم تباع الادوية المدعومة في الصيدليات بسعر السوق السوداء، وهي مشتراة بالسعر المدعوم. وهذا الامر واضح من تاريخ انتاج الادوية والتي يعود معظمها الى ما قبل العام 2021 .

لذلك أرى أنه من الطبيعي أن يتخبط سعر صرف الدولار اليوم وبهذا الشكل الكبير، وهذا التخبط برأيي لن يتوقف طالما الحكومة ومصرف لبنان يسيران وفقا لنفس المنهاج وعلى نفس السياسة ، على أمل أن يغير الله ما بحالنا الى أحسن الاحوال .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى