سياسةمحليات لبنانية

التعليم العالي: حقائق وطموحات وآفاق

 


د. حاتم علامه*
موضوع التعليم العالي مسألة قديمة جديدة استحوذت ماضيا وحاضرا على اهتمام خاص ؛ ونحن نتناول باختصار بعض عناوينه في ضوء تداول اسم الجامعة الحديثة للادارة والعلوم ارتباطا بموقف رئيس الحزب لتقديم الاشتراكي الاستاذ وليد جنبلاط حول الترخيص لفروع للجامعة الدولية.
فقد جاء في توضيحنا لما نشرته صحيفة الاخبار ما يلي:

ردا على المقال الذي نشرته الصحافية ميسم رزق في صحيفة الاخبار  تاريخ ٢٠٢٠/٧/١٧ يهم ادارة الجامعة الحديثة للادارة والعلوم MUBS ان توضح ما يلي :

١- ان الجامعة هي جامعة مستقلة ولا تتبع لأية جهة سياسية وقد تعاملت مع جميع المتطلبات والملفات ضمن الاصول القانونية والاكاديمية باستقلال تام. وهو خيار يشكل أساسا لتطور المؤسسة وتعميق التعاون مع المجتمع وفعالياته الحريصة على تعزيز فرص التعليم العالي لجميع الطلاب دون تمييز.

٢- ان الحديث عن ارتباط موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الاستاذ وليد جنبلاط بموضوع الترخيص لفروع لجامعتنا لا يتطابق مع الوقائع ، حيث يبلغ عدد الملفات الخاصة بالجامعة منذ العام ٢٠١٣ اربعة عشر ملفا ، ولم يميز وزراء اللقاء الديمقراطي الجامعة بأي مرسوم وخاصة طلب الترخيص لفرع جل الديب الذي يعود الى العام ٢٠١٤ وحصل على توصية مجلس التعليم العالي.
نقدم لموضوعنا بهذا الرد الذي ارسلناه الى صحيفة الاخبار التي تناولت مواقف الاستاذ وليد جنبلاط ارتباطا بمطالبته بتراخيص لجامعة تابعة له على حد تعبيرها.

وها نحن تجدنا مرة جديدة في مواجهة مع الواقع الاليم للسياسات التي تتعامل مع تحديات التعليم العالي ؛ واذا كانت المقاربة للموضوع الذي استدعى ردنا  تفتقر الى الموضوعية والحقيقة فانها تفتح على معطيات عميقة الدلالة .

لسنا هنا في مجال تقييم علاقة الجامعة مع الافراد والمسؤولين والهيئات وقد حرصنا على تغليب الجانب الايجابي مدركين للاعتبارات المؤثرة في مواقف هذه الجهات .

العبرة التي نستخلصها من خلال المواقف التي تهز مشاعر حرصنا على موضوع استراتيجي كالتعليم العالي ،ولاسيما في هذه الظروف الاستثنائية هي جملة حقائق نضعها من خلال  "الحوار نيوز" برسم الشباب اللبناني والقيمين على التعليم العالي بدء من دولة رئيس مجلس الوزراء الذي خبر مسار جامعتنا في المرحلة السابقة  الى كل الجهات التي يعنيها موضوع التربية والتعليم؛ وتوخيا للاستفادة نتطرق الى الموضوع من جوانب مختلفة ، ابرزها :

١- ان التعليم العالي كان ولايزال منارة من منارات الشرق الاوسط   ولكن شدة الضوء لا يجب ان تعمي الكثيرين عن الثغرات والاخطاء والتي تتجذر في النظام الطائفي والمنظومة السياسية الاقتصادية الاجتماعية التي ترعى ركائزه .
لقد انعكس هذا الواقع في بنية التعليم العالي حيث لكل طائفة جامعة او اكثر ؛ ولابد هنا من استثناء الطائفة الكاثوليكية والطائفة الدرزية ، ويسجل هنا للقيادات الدرزية السياسية والدينية التي تعاقبت على التعاطي مع ملفات الطائفة  تميزها في عدم اللجوء الى انشاء جامعة للدروز باستثناء معهد عبيه مؤخرا المتخصص بالعلوم الدينية بعد الحاح فعاليات من الطائفة ؛ ويقابل هذا النهج الوطني اصرار الجامعة الحديثة للادارة والعلوم MUBS على منحى التميز بروح التنوع في التوجه وفريق العمل والطلاب والعلاقات بالرغم من الضريبة التي دفعتها نتيجة هذا المنحى.

ان المفترق الجديد في عمر لبنان وتحديدا في التعليم العالي يضع في الواجهة صحة وأحقية الشعارات حول التصنيف بين جامعات عريقة وجامعات جديدة ، فيطمس حقائق ويقوض الضرورة التاريخية لقيام جامعات حديثة تواكب التطور وتوسع الفرصة امام الوف الطلاب للتعليم كما اثبتت التجربة . وهنا لا بد من الاشارة الى ان طلاب لبنان البالغ عددهم حوالي ١٧٠ الفا يتوزعون مثلثة بين الجامعة اللبنانية والجامعات المسماة بالعريقة استنادا الى مفهوم الاقدمية والجامعات الجديدة ؛ ولا يلغي امر المخالفات والشواذ في بعض منها اهمية الدور الذي لعبته وتلعبه.

٢- الحقيقة الجوهرية الثانية ترتبط بالجانب الاول وتتجاوزه الى مستقبل التعليم العالي ، وهي موضوع ادارة القطاع والقوانين والتشريعات والآليات والادارة .
فارتباطا بالعناوين الاولى جاء قانون ٢٠١٤ ليحمل معه نصوصا ايجابية وروحية جديدة توحي بامكانية تنظيم الملف ، الا انه ظل انعكاسا لبنية النظام من حيث الثغرات والآليات واللجان التمثيلية وتنظيم العمل وعدم الفصل بين الناحية السياسية والادارية وشفافية القرارات وغياب المهل الملزمة والنواحي المالية وقد نتج عن ذلك انتقائية مفضوحة في التعامل مع المؤسسات وملفاتها .

من المهم الاشارة الى ان لجامعتنا ملفات تعود الى العام ٢٠١٣ ومنها ملفات دفعنا رسومها العام ٢٠١٦ ؛ ومن الاشارات المعبرة اهمال ملفنا للترخيص لفرع جل الديب لفترة ٦ سنوات بالرغم من استيفائه الشروط القانونية الفنية وفاعليته الوطنية في بيئة اجتماعية متفاعلة ايجابا مع مشروع الفرع مقابل عرقلة البعض بحجج طائفية ممجوجة او لاعتبارات المحاصصة .

وقد واجهنا الروتين والعرقلة بتفعيل دور الجامعة عبر تميزها انمائيا في فروعها الموزعة على ست مناطق واختصاصاتها العصرية ذات الفعالية التعليمية والبحثية والصحية ، وموقعها المتميز في علاقاتها الدولية ونجاحها في برمج مشتركة مع جامعة Stanford,وCardiff وغيرها من جامعات اميركية واوروبية وبريطانية ، فضلا عن انشطتها ودور الشبكة الوطنية للرعاية NWN التي أنشأتها في فروعها. وها هي تطلق تجربة جديدة رائدة عبر مشروع تمكين المرأة للشهادات الجامعية والتدريب والتطوير في حرمها في السمقانية.

ولا يزال البعض يختصر الايجابيات في نطاق لا يخرج عن نظرة ضيقة الى المسارات الايجابية بدل دعمها والتفاعل معها .

في المجال ،فإننا نسجل المحاذير الناجمة عن خلل المنحى التواصلي في العمل السياسي مما يدخل الادارة في دوامة الانقطاع بين عهد وعهد ووزارة ووزارة ، والامل ان تكون خلفية الادارة الحالية القانونية والاكاديمية والشخصية خروجا على القاعدة الشائعة.

٣- لقد آن الاوان لاحياء فواعل اجتماعية ثقافية وعلمية لخلق اجواء مؤاتية لتطوير التعليم العالي وتجاوز التحديات والمطبات .
نتوقف بحسرة عند جملة من الحقائق المتمثلة بعدم ايلاء الاعلام الاهمية اللازمة للموضوع ، كما ان ضعف العلاقة بين التعليم العالي وسوق العمل يشكل عائقا تاريخيا امام التطور ويحرم لبنان من فرص التطور ويحرم المؤسسات والطلاب من فرص الانتاج والابداع .

٤-  نغتنم فرصة التصدي لمحاولة تشويه دور جامعة MUBS للتوجه الى جميع العقول النيرة لوقفة مسؤولة مع الذات ومع المسؤولية في مواجهة التحديات ؛ وذلك من خلال تجربتنا التي تتعرض في تميزها وطنيا واكاديميا وفي نهجها المترفع عن الانحياز الطائفي والسياسي ؛ وقليلون ربما  يدركون ان مسيرة الجامعة النضالية بدأت العام ١٩٩٣ ودفعت ثمن تميزها ٧ سنوات من الكفاح لنيل الترخيص العام ٢٠٠٠ ؛

اننا على قناعة تامة ان مؤسسات التعليم العالي هي محرك التغيير والانماء، في تطلعاتها واهدافها وبرامجها وفريق عملها وطلابها ومجتمعها ، ونعتقد بان امامها اليوم تحديات استثنائية للخروج من المحنة التي يعيشها وطننا عبر سياسات جديدة في التعليم والادارة ومواكبة الانماط الجديدة في التكنولوجيا والبحث والعولمة ؛
بالاضافة الى التعديلات البنيوية في منظومة الاختصاصات التي سيكتب لها الدوام والتطور في العصر الجديد .

ان النهج الذي يعتمده بعض الجامعات في التفرد والاستقواء بمفاهيم قديمة لايخدم منظومة التعليم العالي ، وينجرف الى اخطاء وممارسات تخرج الى العلن اليوم بدل توظيف سيل الدعم عبر قرون .

بعض من الرجاء والامل بأن تتكاتف جهود المخلصين حتى ننقذ التعليم العالي في مستنقع الفساد اللبناني لأن التربية والتعليم هي صمام الامان وسقوطها ينعي انحلال لبنان ونسف كل الجسور التي تضع امامنا امكانية العودة الى الحياة.

*رئيس مجلس أمناء جامعة MUBS

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى