حرب غزةرأي

غزّة.. والمرحلة الثانيّة للمشروع الصهيوني في المنطقة (جواد الهنداوي)

 

د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز

 

         لبعض الدول والمجتمعات أو التكتلات ، قُدرة ممُيّزة في اغتنام الفرص و الاحداث ، و احياناً المصائب التي تحّل بهم ، او المصاعب التي تواجههم ، وتوظيفها وتداعياتها وتحويلها الى فرص نجاح و مكاسب .

بهذه القدرات والقابليات تعامل الغرب ، وغير الغرب ، معنا نحن العرب دولاً وشعوبا .وافضل مشهد جسّدَ هذه القدرة في تحويل الكارثة إلى انتصار هي حالة اليهود الصهاينة في المانيا او الحركة الصهيونيّة  ، بعد الحرب العالمية الاولى وقبيل الحرب العالمية الثانية ،اي في سنوات ثلاثينيات القرن الماضي . وظفّوا ما حّلَ على اليهود غير الصهاينة ،على يد هتلر والذين تعاونوا معه ،من جرائم ابادة وضّدَ الإنسانية ،إلى تبنّي مشروع صهيوني كبير في منطقتنا  ، و ارساء حجر تأسيسه في فلسطين .

كانت المرحلة الاولى من المشروع الصهيوني الكبير في منطقتنا هي احتلال فلسطين وقتل الفلسطينين وتهجيرهم الى خارج فلسطين . وكان دافيد بن غوريون هو المهندس والقائد لهذه المرحلة الاولى من المشروع الصهيوني . الآن نتنياهو هو مهندس المرحلة الثانية للمشروع الصهيوني في المنطقة ،دوره ليس فقط رئيس وزراء إسرائيل ، بل يتعدى الاطر الحكومية والسياسية . فلدوره بعد استراتيجي ، ولذلك نجده يحظى بدعم أمريكي وغربي ودولي غير مسبوق ،بالرغم من جرائمه وخصاله الشخصية المُزعجة لأغلب الرؤساء ، وهذا ما يؤشر استمراره في السلطة .

ربما لم نشهد ،اطلاعاً او قراءة مُدركة، للتآمر والتواطؤ والخيانة التي ساعدت بن غوريون في تأسيس الكيان المحتل على ارض فلسطين ، عام ١٩٤٨ ، ولكن ندركها الآن و بوعي وبالخبر الموثوق المُعزّز بالصوّر وبالحقائق غير القابلة للدحض ، ونلمس دور الإيادي الممدودة لنتنياهو في جهده الاحتلالي والإجرامي في غزّة، وفي البدء في المرحلة الثانية للمشروع الصهيوني .

  فما هي المرحلة الثانية للمشروع الصهيوني ؟

  عنوانها استكمال احتلال فلسطين ،كل فلسطين ، وجعل إسرائيل كيانا يهوديا صهيونيا . و لتحقيق هذه الاهداف ،يستوجب احتلال غزّة وجعلها منطقة فارغة من مقومات العيش،وتهجير الغزاويين إلى سيناء ، وتوطينهم و دمجهم بين قبائل سيناء .يستوجب ايضاً افراغ الضفة الغربية و ابعاد الفلسطينين إلى الأردن ، كذلك ابعاد عرب عام ١٩٤٨ . هذا ما تخطط له الحركة الصهيونيّة،وما يسعى اليه نتنياهو .

تزامناً مع المجازر والابادة  في غزّة ، تقوم إسرائيل ،اليوم ، بمصادرة اراضي الضفة الغربية ، وصادرت قبل ايام قرابة ٦٠ الف دونم من الضفة ، وهذا ما صرّحَ به رئيس حكومة السلطة الفلسطينية ،السيد محمد اشتيه .

كل ما تقوم به إسرائيل في غزّة و في الضفة وعلى حدود فلسطين ومصر ،براً وبحراً ،هو وفقاً لتخطيط و تعاون مع امريكا ودول الناتو ، وبالتأكيد ،لايمكن الا تكون روسيا و دول المنطقة والعالم بغير معرفة وعلم واطلاع على مثل هذا المخطط الاستراتيجي .

المرحلة الثانية من المشروع لها بعد جغرافي ،لا يقتصر فقط على ارض فلسطين وغزّة والضفة ،وانما سيتناول جغرافية دول لها حدود مع فلسطين . وسيكون للمرحلة الثانية من المشروع الصهيوني بُعدْ اقتصادي و ثقافي واسع ، وربما التطبيع الإبراهيمي والقادم ،وكذلك مشاريع السياحة و الملاحة والطاقة ، والتي تشهدها دول المنطقة وصحراء سيناء ،هي البداية .

حرص امريكا ودول الغرب والأخرى المعنيّة بالمشروع الصهيوني يفسّرُ تعاون امريكا والغرب مع اسرائيل في ما تقوم به الآن في غزّة ،وتواطؤ او صمت الدول الأخرى عما تقوم به إسرائيل في غزة . اي ما يحدثُ في غزّة ، للأسف ،هو  ثمن المشروع الصهيوني الموعود .

لن تتوقف إسرائيل عن مواصلة حملتها في غزّة ، حتى ولو افترضنا إطلاق سراح الاسرى الاسرائيليين لدى حماس ،لأنَّ هدف إسرائيل ابعد بكثير من إطلاق سراح الاسرى ،او الانتقام لعملية طوفان الأقصى في ٢٠٢٣/١٠/٧ .

ما قامت به إسرائيل ،وبدعم أمريكي وغربي ،في غزّة من جرائم بحق الإنسانية ،يفضحُ الهويّة الاجرامية والعنصرية لمشروع محور الابادة في المنطقة ، جهود ومحاولات امريكا والغرب السياسية والإعلامية ، لتغليف المشروع الصهيوني برداء التنمية الاقتصادية والانفتاح والسلام والازدهار في المنطقة ، تسقط في خانة النفاق والكذب ،بفعل ما عشناه وشاهدناه في غزّة .

يرى نتنياهو ،هذا ما أظنّهُ ، بأن الوقت مناسب جداً لتصفية القضية الفلسطينية ؛ و ظّفَ هجوم حماس في ٧ اكتوبر ، مثلما وظّفَ اجداده الصهاينة الهولكوست في المانيا  ، لتأمين دعم امريكا والغرب له ،كما استغّل انشغال روسيا والعالم في حرب أوكرانيا ،فمثلما الآن لروسيا تقدّم وصولات وجولات في أوكرانيا ،وعلى مرأى ومسمع ومتابعة الأمريكان ،لإسرائيل كذلك صولات وجولات في ممارسة الاغتيالات والاعتداءات في سوريّة ولبنان والمنطقة .

وكّلتْ امريكا كلا من المانيا وفرنسا  في الشأن الاوكراني ، وطلبت من المانيا دعم أوكرانيا في المال والسلاح ،فوقّعت المانيا اتفاقا أمنيا مع أوكرانيا ،وكذلك فرنسا . تفرغّت امريكا  سياسيا وعسكريا لملف المشروع الصهيوني في المنطقة ،والذي ( واقصد الملف ) يخّصُ ،ليس فقط اسرائيل ،وانما دول المنطقة .

 *سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل / ٢٠٢٤/٢/١٨ .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى