سياسةمحليات لبنانية

إحزموا حقائبكم.. واهربوا

            


كتب نصري الصايغ:
كم هو مخطئ من يظن نفسه على صواب! كشفت الكورونا حجم الكذب. أظهرت نفاق الكبار وغباء الصغار. فضحت دولاً عظمى وأذلت “دولاً” ليست دولا. حجم النفاق كان مذهلاً. كمية الاستعلاء كانت مقرفة. تواطؤ الدول العظمى كان مذهلاً… لم يكن احداً صادقاً، وكانوا يتصرفون وكأنهم على صواب.
فضحتهم الكورونا. اظهرت هشاشة دول كبرى. التقدم العلمي ضل طريقه. نجح في تجميع الثروات العاتية. التخطيط الاستراتيجي تناسى الناس الذين يداومون في حياتهم على العمل والكفاف. أتخمت المؤسسات الصناعية بالأرباح. تفوق رأس المال على السياسة، فساسها. على الحياة فأهملها. على الناس، فهمشها. قلة عظمى حظيت بالأرباح المليارية، واكثريات منتشرة في الكرة الارضية. كانت تعيش كفاف يومها، وقلة كانت تراهن على ربح مضاف. دول كبرى، نصَّبت رأس المال الها، وألزمت الناس بخدمته. زواج العلم والصناعة والعسكر، دفع إلى أن يكون العالم الذي يضم الناس العاملين، على هامش الحياة… لقد فضحتهم الكورونا عندما ساوت في اجتياحاتها بين الجميع. لا احد محمياً ابداً. سقطت دول عظمى في دوامة الكمامة، في ارقام الاصابات، في منع التجول، في تحرير السماء من الطيران، في اقفال مؤسسات الانتاج الفاحش، في اقفال الاسواق والمعامل والمدارس والجامعات. والاسوأ. حوّلت كورونا الجميع إلى معتقلين مرعوبين في بيوتهم. لقد تحولت منازلنا إلى معتقلات.
هل كان ممكنا غير ذلك؟
بتواضع نقول، الأوبئة دورية. عرفتها الشعوب في تاريخها. غيرت دولا واطاحت بأنظمة وفتكت بشعوب. كان ذلك قبل انتصار العلم، وتحديداً قبل ن يصبح العلم خادماً للثكنة العسكرية المسلحة وللمصنع المنتج لبضائع مفيدة قليلاً، وترفيهية كثيراً. الانسان الانسان لم يكن مهماً. الانسان المستهلك هو الانسان الحقيقي .
انتصر المزّيف على الاصيل.
ها هو العالم يجثو على قدميه. اسوأ الاستجابات هي الدول الصناعية الرأسمالية المتقدمة. باتت تسلك طريق القراصنة لتفوز بكمامات مطلوبة وضرورية. عار أن تكون اوروبا في هذه السوية الضحلة من الاستجابة للتحدي. عار أكبر على “ام العالم”، اميركا. أن تصبح قناصة الكمامات في المطارات والطائرات. ماذا كانت تفعل؟ ارقام الضحايا فوق المعقول. نتساءل: هذه هي اوروبا؟ اين هي مما كانت عليه قبل الكورونا؟ اين هي اميركا؟ لقد بدت من خلال ارقامها القياسية، اصابة وموتا، شبيهة بدول متخلفة، موبوءة، ومتروكة لمصيرها.
لا.. الحق ليس على الكورونا. الجائحة ليست مفاجأة. البشرية تعرف أن الأوبئة دائرية المسار. شبه دورية. الفاصل بين وباء وآخر، سنوات. وبين الجائحات عقود. ومع ذلك، الذين يملكون المال. يدخرونه في المصارف ويتباهون بأن ربع عدد الاثرياء (جماعة فوربس) يملكون من المال أكثر من مما تملكه مليارات بشرية تعيش على فتات العولمة، على صدقات “المنظمات الانسانية” المشروطة بالتبعية والخضوع.
ليس شماتة بالمرة. انما بمرارة انسانية، أن يكون عداد الموت في الدول الكبرى بهذا السخاء. آلاف مؤلفة مرشحة للموت. أجهزة طبية تخسر فدائييها من الممرضين والممرضات والاطباء بسبب نقص الكمامات، فيما دول فقيرة، مفلسة، استطاعت أن تتجاسر وتقف سداً منيعا في وجه الكورونا. قد يكون لبنان نموذجاً. اقول قد، علماً أن سلطته المزمنة، لا زالت تعيش زمن ما قبل الوباء. لم تتغير. لم تتبدل. لم تتعلم. لم تخجل. لم تهتم. كل ما تقوم به، تقليد ونسخ لما كانت ترتكبه قبل الوباء. طبقة، مالية طائفية مصرفية ادارية، تتصرف وكأن لبنان ما زال مزرعتها. وكل ديك على مزبلته الطائفية صيَّاح. التعيينات جرصة. بغاء علني. دعارة مفضوحة. بلا خجل ولا تستر. على المفضوح: هذه لي وليست لك. وتلك لي وليست لغيري. وما تبقى تتقاسمه الذئاب. هذا يحصل في عز الكورونا، ويحصل ايضا اقرار سد بسري بالملايين… يا للعار!!!
اطمأنت ذئاب لبنان. تظن أن الانتفاضة ماتت او باتت صدى فقط. غلط. انهم عائدون. عائدون حتماً. سيكونون اقوى. ليس لديهم ما يخسرونه سوى قيودهم. وقيودهم ليست زينة لزنودهم، بل قبضات تقض مضاجع، وتخلع اسواراً وتدك مؤسسات… اللقمة المذلة التي يوزعونها على قطعانهم، لا تنفع. العوز والبطالة والجوع لن يقود إلى الانتحار، بل إلى كلمة مشتقة من التحرر والانتحار وفهمكم كفاية… الانتفاضة لم تمت. أنتم سببها. أنتم ديمومتها. لم نجد اوقح من هذه الطغمة، التي، برغم الكورونا، تشلّح الناس ودائعها المصرفية، وتتلاعب بسعر الدولار، ولا تراقب الاسعار، وتشارك في السوق السوداء، أي تنهب الفقراء علنا، وتحمي الحراميي وتشاركهم البغاء المصرفي.
اليوم، حرب على الكورونا.
غداً، عليكم أن تحزموا حقائبكم.
وإذا لم يحدث ذلك، فان اللبنانيين سيزحفون على بطونهم الخاوية، وعلى لبنان السلام. إن غداً لناظره قريب. وستجد الطغمة المجرمة من يقف معها وخلفها، من خدم الطائفية وزبانيتها. قيل: كلما طالت عصا الراعي، كلما تجمع وتكاثر القطيع.
قطعان الطوائف ألد أعداء الانتفاضة. هذه الطغمة مستعدة أن تمشي على جباهها. إنما إلى متى؟
لذا، لا بد للبنان القديم هذا، أن يموت. سنحتفل بولادته مرة أخرى، دولة مواطن وكرامة ووفاء وعطاء والتزام وعدالة والى آخره من فضائل الانتماء والديموقراطية والمساواة والانسانية.
هذا حلم بعيد… اننا أكثر الناس تفاؤلاً، لأننا نحلم. فلتحيَ الاحلام. طبعاً الاحلام.

• منقول عن موقع السفير
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى