الإختلاف(محمد مصطفاوي)

محمد مصطفاوي – الحوارنيوز خاص
إن جوهر الإختلاف في الأساس هو تعدد النظرات وتنوع الرؤى والأبعاد وتباين الطرائق والمناهج. فالفرد أو المرء يخفي عن قصد هذا التعدد والتنوع في الوجهات والمرامي ليجعل من الإختلاف الظاهر للعيان في القول والفعل اختلاف داخلي مكبوت يجنح إلى ساحة اللاوعي واللاشعور فيعطيه صبغة ذات بعد أحادي وتصور فردي الفكرة فعوض أن تتجه أسهم وأشعة الإختلاف إلى السجال الخارجي نحو نور الإنفتاح الإيجابي فتتسع دائرة النقاش والحوار، ترى المرء يسعى إلى تضييق قطر الدائرة والإتجاه المعاكس للفكرة، فتلتقي فعالية الأسهم والأشعة وتموت في نقطة سوداء. إن الإختلاف امتداد للذات وافصاح عن العمق… طبيعة الوجود تنشد ونشيد هذا التعاقب الجدلي والتناوب الزمني بين النور والدجى، المد والجزر، الكسوف والخسوف … إذا لماذا يتنكر الإنسان لهذه الخصوصية في زي أكذوبة؟ فالنفس مجبولة بالتناقض الحياتي والكياني والتباين القطري، فطبائع البشر تلزم وتستلزم ذلك ليكون التعايش والتكافل والتبادل. غير أن بعض التصورات والسلوكات والتصرفات لا تتحكم إلى قناعة فردية بحثة ولا إلى إدارة الإرادة النفسية هي بل تنهج الذاكرة الجماعية واللاوعي الجماعي والسياق الإجتماعي وتشابك وترابط العلاقات، وهذه الأخيرة تؤثر في طرائق التعامل والتوافق وفقاً للهدف المرجو، وهذا التأسيس الإجتماعي خلافه اختراقا لاخلاقية المجتمع وقيمه. فالمجتمع له سلطته في القبول والإقصاء والتقليص والإختزال والحجب. وهذه حقيقة معاشة الصيرورة التفاعل والإنصهار. فتصبح قناعة الإختلاف تابعة ضمنيا في خلد المجتمع وتذوب في تيار الأمة.
أما الإختلاف الذي يوقي إلى صورة النقد فهو ليس هجاء أو شتما أو سبا أو لذعا أو تجريحا بقدر ما هم مسؤولية رأي وقضية فهم واختيار موقف، والصورة الناتجة أن المختلف يذوب في مواصفات وملامح الناقد، فتصبح المسألة قدرة هذا على تحويل الفوضى إلى نظام وأنساق مغلقة لا فائدة منها.
الإختلاف لا ينشد المقت أو العداء أو المقاطعة، إنه يتخد أساليب قولية وفعلية مهذبة وسعللة ليستعرض طرق ومناهج تدرس العلاقات والتصرفات القائمة بين الإنسان والطبيعة والكون قمة حرية الإختلاف أن يكون الإنسان سيد اختياره الذي يعود عليه بالنفع لا خادما لاختيارات الآخرين التعسفية ويلزم نفسه بما يدعو إليه و الواجب والحق وبينهما فضاء الإجتهاد المتاح المباح الذي يحافظ فيه على نظام الحياة الخاصة والعامة.
*كاتب جزائري مقيم في فرنسا