سياسةصحف

تنشيط ملفّ عودة اللاجئين: الجيران يسرّعون خطواتهم… والاستعدادات السورية

 

الحوارنيوز – الأخبار

تحت هذا العنوان كتب علاء الحلبي في الأخبار يقول:

 

مرّة أخرى، عاد ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى الواجهة، بعد قفزات سياسية واسعة في الملف السوري، عادت من خلالها دمشق إلى ممارسة دورها في «الجامعة العربية». وبذلك، تحوّل العمل الذي بدأته روسيا وسوريا لإبعاد الملف الإنساني عن طاولة السياسة، من جهود محدودة، إلى عمل أوسع انخرط فيه الأردن ولبنان والعراق، وأخيراً السعودية.

يمثّل ملف اللاجئين السوريين أحد أبرز الملفات المعقّدة في الأزمة، لأسباب عديدة من بينها ارتباطه بعمليات إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية المتضررة من الحرب، واستثمار الولايات المتحدة ودول أخرى لهذا الملف في عمليات الضغط المتواصلة والمتصاعدة على دمشق. ووضع ذلك دول الجوار التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين تحت ضغوط متعددة الطبقات، لتأتي الانفراجات السياسية الأخيرة، وخطّة العمل المشتركة في إطار «المبادرة العربية»، فتحلحل بعض التعقيدات في الملف المذكور. ويبدو الأردن، الذي يستضيف، وفق إحصاءات رسمية، نحو 1.3 مليون سوري، بينهم أكثر من 675 ألف شخص يحملون صفة لاجئ وطالب لجوء، أكثر المتحمّسين لدفع عجلة العودة الطوعية، إذ تُعتبر هذه المسألة أحد أسس «المبادرة الأردنية» التي تطوّرت إلى شكل أوسع تنخرط فيه السعودية ودول عربية أخرى تحت مسمى «المبادرة العربية»، والتي تشمل إلى جانب اللاجئين، مسائل أخرى تتعلق بضبط الحدود، ودفع العملية السياسية، وغيرها. ويفسّر ما تَقدّم الطرح الأخير المتصل بتأسيس صندوق مشترك لتأمين التمويل اللازم لبدء تأهيل البنى التحتية في المناطق المدمّرة تمهيداً لإعادة اللاجئين، ما يعني المضي قدماً في المسار الروسي للحل في سوريا، وفصل ملف اللاجئين، ما أمكن، عن الملفات الأخرى، على اعتبار أن حلحلته من شأنها أن تؤثر على النقاط الباقية وتدفعها هي الأخرى إلى الأمام.

ويولي المسار الروسي، سواء عبر محادثات «أستانا» أو من خلال «الرباعية» التي تنخرط فيها طهران وأنقرة ودمشق وتهدف إلى خلق تعاون بين سوريا وتركيا مشابه للعمل الأردني – السوري، والعمل السوري – السعودي أخيراً، اهتماماً واضحاً للملف الإنساني، إذ تسعى روسيا وفق كل الطرق المتاحة إلى ضمان المضي قدماً في هذا الملف، ما يفسّر الجدل المتواتر في أروقة مجلس الأمن حول ملف المساعدات الإنسانية العابرة للحدود، وإصرار موسكو على وضع بند واضح يتعلق بدعم مشاريع «التعافي المبكر» كشرط لتمرير المساعدات عبر معبر باب الهوى في إدلب، بالإضافة إلى تمرير مزيد من المساعدات عبر خطوط التماس (عن طريق دمشق)، ما يضمن بالإضافة إلى تنشيط ملف عودة اللاجئين، توزيعاً عادلاً للمساعدات.
في المقابل، تقف الولايات المتحدة ودول في الاتحاد الأوروبي، في محاولة لعرقلة معالجة ملف اللاجئين، والذي تريد هذه الدول، وفق تصريحات عديدة لمسؤوليها «ثمناً سياسياً» لحلحلته، وتمكّنت بالفعل من «فرملة» جهود سابقة لإعادة دفعات من اللاجئين من الأردن ولبنان، سواء عبر الضغوط السياسية والتلويح بالعقوبات الأميركية، أو عن طريق حملة دعائية كبيرة أثّرت على قسم كبير من الراغبين في العودة، ما أدى إلى تجميد حملات العودة بشكل مؤقت. غير أن هذا التجميد ترافق مع تخفيض مستمر في حجم المساعدات الأممية للاجئين، الأمر الذي تسبّب بمضاعفة الآثار الاقتصادية والإنسانية عليهم – علماً أن قسماً كبيراً منهم يعيشون في ظروف غير إنسانية أصلاً -، وعلى الدول المضيفة، التي تعاني أساساً مشاكل اقتصادية معقّدة.

يجري الحديث عن استعداد وفد حكومي لبناني لزيارة دمشق

في الوقت الحالي، وبينما يستعد لبنان لإعادة تنشيط العودة الطوعية، بعد مناقشات عديدة مع الجانب السوري، ومع أطراف عربية أخرى منخرطة في «المبادرة العربية»، يستعد الأردن بدوره للمضي على الطريق نفسه. وفي هذا الإطار، أكدت مصادر عربية متقاطعة، لـ«الأخبار»، أن الحكومة السورية أبدت مرونة كبيرة رغبةً منها في تسريع وتيرة حلّ مشكلة اللاجئين، عن طريق توسيع نطاق عمل «مراكز المصالحة»، وتقديم ضمانات للراغبين في العودة، من بينها تجهيز مراكز استقبال مؤقت يمكن للراغبين السكن فيها، ريثما يتم تأهيل البنى التحتية في مناطقهم المدمّرة، بالإضافة إلى تشكيل لجان لتسهيل حلّ بعض المشكلات الورقية المتعلقة بالسجل المدني، وتقديم فترات سماح قد تصل إلى ستة أشهر للمتخلّفين عن الخدمة العسكرية ليقوموا بترتيب أوضاعهم قبل الالتحاق بالجيش، في استعادة لمعظم بنود المصالحة في الجنوب السوري، والتي أثمرت، على رغم وجود بعض الخروقات بين وقت وآخر، إنهاء الحرب في درعا، وأعادت بشكل تدريجي الحياة إلى الجنوب.
وأوضحت المصادر، التي ذكّرت بأن الموقف الأميركي والغربي، والدعاية المستمرّة ضد حملات العودة الطوعية، أضرّا بالفعل بهذا الملف، أن عملية تنشيط العودة ستتمّ على مراحل متلاحقة، تبدأ بعودة دفعات صغيرة، تتبعها دفعات أكبر، ما يتطلّب مناقشة بين سوريا والدول المضيفة للاجئين، لتحديد الأعداد ومواعيد العودة، بهدف تأمين مراكز إقامة ملائمة، بالإضافة إلى وضع خطة لتأهيل البنى التحتية المدمرة في المناطق التي ينحدر منها اللاجئون. ويجري الحديث عن استعداد وفد حكومي لبناني لزيارة دمشق، التي زارها فعلاً وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال، عصام شرف الدين، الأسبوع الماضي، وأجرى لقاءات مع مسؤولين سوريين بينهم وزيرا الداخلية والإدارة المحلية، ليعلن أن دمشق أبدت استعدادها لاستقبال 180 ألف لاجئ كدفعة أولى، مضيفاً، في تصريحات نشرتها وكالة «سوبتنيك» الروسية، أن «الحكومة السورية قدّمت وعوداً بالنظر في أوضاع كل النازحين وإعادة التوظيف للراغبين، وإمكانية إعطاء عفو رئاسي يشمل جميع المواطنين، حتى من حمل السلاح منهم، وذلك ليشمل كل الفئات النازحة، حتى جهات المعارضة السورية الراغبة بالعودة. أما بالنسبة إلى من لا يرغب بالعودة من اللاجئين السياسيين، فعليه أن يقدّم طلب لجوء سياسي إلى بلد ثالث من خلال مفوضية اللاجئين».
من جهتها، تتابع تركيا، المنخرطة في الوقت الحالي في دراسة مشتركة مع سوريا لخريطة الطريق الروسية للتطبيع بين البلدَين، التضييق على اللاجئين السوريين، حيث تقوم بشكل يومي بترحيل العشرات إلى الشمال السوري، في استكمال لسياسة بدأتها قبل نحو عامين بالتوازي مع بدء العمل على إنشاء مجمعات سكنية في سوريا على الشريط الحدودي، لتوطين لاجئين سوريين «موثوقين»، بهدف إنشاء حزام بشري موال لها قرب حدودها الجنوبية. وبحسب مصادر سورية معارضة تحدثت إلى «الأخبار»، فإن السلطات التركية أصدرت أوامر بالحد من تنقّلات السوريين بين الولايات التركية، حيث بات يتطلب التنقّل الحصول على إذن من السلطات التركية التي لا تمنحه إلا للضرورة القصوى، فيما يتم اعتقال وترحيل أي سوري ينتقل من دون إذن
وتضيف المصادر أنه يجري ترحيل أي سوري يشتكي منه الأتراك، حتى لو كانت الشكاوى كيدية، مضيفةً أن السلطات التركية تقوم بنقل هؤلاء السوريين إلى المعابر الحدودية مع سوريا، وتسلّمهم للفصائل التي تتحكم بالمعابر، وتصدر بحقهم قرارات بمنع دخول الأراضي التركية.
وعلى رغم الضغوط التركية المتواصلة على اللاجئين، الذين تقول السلطات التركية إن عددهم يبلغ نحو 3.5 ملايين لاجئ، بعد عودة نحو 500 ألف لاجئ، ضمن الحملات السابقة، يتطلّب حل هذا الملف انخراط أنقرة في تعاون واضح المعالم مع دمشق، الأمر الذي تحاول موسكو وطهران توفيره عن طريق المصالحة بين البلدين. ويعني ما تقدّم، ارتباط هذا الملف بملفات إشكالية أخرى، في ظل إصرار دمشق على أن تؤدي الاتفاقات بين البلدين إلى سحب تركيا قواتها من سوريا ووقف دعم الفصائل، ومن بينها «هيئة تحرير الشام»، وفي المقابل، استمرار أنقرة في ربط وجودها العسكري بما تعتبره «مخاطر إرهابية» في إشارة إلى الأكراد. وتسود توقّعات بتحقيق خطوات ملموسة بين البلدين، بعد الاتفاق على دراسة خريطة الطريق الروسية، وفي ظلّ بدء التسخين الميداني في إدلب، أولى وجهات التوافق السوري – التركي المتوقّع، لما تحقّقه هذه المحافظة من مصالح مشتركة، من بينها فتح الطرق الدولية. وقد يمكن اعتبار ذلك مؤشراً إلى بدء عمل مشترك أوسع في ملف اللاجئين السوريين، وفق أسس مشابهة للعمل مع الأردن ولبنان، والذي دخل مرحلة التسارع.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى