رأيسياسة

في مفهوم الولاية العامة(حيان حيدر)

بقلم د.حيّان سليم حيدر

في رأس أسباب فساد الأمور، إزدواجية المعايير وتعدّد المقاييس والكيل بمكيالين وما شابه من عادات متناقضة وتطبيقات غاياتها تكريس إستثناءات وأستنسابات بذرائع شتّى لم تعد لتُقْنع أحدًا.

والولاية العامة هي كلّ مهمّة، وظيفة وعمل وما شابه يمتّ إلى الشأن العام بِصِلة، من نفوذ على أنواعه: سياسي، قضائي، عسكري، أمني، إداري، مالي وغيرها… له تأثير على العمل العام والمصلحة العامة أي مصلحة المواطن وحياته.  وهذا يمكن أن يكون من طريق القرار أو التصرّف أو التمثيل أوغيرها من إجراءات وبالتالي الأمر يشمل كلّ شخص مسؤول من أعلى الدرجات إلى أدناها.  وعليه.                                                                                                                        على العامل بالولاية العامة، بالإنتخاب أو بالتعيين أو بالإنتداب أو التكليف أو غيرها من الطرق، من رئيس، وزير، نائب إلى سائر الوظائف والمناصب على أنواعها ومهامها وصلاحياتها كافة وفي كلّ المجالات ومنها البلديات وإتحاداتها، ويشمل ذلك المستشارين والمعاونين، اللذين يتصرّفون بالأمور ولا تَبِعَة قانونية عليهم، والموظفين والعاملين حتى الدرجة الخامسة في الملاكات كافّة (ولماذا الخامسة؟  لأنّ كثر ما يتسلّق الموظف من الفئة التيرسو (terso) إلى الفئة الأونو (uno) في الصدارة).

على كلّ من شمله الوصف آنفًا:

1- تمنع إزدواجية الجنسية، ولا إستثناءات لأيّ منصب لأيّ سبب كان وتحت أي ظرف من الظروف وفي أيّ زمن من الأزمان.  وبشكل “إنتقالي” إلى الحال الصحّ المنشودة، يُسْمَح، خلال فترة شهرين من صدور هذا الفرمان، لأيّ شخص معني بهذا القرار/القانون/الدستور بأن يتخلّى عن جنسيّته غير اللبنانية بغية الحفاظ على موقعه أو وظيفته وكلّ ما يندرج عنها من جرّاء ذلك، على أن يؤدّي قسمًا علنًا يتعهّد فيه الولاء لبلاده، و بلاده فقط دون سواه حسب المقتضى.

وبالمقابل، تسقط الجنسية اللبنانية حكمًا، ومن دون حاجة لأيّ إجراء إضافي خاص، عن كلّ لبناني حائز على جنسية غير لبنانية يُكلّف بمهمّة رسمية أو عامة في “وطنه” الثاني.  والموجب هنا هو القسم الذي يؤدّيه كلّ حائز على جنسية غير لبنانية بالولاء التام والحصري لبلده الجديد والحرص على مصلحة ذلك البلد.

2- على كلّ من هو مشمول بما سبق ذكره أن يرفع السرّية المصرفية عن حساباته وحسابات عائلته في كلّ الأوقات وحتى عامين بعد خروجه من نطاق المسؤولية العامة.

3- على كلّ مَن يشمله هذا القانون، أن يتنازل حكمًا عن حصانته في كلّ الأوقات وكلّ الأحوال ولكلّ الأسباب، وعلى أن تصدر إستثناءات من قبل مراجع مختصّة لمن تقتضي وظيفته بألّا يراعي المراجع السياسية وحصرًا خلال تأديتهم المهام التي تفرض عليهم.

4- كما لا حصانة، أيضًا فلا تعطيل للحياة العامة من أيّ نوع كان لأيّ سبب كان ولأيّ من المرجعيات المؤسّسات الدستورية حتى (أو خاصّة)، رئيس، مجلس، لجان نيابية وغيرها، وزير، الموظفون وغيرهم… ولأيّ سبب كان.  عندما يكون الأمر تعطيل حياة الناس.  ومنعًا للتأويل: فأيّ تأخير في البتّ بموضوع معيّن أو معاملة أو إجراء يُعْتَبر حكمًا تعطيلًا لحياة الناس ويُحاسَب المسؤول عليه، مهما علا شأنه أو تَفَخّمَت وظيفته.   ويطبّق هذا المفهوم على الغيابات.  فالغائب، حتى بالحجر الصحّي أو غيره من الأسباب، لديه وسيلتان على الأقلّ للعمل: 1- بواسطة مَن ينوب عنه، و 2- بواسطة التواصل الإلكتروني.

5- على جميع الذين تشملهم هذه الإجراءات والقوانين، مقيمين أوخلال عملهم في الخارج، أن يكونوا قد سدّدوا ذِمَمهم المالية كافة إبتداءً من ضريبة الدخل وسائر الضرائب والرسوم وموجبات المواطنة وفي كلّ الأوقات ولا يُسْتثنى أحدٌ من هذا القانون، لا مقيم ولا مغترب، لأيّ سبب كان أو أيّ حجّة كانت.

6- يستفيد حكمًا جميع الذين تشملهم هذه الإجراءات والقوانين من تقديمات الدولة في المدارس الرسمية وفي الجامعة الوطنية حصرًا ويستفيدون من العطاءات الرسمية الشاملة للطبابة والإستشفاء في المستشفيات والمستوصفات الحكومية، وكذلك بالنسبة إلى تسهيلات السكن الخاصة، ولهم حرية خيار التعامل مع مؤسّسات القطاع الخاص ولكن من دون أن يحصلوا على أيّ دعم مقابل على حساب المالية العامة (أنظر 4 أدناه).

7- يخضع المرشحون والمسؤولون المنتخبون والمعيّنون وما شابه لعمل لجنة (فاحصة) خوارزمية، أي أدوات وأجهزة وبرامج معلوماتية تستقبل هي الطلبات وتفرز المرشحين حسب البيانات المقدمة وتصنّفهم وتضعهم في لوائح أفضليات حسب الوصف الوظيفي المعتمد إلخ…ثمّ تعلن عن النتائج وبالتالي عن الفائزين بالتسلسل غير الخاضع “للميثاقية” وتنشر لوائحهم رقميًّا (digitised) وعلى أن تكون مُيَوَّمة مباشرة (digitalised and online) منعًا لأيّ تدخّل يهدف إلى التلاعب بالمعلومات وخاصة بالنتائج.

8- تلغى جميع وكلّ الإعتمادات والمصاريف والعطاءات وما شابه من بدلات رعاية وإعلان ومصاريف الدعاية والتسويق المرتبطة بشخص الموظف كأن تصدر بأمر من الوزير/المسؤول/المستشار إلى الجهات المعنية ومنها الشركات المنتفعة من الإمتيازات والعطاءات العامة والمتعلقة بشكل عام بالحملات الإعلامية والإعلانية والعلاقات العامة، ويشمل ذلك تعليق والصور الشخصية في المرافق العامة وفي المناسبات والهادفة إلى الإنبهار بـِ”إنجازات” المسؤولين في مهامهم وتمجيد الذات إلخ… (أنظر 5 أدناه).

ومن هنا: تعالوا نبني الوطن الذي لم نبنِه منذ ما قيل أنّه كان التأسيس والإستقلال.                                                                                     تعالوا نطبّق الدستور: نحذف كلّ وجميع الفروقات والإمتيازات والإستثناءات والمخالفات والمجاملات والمحاباة مهما بلغت “خصوصيّتها” وكبرت “حساسيّتها” وعظمت “الميثاقية” التي ترتكز عليها والتي باتت طرقًا مُقوْنَنة إلى مكامن الفساد.  وليبدأ العمل بعدم جواز مخالفة أيّ مادة من الدستور اللبناني إبتداءً من البنود ج  وح  وي من المقدّمة و المواد 7 و9 و10 و12 و27 … إلى آخر مادة منه مرورًا طبعًا، وأولًا، بالمادة 95، واسطة العقد، العقدة الوسط…

بيروت، في23  نيسان 2022م.                                                              

(*) من مجموعة مقترحات تصدر، بشكل مستمر، تحت عنوان “أوراق في الإصلاح” على التوالي مع تطور العُقَد والتعقيدات.

(1) كَثُرَ ما نسمع مقولة أنّ الدولة تاجر فاشل وأنّ القطاع العام فاسد وغير منتج إلى آخر معزوفة التقريع.  وإلى جانب هذا التصريح تظهر لازمة تقول أنّ الحلّ هو في القطاع الخاص “الناجح”.  والحقيقة هي أنّ “كبار الناجحين” في القطاع الخاص هم بغالبيتهم أركان الدولة منذما قبل عهد الإستقلال، وغالبيتهم إستباحوا مرافق الدولة المُرْبِحة وإستفادوا من إمتيازات منحوها لمصالحهم.  فالقطاع الخاص يكبر ويتحكّم من طريق القانون والمراسيم والقرارات والإجراءات التي، بواسطتها، يسهّل له القطاع العام عمله.  يدخل إلى القطاع العام رؤساء ووزراء ونواب ورجال أعمال ومستشارون وحاشيتهم وإلى الحكومة خاصّة، مدخل جنّة الإنتفاع، وهم روّاد الخصخصة، يدخلون ولو بصيغ دستورية و”ديمقراطية”، وفي الوقت نفسه يُعمّمون التوظيف “العشوائي” والمؤقّت وغيره من دون حاجة وظيفية وبأدنى “الكفاءات”، ولو بصيغ غير دستورية، بنمط متمادٍ مستمرّ أشبه ما يمكن تسميته ب”عَمْعَمَة” الدولة في مفعول معاكس تمامًا لمرامي الخصخصة التي دخلوا إلى مفاصل الدولة بشعاراتها.  وبعد بذل كلّ جهودهم في إفشال عمل الإدارات الرسمية في مهامها، كما أشار ردّ التفتيش المركزي الصادر بتاريخ 19-3-2018 والمذكور في مجال سابق، يَنْبَرون، ومن على أعلى منابر الدولة، للقول أنّ القطاع العام قطاع فاشل متناسين أنّ الدولة تتكوّن من مجموع مواطنيها وهم منها وقد يكونوا هم أكبر مفشّليها وبتعمّد.

لأ .. ليس كلّ موظف دولة فاشل وغير كفوء، كما وليس كلّ رأسمالي ناجح وبالغ الكفاءة. ليس، ولدينا وزراء يحضرون الإجتماعات العامة بصفة هيئات إقتصادية أو يقترحون بأن يتولّوا هم تسويق سندات الدولة عالميًّا ولو من دون بدل، كما ولديتا نواب تبوّأوا لجان مهامها إقرار الموازنة العامة وتحديد الضرائب التي على شركاتهم وأموالهم تسديدها للخزينة العامة. حتمًا ما هكذا تُبْنى الدولة! “صار بدّها” دروس خصوصية لبعض الشخصيات في مفهوم الفصل بين السلطات وتعارض المصالح وتعدّد المنافع، وفي الشفافية والحوكمة ومرتكزاتها !  ثمّة حاجة ملحّة للمباشرة بإصلاح أساسي ونقترح القليل الضروري منه هنا، على سبيل المباشرة بالأمر.

(2) لأن التوافقية اللبنانية “فقّاسة” فساد كما جاء في وصف البعض، وأمام القرار الخاطىء، فالوزير قد أصبح “سيّد نفسه” حسبما سمعناه يصرّح دفاعًا عن قراراته الأحادية الإتّخاذ وغير الحائزة على ما بات يُعرف “بالإجماع الوطني”.  لذلك الوزير لا يقبل بتدخّل أيّ طرف آخر (طبعًا فيما عدا “مرجعيّته”) في قراراته في المؤسّسة الدستورية التي يعرّف عنها بوزارته.

أمّا لدى حدوث خلل ما أو حادثة أو كارثة، وما أكثرها ما تحدث، وهي من مسؤولية وزارته المباشرة (الكهرباء، النفايات، الصحّة والدواء، الغذاء، البيئة، الأشغال، المطار، الأمن، الإتصالات، المدارس واللائحة تطول) فتصبح المسؤولية، وبالتالي الملامة، من إختصاص التوافقية، أيّ الجميع الذين في الحكومة والسلطة والمجموعة الحاكمة، من كبيرها إلى صغيرها إلى المتأبّط بأموالها فإلى المتسلّط على مصالح ناسها.  والنتيجة؟.. النتيجة توافقية، تشاورية، تحاصصية، ميثاقية: لا يمكن محاسبة أحد لضياع المسؤولية جماعيًّا، ولتغطية المرتكبين أخطاء بعضهم البعض في كلّ مجال وحادثة وزمن.  وهكذا يُصبح الفاسد سيّد نفسه!

(3) في الصين، يزور الوزراء الجدد السجون يشاهدون فيها المسؤولين السابقين المسجونين بجرم الفساد ليعوا أنّ هناك حساب ومحاسبة ويأخذوا حذرهم من مغبّة إستغلال منصبهم الجديد للقيام بأعمال فساد.

(4) لهذا الإجراء نتيجتان: أ- وفر كبير في مالية الدولة و ب- يجعل الجميع في القطاع العام (من الرؤساء حتى الموظفين) يسعى ويعمل على رفع مستوى التعليم والإستشفاء الرسميّين وسائر الخدمات العامة والإعتزاز بها.

(5) أولًا: لا يجوز أن يكون للمسؤول “أبواق” تمجّد به، فعلى أعماله وحدها أن تتكلّم عن إنجازاته.  وثانيًا: في لبنان كلّ إعلام جهوي ينبَري لمواجهة إعلام من جهة مقابلة أو مخاصِمة ولأسباب سياسية، طائفية، نفعية، وما شاكل.  فالمواطن بات يدفع ضرائب لتعزيز تخريب الصورة العامة والعلاقات الخاصة وبالتالي العمل فيما بين المسؤولين.

والمطلوب أيضًا إنهاء النَمَطية المعتمدة بتوظيف أشخاص أو شركات لخدمة مرجعية ما ولو، بل وخاصّة، على حساب المرجعية الخاصّة أو من دون تعويض مادي.  وبالتالي المطلوب هو إلغاء جميع وكلّ المبالغ والإعتمادات والصناديق السوداء والسريّة الذاهبة والمصروفة تحت مسمّى علاقات عامة أو ترويج أو تجميل الصورة (image-building) أو ما شابه، في الداخل وفي الخارج، من أيّ نوع أو صلاحية أو غاية كانت ولكلّ فئات المسؤولين من الرؤساء نزولًا، وذلك من مبدأ ألّا يجوز الصرف على تبييض سيرة المسؤول التي هي مرتبطة حصرًا بحسن أدائه لوظيفته.

(6) يكثر ما تجتاح ساحات المطالب حشود المطالبين بالتثبيت أو التوظيف أو الترقية أو تغيير سلسلة الرتب والرواتب والأجور والبدلات إلخ… ويختلط، كالعادة، المستحقّ منهم مع الغائب عن الوظيفة.  لهذه الأسباب، وعملًا بمنطوق نُظم الحوكمة والإدارة الرشيدة، على كلّ الإدارات والهيئات، بما في ذلك القضاة والعسكريين والمعلمين إلخ…، الخضوع لدورات إعادة تأهيل وتحديث أساليب العمل ومن ثمّ تقييم، كلّ حسب مقتضيات التطور العلمي والعملي العالميّين في مجاله كما وإمتحانات جدارة على أن تُدوّن النتائج رسميًّا وتلقائيًّا (حاسوبيًّا) في ملفاتهم الشخصية وتُيَوَّم هناك حسب الأصول والتي يُستند إلى مضمونها لتطبيق مبدأ الثواب والعقاب المبني على أساس الجهد والنتيجة والذي يجب أن يطبّق تلقائيًّا ودوريًّا.

 

خاتمة:

تهدف هذه الإجراءات فيما تهدف إلى ترشيد العمل الإداري كما وإلى تعميم العدل والعدالة والمساواة وبالتالي تخفّف من الظلم الذي يشعر به غير المحظيّين من الموظفين عبر توزيع المنافع على أوسع شريحة ممكنة من الناس كما وتُميّز الكفاءة وتُهمّش التفاهة.

 

 

 

 

 

 

 

 

           

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى